تاريخ استطلاع الرؤية في مصر.. «لهيطة» أول قاض يتولى استكشاف هلال رمضان.. الفاطميون وضعوا لها طقوسًا خاصة.. وهذا سر تشييد مسجد جبل المقطم
رمضان في مصر له طعم ومذاق خاص، تملؤه الفرحة والبهجة وتكسوه الأعلام والزينات، وعلى الرغم من ظروف الغلاء التي تعانيها البلاد الآن، فمازال المصريون حتى الان يمارسون العادات والتقاليد المتوارثة وخاصة عادات رؤية هلال شهر رمضان استعدادًا لإعلان الصيام.
وكما يقول المؤرخ إبراهيم العنانى: عرفت مصر رؤية هلال رمضان مع خروج أول قاضي تولى القضاء في مصر، ويدعى أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيطة، لاستطلاع الهلال ورؤيته في بر مصر المحروسة عام 155 هـ، وأعدت له دكة خشبية، وتبعه بعد ذلك القضاة؛ حيث كانت تعد لهم دكة خشبية على سفح جبل المقطم عرفت بـ "دكة القضاة"، يخرج إليها لنظر الأهلة، فلما كان العصر الفاطمي بنى قائدهم بدر الجمالي مسجدًا له على سفح المقطم اتخذت مئذنته مرصدًا لرؤية هلال رمضان.
السعودية تدعو لتحري هلال شهر رمضان
احتفال العصر الفاطمى
ففي العصر الفاطمي كانت مظاهر الاحتفال لها تقاليد رسمية؛ حيث كان الخليفة يخرج في مهرجان إعلان حلول شهر رمضان من باب الذهب -أحد أبواب القصر الفاطمي- متحليًا بملابسه الفخمة وحوله الوزراء بملابسهم المزركشة وخيولهم بسروجها المذهبة، وفي أيديهم الرماح والأسلحة المطعمة بالذهب والفضة والأعلام الحريرية الملونة، وأمامهم الجند تتقدمهم الموسيقى، ويسير في هذا الاحتفال التجار صانعو المعادن والصاغة وغيرهم الذين كانوا يتبارون في إقامة مختلف أنواع الزينة على حوانيتهم، فتبدو الشوارع والطرقات في أبهى زينة، كما يخرج المنادون في جميع أنحاء المحروسة يعلنون للناس حلول الشهر الكريم بعد ثبوت رؤية الهلال المعظم، وإذا لم ير القاضي هلال رمضان خرج المنادون يعلنون أن الغد هو المتمم لشهر شعبان.
وكان موكب الخليفة يبدأ من بين القصرين "شارع المعز بالصاغة الآن"، ويسير في منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح "أحد أبواب سور القاهرة الشمالية "، ثم يدخل من باب النصر عائدًا إلى باب الذهب بالقصر، وفي أثناء الطريق توزع الصدقات على الفقراء والمساكين، وحينما يعود الخليفة إلى القصر يستقبله المقرئون بتلاوة القرآن الكريم في مدخل القصر ودهاليزه، حتى يصل إلى خزانة الكسوة الخاصة، فيغيِّر ملابسه ويرسل إلى كل أمير في دولته بطبق من الفضة مملوء بالحلوى، تتوسطه صرة من الدنانير الذهبية وتوزع الكسوة والصدقات والبخور وأعواد المسك على الموظفين والفقراء، ثم يتوجه لزيارة قبور آبائه حسب عاداته، فإذا ما انتهى من ذلك أمر بأن يكتب إلى الولاة والنواب بحلول شهر رمضان.
مسجد على جبل المقطم
ويحكى الدكتور خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي ووكيل كلية الأداب جامعة القاهرة لـ “فيتو” عن خصائص وعادات رمضان في مصر بدءا بليلة الرؤية في العهد الفاطمي؛ حيث قام القائد بدر الجمالى بتشييد مسجد على سفح جبل المقطم واتخذ من مئذنته مرصدًا لرؤية هلال رمضان في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، وكان الخليفة يخرج في مهرجان كبير لرؤية الهلال وكانت النساء في مصر تسير في موكب الخليفة لرؤية الهلال مرددين الاشعار والتواشيح.
مرحب شهر الصوم، دار الإفتاء تستطلع هلال شهر رمضان لعام 1445 هجريًّا في حفل رسمي اليوم
وأضاف الدكتور خالد أبو الليل: إن النساء شاركت مع الرجل جنبًا الى جنب في احتفالات الرؤية لدرجة أن أحد الرحالة الأتراك أطلق على يوم الرؤية "عيد النسوان"، وكان هذا الحضور ضروريًّا لدرجة أنه كان يشترط في عقد الزواج ألا يمانع الزوج من خروج الزوجة ومشاركتها في احتفالات الرؤية.
قاضي القضاة يستطلع الرؤية
وفي العصر العثماني كان كان قاضي القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس، ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف، وكانوا يشاهدون الهلال من منارة مدرسة المنصور قلاوون المدرسة المنصورية "بين القصرين" لوقوعها أمام المحكمة الصالحية "مدرسة الصالح نجم الدين بالصاغة"، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفي المآذن وتضاء المساجد، ثم يخرج قاضي القضاة في موكب تحوطه جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام.
وفي زمن الحملة الفرنسية حين كانت أوضاع البلاد غير مستقرة بسبب المقاومة الشعبية ضد جيش الاحتلال الفرنسي، فلم تسمح بمظاهر احتفالية خوفًا من عربدة عسكر الفرنسيين فتمت رؤية الهلال من القاضي وأعلنت بالمنادى، إلا أن نابليون قائد الحملة استغل شهر رمضان للتقرب من المصريين فمنع غير المسلمين عن الإجهار بالأكل في نهار رمضان وأقام في الأسكندرية بطارية مدفع فوق جبل الناضور، حيث يتم إسقاط كرة المدفع ساعة غروب الشمس فتحدث دويًّا، فأصبح هذا الصوت إيذانًا بموعد الإفطار وأطلق عليها "كرة الزوال".
المحتسب والفرق الموسيقية
وفى عهد الأسرة العلوية كما نشر في كتاب " الحياة الاجتماعية في مصر في القرن 19 " يقول: إن الأهالي كانوا يخرجون إلى الخلاء لاستطلاع الهلال، بينما يسير موكب المحتسب والأعيان والفرق الموسيقية تعزف على الطبول تنتظر عودة أحد المرسلين لاستطلاع الهلال، وعندما يثبت تودع وثيقة في المحكمة الشرعية ببدء الصيام وتضاء المساجد بالقناديل.
البحوث الفلكية توضح حقيقة بدء رمضان الثلاثاء المقبل
المحكمة الشرعية بباب الخلق
ومع بداية القرن العشرين في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني انتقل إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق، حيث كانت مواكب الرؤية تخرج إلى المحكمة الشرعية؛ موكب لأرباب الحرف على عربات مزدانة بالزهور والأوراق الملونة، وموكب الطرق الصوفية بالشارات والرايات والبيارق، وفرق رمزية من الجيش والشرطة بموسيقاها المميزة، حيث كانت تمر المواكب بقصر "البكري" بالخرنفش، حيث نقيب السادة الأشراف وأمراء الدولة والأعيان يستقبلون وفود المهنئين وتُوزع المرطبات ويتبادل الجميع التهاني، بينما مدافع القلعة والعباسية تدوي وتطلق الألعاب النارية وتضاء الأسواق والشوارع وجميع القباب والمآذن، يوم كانت المآذن تعلو البيوت.
احتفال رجال يوليو بهلال رمضان
وفى عهد الثورة أقيم الاحتفال بالمحكمة الشرعية بمنطقة الحلمية الجديدة برئاسة فضيلة الشيخ حسن مأمون مفتي الديار وحضرها اللواء محمد نجيب وشيخ الأزهر محمد الخضر حسين، فبعد أشهر قليلة من قيام ثورة يوليو 1952 وليلة أول رمضان بعد الثورة أقامت حكومة الثورة أول أحتفال لثبوت رؤية هلال رمضان في ظل عهد الثورة وإلغاء الملكية وخروج الملك السابق فاروق وعائلته من مصر، وقيام الجمهورية.
ونشرت جريدة الأهرام اليوم الأول من رمضان خبرًا بعنوان (الاحتفال بثبوت رؤية الهلال) قالت: إن المحكمة الشرعية دعت إلى احتفال كبير أقيم أمس بدارها في الحلمية الجديدة ابتهاجًا برؤية هلال شهر رمضان، وشهد الحفل عددًا كبيرًا من رجال الدين والدولة وفي مقدمتهم اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية، وفضيلة شيخ الأزهر محمد الخضر حسين، ومجموعة من أعضاء مجلس قيادة الثورة، منهم رئيس الوزراء البكباشى جمال عبد الناصر وفتحى رضوان وزير الثقافة والإرشاد القومي وزكريا محيى الدين.
ومع إنشاء دار الإفتاء المصرية أواخر القرن التاسع عشر أسندت اليها مهمة استطلاع هلال رمضان والاحتفال به، وتقوم الدار بهذه المهمة كل عام بعد غروب الشمس يوم 29 من شعبان من خلال لجانها الشرعية والعلمية المنتشرة بجميع انحاء الجمهورية بالوادي الجديد، توشكا، مرسى مطروح، سوهاج، قنا، البحر الأحمر والسادس من أكتوبر، ومرصد حلوان وتعلن النتيجة في حفل يحضره شيخ الأزهر والمفتون السابقون، ووزير الأوقاف ومحافظ القاهرة والوزراء والسفراء والقضاة وجميعهم في ضيافة مفتى الديار المصرية.
سنة حسنة للإفتاء
وكان الاحتفال بليلة الرؤيا لشهر رمضان يتم في سرادق بجوار دار القضاء العالى عندما كان مقر دار الإفتاء بها، ثم انتقل الى قاعة المؤتمرات بالدار بالدراسة وانتقلت حاليًّا الى قاعة المؤتمرات الكبرى للأزهر الشريف بمدينة نصر. وتنتهج الدار سنة حسنة بطبع كتيبات عن الصيام يوزع على الحضور والجمهور الزائر للدار على مدار الشهر الكريم.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.