رئيس التحرير
عصام كامل

السلفية على طريقة الترزية!


تنشر الصحف اليومية المتعددة كما هائلاً من التحقيقات الصحفية والحوارات والأخبار والتعليقات تحتاج من القارئ المتابع من أمثالنا وقتاً طويلاً لمتابعتها، ولذلك بحكم المهنة التى احترفتها منذ سنوات طويلة وهى البحث العلمى فى مجالات الاجتماع والسياسة والثقافة كان لابد لى أن أصوغ لنفسى منهجاً يسمح لى بالقراءة فائقة السرعة لكل هذه الموضوعات بحيث لا أقف إلا عند المهم منها لكى أحلله بصورة دقيقة.


وأحيانا متأملا أمام بعض الحوارات مشدوها من قوة تفاهة المتحدثين أو شذوذ تفكيرهم أو تطرفهم الفكرى ناهيك عن تشددهم الدينى والمقيت.
وقد فاتنى أن أطلع على حوار زاخر بالأفكار السلفية المشوهة والتى لو وصفتها بأنها رجعية لأعطيتها تقديراً لا تستحقه.
ذلك لأنها خليط من الأفكار المشوشة التى تتحدث زوراً وبهتاناً عن تطبيق الشريعة فى بلادنا أو كما تصيح جحافل السلفيين من أنصار الشيخ "حازم لازم أبو إسماعيل" تريد تطبيق شرع الله!
وحين تسألهم ما هو شرع الله الذى تريدون تطبيقه لا يجيبون لأنها دعوة غامضة مبهمة.
غير أن الكاتب الكبير "فهمى هويدى" وهو من الغيورين على صحيح الإسلام ومن الذين يستهجنون الدعوات المتشنجة لتطبيق الشريعة لفت نظرى فى مقال له نشره فى جريدة "الشروق بتاريخ 3 يناير 2012 وعنوانه "درس فى تسميم الأجواء" إلى حوار مهم حقاً أدارته صحيفة ما (لم يسمها) مع شخصية سلفية فذة.
وهذه الشخصية ترجع "فذاذتها"! إلى كونه شخصاً جامعياً سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتعرف على أهمية تطبيق الشريعة هناك وهو يعمل "ترزياً" بعد أن تدرب على هذا الفن الرفيع فى أحد أكبر محال تفصيل الملابس فى نيويورك.
وعاد إلينا هذا الترزى الفقيه وله مجموعة قواعد متكاملة لتطبيق الشريعة الإسلامية بالقوة على جماهير المصريين بعد أن أتم رحلته الميمونة إلى أمريكا وأصبح ترزياً وداعية إسلامياً فى نفس الوقت؟
سأله المحرر كيف سيتم تطبيق الشريعة؟
قال الرجل –لا فض فوه- من خلال الشرطة وادعى أن هيئة اسمها "الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" قدمت طلباً إلى وزارة الداخلية لكى تكون ذراعها فى تطبيق الشريعة فى الشارع!
أى أن مجموعة من "الهمج" سيسيرون فى الشوارع لتطبيق الشريعة على الطريقة السعودية لتعليم الناس أصول السلوك الاجتماعى على الطريقة الترزية السلفية.
وحين سأله المحرر الأريب هل ستطبق الشريعة على الزى فى الشارع؟
أجاب الرجل الترزى الفقيه بنعم وصرح تصريحاً خطيراً مؤداه أنهم هم الذين سيحددون الزى للنساء وللرجال أيضاً!
لأنه لابد من زى شرعى للرجل أيضاً فالرجال- تأمل معى الهيافة التى يتمتع بها هذا الترزى المتعلم - يمكن أيضاً أن يثيروا الفتن!
فتن إيه التى يثيرها الرجال فى الشارع التى يدعيها هذا المأنوف! إن الرجال يسيرون والحمد لله فى الشارع المصرى وكأنهم غائبون عن الوعى! وذلك من فرط الفوضى والزحام واختلاط عربات الكارو وبيع سيارات الميكروباص بكل مشاكلها وإذا أضفت إليها "التوك توك" التى احتفل الرئيس "مرسى" لسائقها لأدركت أن الرجال الغلابة ليس لديهم جميع القوي لاستعراض مفاتنهم وهم يسيرون فى الشارع الفوضوى المصرى الذى لا يخضع لأى قاعدة، والذى هو –والحق يقال- أحد أعاجيب الدنيا السبع! ولا ننسى – فيما يتعلق بالشارع- أن نتحدث عن "الأرصفة" المرتفعة التى تحتاج من العواجيز أمثالنا إلى "سلم" متنقل حتى تستطيع الصعود إليها!
ويقول لك بعض "الحكماء": إن الغرض من رفع مستوى الرصيف منع السيارات من أن تستعمله كجراج!
هل هناك – فى العالم- حكمة مثل هذه الحكمة؟
مع أنهم – وأقصد المتقدمين من شعوب العالم فى خارج مصر المحروسة-يتعمدون نظراً لغبائه تخفيض مستوى الرصيف رحمة بالعجائز والأطفال والنساء وباقى طوائف الشعب. لاحظ ذلك من أتيح لهم السفر وزاروا باريس أو لندن واندهشوا من أن الرصيف هناك وليس الشارع فقط له قواعد إنسانية.
ويبدو أن كبر السن أصاب الواحد منا بداء الثرثرة الفارغة لعنها الله!
ونعود إلى الترزى الهمجى وصرح أنه – من باب التسامح – لن يفرضوا الجلباب زياً وطنياً، ولكنهم سيمنعون ارتداء البنطلونات الضيقة والقمصان المفتوحة! كما سيمنعون الشباب من ارتداء السلاسل والأساور فذلك من قبيل التشبيه بالنساء المنهى عنه شرعاً! وحين سأله المحرر عن الأقباط قال بفصاحة يحسد عليها سندعوهم إلى الإسلام ونقوم بتوزيع بيانات أمام الكنائس!
أى أن هذا المعتوه وأمثاله من السلفيين الغوغائيين سيقومون بإشعال الفتنة الطائفية لتطبيق شرع الله كما يزعمون!
أما اللوائح التى وضعها بالنسبة للسياح فهى غاية فى التيسير لتشجيع السياحة وهى منع السياح من أربعة أمور هى تدخين السجائر وشرب الخمور والعلاقات الجنسية وممارسة رذيلة المساج (التدليك) والعياذ بالله!
لن أسترسل فى سرد هذه الروائع السلفية مع أنها يمكن من فرط هزليتها أن تروح عن الإنسان فى هذا المناخ الثقيل السائد فى مصر المحروسة والمزدحم بالتطرف الدينى والتشدد العقائدى من قبل مجموعات من المهووسين بتطبيق الشريعة وهم لا يفهمون منها شيئاً!
غير أنه لفت نظرى إلى أن الأستاذ هويدى أطلق على نشر هذه الحوارات أنها "درس فى تسميم الأجواء" وسألت نفسى هل من يسممون الأجواء من ينشرون الحوارات أم من ينشرون هذه الأفكار البدائية الهمجية؟
eyassin@ahram.org.eg

الجريدة الرسمية