وَحْل الحرب الأوكرانية.. كشف حساب عامين من التدمير المتبادل بين روسيا والغرب.. ٢٠٠ مليار دولار خسرتها موسكو خلال عامين وفقدان ١٥٪ من الناتج القومي
ما زالت الحرب الأوكرانية تلقى بتداعياتها على العالم، إذ على الرغم من مرور عامين على انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية، وظهور تحولات جديدة وتغيرات جيوسياسية على الساحات الدولية، إلا أن جميع المؤشرات تؤكد أن الصراع لم يصل حتى الآن إلى الاقتراب من نهايته، وبالرغم من حجم الدعم الأمريكي والغربي الهائل لكييف في صراعها ضد موسكو، إلا أن الدب الروسي استطاع الصمود ونجح في الهروب من محاولة حصاره.
تقول الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسي: إنه خلافا للهدف الغربي والأمريكي في استنزاف موسكو والدفع لانهيارها اقتصاديا وسياسيا، استطاعت الخروج من الحرب حتى الآن بمكاسب مهمة، صحيح بتكلفة ليست بالقليلة، ولكنها حققت مكاسب مهمة للغاية أيضًا، أبرزها ضم منطقة دونباس التي تمثل عصب الاقتصاد الأوكراني، بالإضافة إلى أن نحو 20% من الأراضي الأوكرانية التي أصبحت تحت سيطرتها.
وأوضحت الشيخ أن المناطق التي سيطرت عليها روسيا تعد من أغنى وأهم أراضي أوكرانيا، وتحتوى على مناجم الفحم والحديد ومصادر المياه والأراضي الزراعية الخصبة المنتجة للحبوب والصناعات الثقيلة والعسكرية، بجانب محطة زاباروجيا، وهى أكبر محطة طاقة نووية كهربائية فى أوروبا، لافتة إلى أن كل ما تبقى من الأراضي في أوكرانيا لا يملك كل هذه الموارد والمقومات الاقتصادية.
وذكرت أستاذة العلاقات الدولية أن روسيا استطاعت فك ارتباطها بأوروبا اقتصاديا، كما نوعت من أسواقها للطاقة ومن شراكاتها، ودشنت صداقات أوسع سواء فى آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، ما أسهم في إعطاء موسكو درجة استقلالية كبيرة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاستراتيجي، لافتة إلى أن خطوة فك الارتباط مع أوروبا لم تكن هينة أيضًا، ولكنها كانت في غاية الأهمية ولها تداعيات على النظام الدولى.
تابعت: ساهمت أيضًا فى تدشين نظام اقتصادي جديد بالعالم، وهناك نظم ومؤسسات مالية جديدة بدأت تطرح نفسها على الساحة الدولية، وكل هذا يغير كثيرًا فى المعادلات الاقتصادية والاستراتيجية بشكل عام.
وتابعت نورهان الشيخ: “الخاسر الأكبر من الحرب هي أوكرانيا، بعد أن دُمرت بالكامل وهاجر الملايين من مواطنيها إلى أوروبا، بالإضافة إلى نزوح ملايين آخرين داخليا، كما أن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية على كييف كانت كارثية “، لافتة إلى أن الخاسر الثانى بعد أوكرانيا هى الدول الأوروبية.
استكملت: “هناك سيناريوهان هما الأقرب للمنطق، الأول بدء مفاوضات بين البلدين ولابد أن تكون بشروط روسيا لأنها لن تقبل بوقف العملية العسكرية دون تحقيق أهدافها المتمثلة فى الاحتفاظ بالأراضي التى ضمتها من أوكرانيا، والحفاظ على كل ما حققته من مكاسب، أو السيناريو الثانى وهو الاستمرار فى العملية العسكرية، وبالتالي لا بديل عن هذين السيناريوهين”.
أضافت: “أمريكا والدول الغربية فشلوا إلى حد كبير فى تحقيق أهدافهم من الصراع، مؤكدة أن هدفهم الرئيسي كان يتلخص في استدراج روسيا بحرب استنزاف لضرب اقتصادها، الأمر الذى يهدد استقرار نظامها السياسي ويطيح في النهاية بنظام الرئيس فلاديمير بوتين ما يسهم في عزل موسكو عن العالم سواء اقتصاديا أو استراتيجا.
تابعت: لكن كل ذلك لم يحدث، بل على العكس انكشفت سياسة ازدواجية المعايير الغربية، وخصوصا بعد العدوان على غزة الذى فضح السياسة الغربية، واتضح للكثيرين أن مسالة الدفاع عن أوكرانيا ودعمها كانت مجرد دعاية، وأن الخطاب حول حقوق الإنسان والديمقراطية إلى آخره أمر لا علاقة له بالواقع، وبالتالى أسهم هذا فى تراجع حجم القبول الشعبي والعالمي للولايات المتحدة وأوروبا.
وعن ارتباط الانتخابات الرئاسية الأمريكية بملف إنهاء الصراع فى أوكرانيا، قالت الشيخ إن دونالد ترامب قالها صراحة فى جولاته الانتخابية، أنه قادر على إنهاء هذه الحرب خلال 24 ساعة، لافتا إلى أنه يعلم ماذا سيقول لرئيس أوكرانيا وروسيا.
مضيفة: “ببساطة بمجرد إعلان الولايات المتحدة عن وقف دعم أوكرانيا، سيفعل الأوروبيون كذلك، وإذا توقفت المساعدات تماما ستتوقف أوكرانيا عن الحرب وتعلن دخولها المفاوضات”.
واختتمت الشيخ: “الولايات المتحدة تنهى الأزمات بأزمات جديدة، وحال تولى ترامب الرئاسة سيوجه أنظاره إلى الصين التى يعتبرها التهديد الأهم، سواء على المستوى التكنولوجى أو الاقتصادى أوالتجارى، وربما يكون هناك تصعيد بشكل أو بآخر مع الصين أو أى دولة أخرى تدعمها.
من ناحيته، قال الدكتور أشرف سنجر، خبير السياسات الدولية، إن الحرب الروسية الأوكرانية وصلت إلى مرحلة الاستنزاف، موضحا أنها بدأت بتقييمات خاطئة من قبل الكرملين وبوتين للموقف الأوكرانى، وتم البناء على عدد من العوامل التى لم تتحقق منذ بدء العملية إلى الآن، وهذا ما ترتب عليه تغيير عدد من القيادات العسكرية الروسية وتعديل خطط الحرب.
مشيرا إلى أن موسكو خسرت خلال عامين من الحرب أكثر من 200 مليار دولار، وتم تجميد نحو 300 مليار دولار من أموالها فى الخارج بسبب العقوبات المفروضة عليها، بالإضافة إلى فقدان 15% من إجمالي الناتج القومي الروسي، كما أن “مخطط إضعاف موسكو يخدم المصالح الصينية بشكل كبير”.
وتابع خبير السياسات الدولية: أبرز مكاسب روسيا التى حققتها من الحرب أيضًا، هو نجاحها فى الصمود أمام كل أنواع العقوبات التي فرضت عليها والاعتماد على ذاتها، والاستمرار حتى الآن فى ممارسة أدوار مهمة فى السياسة الدولية، كما أنها لم تنكسر، بل استطاعت تطوير ترسانتها العسكرية، وأرسلت رسالة واضحة للغرب مفادها أنها قادرة على الاستمرار في هذا الصراع لسنوات قادمة.
وأشار إلى أن الغرب حقق هدفا استراتيجيا من خلال استنزاف روسيا، ولكن عن طريق الدماء الأوكرانية.