التحركات المريبة لحكومة أبى أحمد.. سياسات رئيس الوزراء تضع المنطقة فوق برميل بارود.. وخبراء: لن يربح إلا عداء دول الجوار.. بعد مصر والسودان وإريتريا.. الصومال تنضم إلى القائمة
أصبحت إثيوبيا مصدر الصراعات فى بلدان القرن الأفريقى خاصة فى المنطقة الشرقية منه.
ومنذ نشأتها وحتى الآن، تبقى أحلام التوسع والسيطرة على حقوق دول الجوار طبعا غالبا على السياسة الإثيوبية، مستخدمة كل الوسائل المتاحة أمامها من أجل تحقيق أهدافها على حساب الغير.
ومنذ انفصال إريتريا عنها، أصبحت إثيوبيا دولة حبيسة لا تمتلك أى موانى على البحر الأحمر، وعلى الرغم من المرور السهل والسلس لبضائعها إلى البحر من خلال الدول المجاورة لها، إلا أن ذلك لم يقض على أحلامها التوسعية بامتلاك موانى على البحر الأحمر.
وبدأت تحركات إثيوبيا نحو السيطرة على موانى تمتلكها دول الجوار فى البحر الأحمر، بعد الخطاب الأخير لأبى أحمد أواخر العام الماضى، وهو ما فتح الباب من جديد أمام المخاوف من دخول أديس أبابا فى صراع مفتوح مع جيرانها، خاصة أنها ما زالت تفتعل أزمة كبيرة مع مصر والسودان، بسبب سد النهضة.
وخلال جلسة البرلمان تم تقديم مسودة وثيقة للمفارقة أعدتها وزارة السلام، تهدف إلى إعادة تأكيد المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الوطنية لإثيوبيا فى البحر الأحمر.
الوثيقة عنوانها «المصلحة الوطنية لإثيوبيا»، تنص على مبادئ تشير إلى الحاجة الملحة لحصول الدولة الواقعة فى القرن الأفريقى على منفذ إلى البحر الأحمر على أساس حقها المفترض فى بناء واستخدام ميناء خاص بها فى المنطقة.
ونظرا إلى أهمية البحر الأحمر كمكان استراتيجى يجذب القوى العظمى المتنافسة للحصول على مكان فى المنطقة، أكدت الوثيقة على ضرورة “أن تلتزم إثيوبيا مع الدول الأخرى فى القرن الأفريقى لضمان وصولها إلى الموانى، وأن تكون قادرة على التغلب على صعوباتها الجيواستراتيجية”.
وتسعى إثيوبيا لأن تكون جزءا من المشروع الاستراتيجى الصينى الكبير، وذلك من خلال السيطرة على الموانى فى البحر الأحمر.
وافتعلت إثيوبيا العديد من الأزمات مع دول الجوار، والتى تسببت فى توتر علاقتها مع السودان بفعل العديد من العوامل التى يأتى فى مقدمتها المخاوف السودانية المتصاعدة بسبب السد الإثيوبى وتجاهل إثيوبيا لمخاوف السودان من آثاره السلبية الخطيرة، وانتهاجها سياسة المراوغة التفاوضية بشأنه مع السودان كأحد دولتى المصب، وتهرب إثيوبيا من تقديم أى التزامات قانونية بشأن ملء السد وتشغيله.
أما عن الصومال فالتغول الإثيوبى تجاهه ممتد ومستمر منذ تم تكريسه بفعل الاستعمار الأوروبى، الذى منح قبل رحيله لإثيوبيا إرثا غير مستحق من الأراضى الصومالية من خلال خطوط الحدود التى رسمتها أيدى عتاة المستعمرين لتمنح ما لا تملك لمن لا يستحق.
وحاول الصومال استعادة أراضيه عدة مرات كان أهمها الحرب فى منتصف السبعينيات التى تمكنت فى أولها الصومال من تحرير معظم الصومال الغربى المعروف باسم إقليم أوجادين، إلا أن الولايات المتحدة سارعت بإمداد إثيوبيا بالسلاح وحولت ميزان الحرب لصالحها.
وبعد انهيار حكومة سياد برى، باتت حدود الصومال وكأنها مباحة لتوغل القوات الإثيوبية، حيث سيطرت على مدينتى لوق وبيدوا الصوماليتين، واتضح أن إثيوبيا تتبع سياسة انتهازية تجاه الصومال، إذ تسعى دائما للاستفادة من تردى الأوضاع فى الصومال، وتقسيم البلاد بين كيانات ودويلات يسهل التحكم فيها واستقطابها، فضلا عن تغذية الصراعات وتعميقها بين الأطراف المختلفة وإمدادها بالمال والسلاح حتى لا تقوم للصومال قائمة.
وأبرمت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع ما يسمى بجمهورية أرض الصومال، وهو كيان لا وجود له، ولم تعترف به أى دولة، لكن المذكرة تتيح لإثيوبيا استئجار منفذ بحرى بطول 20 كم، واستخدام ميناء بربرة على الساحل الجنوبى لخليج عدن لمدة 50 عاما، مع تطوير الطريق البرى لممر بربرة بطول 260 كيلومترا ليصل بين بربرة والحدود الإثيوبية.
وفى المقابل، تتعهد إثيوبيا بالاعتراف رسميا بجمهورية أرض الصومال كدولة مستقلة «فى الوقت المناسب»، مع مساعدتها اقتصاديا وعسكريا وأمنيا.
وفى هذا السياق قال السفير أحمد حجاج، الأمين العام المساعد لمنظمة الوحدة الأفريقية سابقا، إن إثيوبيا من أكثر الدول المثيرة للمشكلات والأزمات فى القارة الأفريقية على مر الزمن.
وأوضح السفير حجاج أن إثيوبيا لديها أحلام توسعية فى المنطقة وتسعى إلى تمديد سيطرتها على أجزاء من دول الجوار، وهى صدرت الصراعات العرقية إلى شرق القارة الأفريقية.
وأضاف أن الصراعات العرقية داخل أديس أبابا سواء بين التيجراى والأورومو والأمهرة، وهو ما تسبب فى زيادة التفكك فى الدول المجاورة بفعل التخبطات الأمنية التى تشهدها أديس أبابا.
وأشار إلى أن إثيوبيا تريد أن تكون قوة إقليمية فى القارة الأفريقية ولو حتى على حساب احتلال أراضى دول الجوار، مؤكدا أن أبى أحمد يهرب من الأزمات الداخلية بافتعال مشكلات مع دول الجوار مثل مصر والسودان والصومال، وذلك لتوحيد العرقيات فى أديس أبابا.
وتابع: إثيوبيا تسعى إلى إضعاف دول الجوار من خلال تفكيك هذه الدول عن طريق دعم عرقيات أو أقاليم للانفصال ودعمها بالسلاح والعتاد.
وقال حجاج إنه لا يستبعد أن يكون لإثيوبيا دور فى دعم بعض الجماعات المسلحة والانفصالية فى العديد من دول القرن الأفريقى بهدف زيادة نفوذها فى المنطقة.
وأكد أن أديس أبابا وحكومة أبى أحمد تستغل كل أوراقها فى محاولة استفزاز دول القارة السمراء، خاصة محاولتها للتحكم فى مياه النيل من خلال سد النهضة، وهو ما لن تسمح به مصر.
ونوه إلى أن الصومال تعد من ضحايا الأطماع الإثيوبية، إذ منذ فترة بعيدة وهناك صراع طويل بين مقديشو وأديس أبابا، وبحكم الحدود البرية الكبيرة بينهما.
ويعد إضعاف الصومال هدفا لأى حكومة إثيوبية تتولى إدارة البلاد، لهذا حاولت حكومة أبى أحمد دعم إقليم أرض الصومال للانفصال عن مقديشو.
ومن جانبه قال الدكتور عادل الفكى، المدير العام السابق لمركز المعلومات بوزارة المالية السودانية، إن إثيوبيا وقعت مؤخرا اتفاقا مع إقليم أرض الصومال لمنحها ميناء على البحر الأحمر لمدة 50 عاما، مقابل الاعتراف بها كجمهورية مستقلة.
وأضاف الفكى، أن ذلك فى حقيقة الأمر يأتى فى إطار سلسلة من التحولات الاستراتيجية فى السياسة الخارجية الإثيوبية، قبل عدة سنوات عندما كان يتولى السلطة فى إثيوبيا زناوى، كان قد تبنى استراتيجية تسعى للتنمية بالتعاون مع الدول المجاورة، لأن إثيوبيا التى يتجاوز سكانها 120 مليون نسمة أكثر من نصفهم تحت خط الفقر كانت تسعى للتنمية بالتعاون مع دول الجوار.
لكن مع حدوث تحولات وتولى أبى أحمد للسلطة فى إثيوبيا بدأت تدخل فى عداء مع دول الجوار عكس استراتيجية زيناوى، وهذا السلوك الذى تتبعه الحكومة الإثيوبية الراهنة ليس فى مصلحة الشعب الإثيوبى.
وأكد أن الاستراتيجية التى تعمل عليها الحكومة الإثيوبية فى الوقت الحالى فاقمت التوجس منها لدى الدول المجاورة، تمثلت أولا فى عدم الوفاء بما تعهدت به إثيوبيا مثل إتاحة المعلومات عن إنشاء وتشغيل سد النهضة حسبما اتفقت مع مصر والسودان، وهذا يضر البلدين، وهو ما أدخلها فى توتر علاقات مع القاهرة والخرطوم.
وأوضح أن الأمر ازداد سوءا بعدما وفرت الحكومة الإثيوبية الحماية ودعم لمليشيات الدعم السريع، وهو ما أسهم فى إشعال الأوضاع فى الخرطوم وتسبب فى دمار وخراب البلاد.
وتابع: “دعمت إثيوبيا المجموعات الانفصالية فى أرض الصومال من أجل الانفصال عن مقديشو وهذه التصرفات تدل على أن توجه الحكومة الإثيوبية فى الوقت الحالى يراهن على استمرار العداء مع دول الإقليم”.
وقال عادل الفكى، إن الاستراتيجية الإثيوبية التى تم من خلالها افتعال عدائيات مع دول الإقليم، فإنها لن تفضى إلا لعداء ونزاعات مسلحة تدمر المنطقة بما فيها إثيوبيا نفسها.
وأضاف: “من المعلوم أن إثيوبيا تتكون من شعوب وقوميات متعددة، ومن مصلحة حكومة أديس أبابا أن تكون فى وضع مستقر مع دول الجوار، لافتا إلى أن الحكومة الحالية برئاسة أبى أحمد لن تجنى أى فوائد من خلال هذه التوجهات”.