«الضفة» على حافة الانتفاضة الثالثة.. خبراء: انفجار الأراضى المحتلة مسألة وقت بسبب العنف الإسرائيلى ضد العزل المستوطنات تحتل ٦٠٪ من مساحة الضفة الغربية والسكان محاصرون فى ١٣٪ فقط منها
يبدو أن اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة أصبح أمرا وشيكا، فى ظل العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة وتضييق الخناق والتنكيل بالمواطنين فى الضفة الغربية، وهو ما تحذر منه العديد من التقارير والمنظمات، ويطرحون سيناريوهات سلمية للسيطرة على الأوضاع قبل الانفجار.
وللضفة الغربية تاريخ من الانتفاضات، فى الثامن من ديسمبر عام 1987 بدأت الانتفاضة الأولى بحادثة دهس عمال فلسطينيين على أحد الحواجز من قبل إسرائيلى لاذ بالفرار، واشتعل غضب الشعب الفلسطينى الذى عانى عقودا من الظلم وانطلقت المظاهرات والمسيرات التى تحولت إلى انتفاضة استمرت سنوات.
اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية فى الـ28 من سبتمبر عام 2000، عقب اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون باحات المسجد الأقصى، تحت حماية نحو ألفين من الجنود والقوات الخاصة، وبموافقة من رئيس الوزراء فى حينه إيهود باراك، ووقعت مواجهات بين المصلين وقوات الاحتلال وسرعان ما امتدت إلى جميع المدن فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وسميت بـ”انتفاضة الأقصى”، لهذا يطرح الخبراء بعض التنبؤات باحتمالية اندلاع انتفاضة جديدة فى الأراضى المحتلة.
الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القدس، قال إنه بالرغم من مرور نحو 5 أشهر على العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة، لكن لم يحدث حتى الآن أى حراك يذكر داخل الضفة الغربية نظرا إلى عدد من المعطيات أبرزها نشر دولة الاحتلال عدد كبير من قوات الشرطة والجيش والمعدات العسكرية فى الضفة الغربية، إضافة إلى القرارات التى تمنع التجمعات لعدم انهيار الوضع الأمني.
وأضاف أيمن الرقب: “حتى الآن لم يحدث حراك يقول إن هناك انتفاضة فى المستقبل القريب داخل الضفة الغربية، ولكن هذا لا يجعلنا نستبعد هذا الأمر، حيث أشارت تقديرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى أن الضغط على السلطة الفلسطينية قد يدفع إلى انهيارها، ما يؤدى إلى حدوث انتفاضة داخل الضفة الغربية”.
واستطرد أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القدس: “أعتقد أن المعطيات الحالية لا تدل أو تشير إلى أن هناك انتفاضة فلسطينية تحلق فى الأفق فى الضفة الغربية”، مضيفا: “بنسبة تتراوح من 10 - 20% من الممكن حدوث انتفاضة، ولكن بنسبة 80% قد يكون هناك حالة من الاستقرار الأمني، والهدوء النسبى داخل الضفة الغربية، لأن الحراك حتى الآن محدود للغاية”.
وأشار أيمن الرقب إلى أن دولة الاحتلال اعتقلت حتى الآن ما لا يقل عن 8000 فلسطينى فى الضفة الغربية، إضافة إلى تضييق إسرائيل الخناق على العمالة الفلسطينية التى تقدر بنحو 300 ألف عامل، والتى ترفض إدخالهم إلى المدن الإسرائيلية من أجل أداء وظائفهم، لافتا إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نصحت بإدخال العمالة الفلسطينية كما أن دولة الاحتلال لا تستطيع الاستغناء عنهم.
وأوضح الرقب أن المحرك الأساسى لاندلاع الانتفاضات داخل الضفة العربية كانت غزة سواء فى الانتفاضة الأولى أو الانتفاضة الثانية أو الآن تزامنا مع العدوان الغاشم على القطاع.
وعن تصريحات وزير الأمن القومى المتطرف إيتمار بن غفير بشأن إدخال الأسير مروان البرغوثى للعزل تحسبا لحدوث انتفاضة فلسطينية، أشار الرقب إلى أن هذه التصريحات تمثل تحريضا على البرغوثى، كما أن هذه ليست المرة الأولى التى يتم إدخاله للعزل، نظرا إلى طرح اسمه كمطلب أساسى لعقد صفقات تبادل بين دولة الاحتلال وفصائل المقاومة، مشددا على أن الاحتلال يخشى من خروج البرغوثى من السجن لأن هذا قد يمثل ضغطا كبيرا عليهم فى الضفة الغربية.
وأضاف الرقب: عندما يتم توزيع 450 ألف بندقية آلية على المستوطنين فى الضفة الغربية، فإن هذا يعد عاملا رئيسيا من ضمن العوامل التى قد تؤدى إلى حدوث انتفاضة فى الضفة الغربية، مردفا: حال حدوث مواجهات فى أى لحظة من اللحظات إثر حدوث أى عملية سواء فدائية أو ضد الشعب الفلسطينى قد تتحول إلى صدام كبير ما قد يحرك الانتفاضة.
واستكمل الرقب حديثه: “قرارات الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا ضد المستوطنين لم تثنهم عن تهديد الشعب الفلسطينى أو تهديد الاستقرار فى المنطقة”، لافتا إلى أن واشنطن والقيادات الأمنية الإسرائيلية ترى أن الأمور قد تذهب باتجاه التصعيد العنيف، ولكن أستاذ العلوم السياسية الفلسطينى رجح أن هذا لن يحدث خلال وقت قريب.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن النظم الأوروبية والأمريكية تصدر الشعارات فقط، ولكن مصالحها مع الاحتلال، لهذا هى تدعم وجوده وبقاءه، مضيفا: “الضفة الغربية بها مشكلة حقيقة فى الاستيطان، والمستوطنات تسيطر على نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، والسكان هناك محاصرون فى أقل من 13% من إجمالى المساحة الكلية للضفة.
بدوره، أكد وزير المفاوضات الفلسطينى الأسبق، حسن عصفور، أن هناك احتمالات للانتفاضة، فما يحدث فى الضفة الغربية ليس طبيعيا، إذ يوميا تحدث عمليات قتل واقتحامات وتهويد، كما أن المستوطنين مسلحون بشكل غير طبيعى، والأجواء مهيأة لمواجهات غير عادية والوضع سيئ جدا، خاصة فى القدس ومحيطها.
من جانبه، قال الدكتور كرم سعيد، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن فرص ترجيح اشتعال انتفاضة جديدة فى الضفة الغربية باتت الأرجح فى ظل استمرار عنف المستوطنين وقوات الاحتلال ضد سكان الضفة الغربية والفلسطينيين بشكل عام، ما استدعى تدخل عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة لفرض عقوبات مباشرة على بعض المستوطنين.
وأضاف الخبير فى مركز الأهرام للدراسات: “الاستمرار فى عسكرة الأزمة والشروع فى عمل إبادة ممنهجة فى غزة كلها محفزات تدفع نحو تسخين الضفة الغربية، خاصة فى ظل عدم وجود آفق لحل سريع للأوضاع فى القطاع؟
وتابع سعيد: “صحيح أن منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تسعى للجم الاحتجاجات وضبط إيقاع التوتر داخل الضفة الغربية، ولكن المحفزات تبدو هى الأقرب لتعزيز فكرة الاحتجاجات والانتفاضة بالضفة”، ما يؤدى لاتساع رقعة الحرب والعنف فى المنطقة بأكملها، وقد نشهد مزيدا من العمليات التى تستهدف المصالح الإسرائيلية والقوى الداعمة لها.
وأشار الخبير فى مركز الأهرام للدراسات إلى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو فى أزمة كبيرة حاليا، ويعانى سواء على المستوى السياسى أو حتى المستوى القضائى، مؤكدا أنه حال تركه لمنصبه سيتعرض للمحاكمة، لذلك يسعى لإطالة أمد الحرب والاحتماء بحكومة يمينية متطرفة تشاركه رغباته فى محاولة بائسة، لتحقيق انتصار وهمى.