المغرب تكسر حاجز المليار دولار.. لماذا تعجز مصر عن الاستفادة من تصوير الأعمال الفنية الأجنبية على أراضيها.. البيروقراطية والضرائب وراء هروب الكيانات الإنتاجية الكبرى إلى دول مجاورة
تعانى مصر من شح الدولار لأسباب متعددة؛ ما تسبب فى حالة من إرباك السوق وطفرة مجنونة على مستوى الأسعار. ورغم ما تمتلكه مصر من آثار ومقاصد سياحية مدهشة، يمكنها أن تكون رافدًا مهمًا وسهلًا ومنتظمًا لجلب الدولار إلا إنها تفرض قيودًا مشددة على تصوير الأعمال الفنية الأجنبية بها؛ ما يحرمها من عائد مادى كبير. وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حظر فى ستينيات القرن تصوير الأفلام الأجنبية فى مصر؛ بداعى تشويه الحضارة المصرية، وأصبح تصوير أى عمل فنى أجنبى داخل مصر أمرًا من رابع المستحيلات. يعتبر فيلم “الوصايا العشر” آخر فيلم أجنبى تم تصويره على الأراضى المصرية وكان ذلك فى العام 1956. وخلال أكثر من ستين عامًا..ظل الوضع على ما هو عليه، فى وقت حققت فيه دول مجاورة طفرة فى تصوير الأعمال الفنية الأجنبية على أراضيها، وذللت للشركات المنتجة المعوقات، وظلت مقصدًا مضمونًا لها، وحققت مكاسب مالية خيالية. ورغم الخطوات الإيجابية التى اتخذتها الحكومة المصرية مؤخرًا فى هذا الملف إلا إنها لا تزال دون المأمول..ولكن كما تقول العرب: أن تأتى متأخرًا خير من ألا تأتي..وما لا يُدرك كله لا يُترك كله..”فيتو” تناقش هذه القضية؛ باعتبارها ضاغطة ومهمة فى ظل سعى الحكومة وراء تنويع مصادر الحصول على الدولار.
خلال وقت سابق..اشتكت كيانات فنية عالمية من كثافة الإجراءات الأمنية والبيروقراطية وتعقيداتها عند الرغبة فى الحصول على تراخيص للتصوير داخل مصر، ما دفعها إلى الانصرف نحو دول أخرى، مثل: لبنان والأردن المغرب والإمارات وتركيا والسعودية وجنوب إفريقيا التى استطاعت خلال وقت قياسى أن تصنع من نفسها مقاصد سياحية مناسبة لاستقبال وتصوير الأعمال الأجنبية، رغم أنها لا تحظى بما تحظى به مصر من ثروات وكنوز سياحية وأثرية، ولكن استنسخت بعضها، المغرب استنسخ معبدى الكرنك والأقصر، وتركيا استنسخت مقبرة توت عنخ آمون. ورغم تجدد وتكرار المطالبات من الداخل والخارج بإيجاد آليات مناسبة لجذب شركات الإنتاج الأجنبية وتحقيق الاستفادة القصوى من ورائها، لكن ظلت ردود الفعل شكلية وغير مسؤولة. وبدا أن المسؤولين لا يدركون الجدوى الهائلة من تصوير الأعمال الأجنبية فى مصر؛ حيث إن الأمر لا يتوقف عند العائد المادى السريع، بل يمتد إلى الرواج المضمون والمجانى للمقاصد السياحية.
السياحة المصرية فى السنوات الأخيرة ليست فى أفضل مستوياتها ولا تحقق المردود المطلوب منها، خطط وزارة السياحة لجذب السائحين لا تزال مرتبكة ودون المستوى. وما يزيد الأمر سوءًا أن شركات إنتاجية محلية ولت وجهها شطر دول عربية وأجنبية لتصوير أعمالها هناك؛ لما تجده من تسهيلات على جميع المستويات!
فى العام 2014..عطلت الجهات المختصة تصوير فيلم أمريكى تدور قصته حول الآلهة فى مصر القديمة فى الأقصر وأسوان وسيوة؛ عندما بالغت فى طلباتها المادية التى وصلت إلى 15 مليون دولار، فضلًا عن المبالغة فى تعقيد الإجراءات؛ انصرفت الجهة المنتجة إلى المغرب، رغم أن أحداث الفيلم –فى الأساس- تدور فى مصر، وعُرض فى العام 2016، واستفاد المغرب منه قبل عرضه وبعد عرضه أول مرة، وفى كل مرة يتم عرضه فيها.
طلب إحاطة وتوصية
فى العام الماضي.. ناقش مجلس النواب طلب إحاطة من النائبة منى عمر بشأن عدم وجود خطة واضحة للمجلس الأعلى للآثار للاستغلال الاستثمارى للآثار فى الإعلانات والأفلام وغيرها، بما يحقق عائدًا ماليًا جيدًا لقطاع الآثار، ليقدم البرلمان بعدها توصية بتشكيل لجنة تضم ممثلين من وزارات: الداخلية والخارجية والثقافة والآثار والسياحة ومدينة الإنتاج الإعلامى وجهات أخرى؛ للتعامل الآمن مع هذا الملف.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن حكومات هذه الدول تقدم مجموعة حوافز مغرية لجذب الجهات والشركة الأجنبية للتصوير على أراضيها، من بينها: توفير خصم قد يصل إلى أكثر من الثلث حال تخطى المقابل المادى حاجزًا معينًا، نظير تدريب بعض العناصر والكوادر المحلية، وهو النظام المعمول به منذ سنوات طويلة فى دول مثل: اليونان وتركيا وكندا، كما حكى الفنان الراحل عادل أدهم فى مقابلة تليفزيونية، فضلًا عن استفادات لوجستية ومعنوية متعددة.
غياب إرادة الحل
الناقد والباحث أحمد سعد الدين يرى أن تلك المشكلة قديمة جدًا ولا يساعد أحد فى حلها، مشددًا على أن مصر تملك أفضل أماكن طبيعية فى المنطقة سواء مناطق أثرية أو طبيعية خلابة، ولكن المشكلة أنه لا يوجد تسهيلات لصناع الأفلام الأجنبية للتصوير فى مصر، بل على العكس تمامًا، يتم وضع واختلاق عقبات لهم.
“سعد الدين” أضاف لـ”فيتو”: عندما يأتى فيلم أجنبى يريد صُناعه تصويره فى مصر، فلابد أن تقرأه الرقابة أولًا، ثم يمر بدائرة كبيرة للحصول على تصاريح تصوير من هيئات مختلفة، مثل: الهيئة العامة للاستثمار ووزارة الثقافة وغيرهما، مردفًا: “على سبيل المثال..الهيئة العامة للاسثتمار تعطى للكاميرا تصريح تصوير داخل مصر لمدة 14 يومًا نظير 20% من ثمنها، فإذا كان هناك فيلم يتطلب تصويره شهرًا ونصف الشهر، فسوف يتم إخراج الكاميرات خارج مصر وإعادة إدخالها بتصريح جديد ورسوم جديدة 3 مرات، بجانب مضايقات الرقابة والبيروقراطية، فضلًا عن الرسوم الخرافية التى تفرضها نقابة المهن التمثيلية على طاقم العمل فردًا فردًا!!
وعن الحلول المتاحة من وجهة نظره.. قال “سعد الدين”: لابد من اتباع سياسة الشباك الواحد إذا كنا جادين فعلًا فى وضع حلول جذرية لهذه القضية، ضاربًا المثل بالمغرب الذى تجاوز دخله من تصوير الأفلام الأجنبية أكثر من مليار دولار سنويًا؛ لتكون وزارة الثقافة وحدها هى المسئولة عن ذلك الأمر، ويتعامل الأجانب مع الوزارة بدون الحاجة لوضع العقبات أمامهم بجعلهم يتعاملون مع 10 هيئات، كل واحدة منها تتفنن فى تعقيد الأمور وتعطيلها!
يقدر “سعد الدين” عوائد مصر من تسهيل إجراءات تصوير الأعمال الأجنبية على أراضيها بنحو 150 مليون دولار سنويًا كمرحلة أولى، منتقدًا المعوقات الإدارية والإجرائية التى يتم حشدها أمام أية شركة إنتاج أجنبية تخطط لتصوير أعمالها على الأراضى المصرية، والرسوم المالية المبالغ فيها سواء لدخول الأفراد أو المعدات. “سعد الدين” ثمَّن التجربة المغربية واعتبرها رائدة فى هذا السياق.
ومع بداية العام الجاري.. بدت أن هناك حلحلة فى هذا الملف المعقد، حيث صرح مستشار رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى لشؤون التعاون الدولى المستشار هانى أبو الحسن بأن المدينة تفتح أبوابها لتصوير الأفلام الأجنبية فى مصر وتقدم خدمة متكاملة لشركات الإنتاج العالمية، وفق خطة “رسمية” موضوعة لهذا الغرض.
ونوَّه أبو الحسن إلى أنه جرت الموافقة على تصوير 33 عملًا من 12 دولة فى الفترة الأخيرة، لافتًا إلى أنه سوف يتم التصوير فى مطار القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة والأقصر وأسوان ومعبد حتشبسوت.