النقشبندي.. ظاهرة صوتية جمعت بين القوة والوقار والجمال والإجلال.. ابتهالاته جزء أصيل من روحانيات رمضان.. وخلود ممتد يتحدى الرحيل البعيد
"يا نور يوم وُلدت قامت عزّة للأرض إذ أمست لنورك تنتمي/ الكوكب الأرضيّ حين وطئته أمسى حصاه يتيه فوق الأنجم".. عندما تسمعه وهو يشدو بهذه الكلمات النيرات، يكاد عقلك يطير زهوًا وفرحًا.
إنه المبتهل الشيخ سيد النقشبندي الذي عطَّر الآفاق بصوته وابتهالاته ومدائحه النبوية. في مثل هذا اليوم قبل 48 عامًا، أنهى الموت حياة المبتهل "النقشبندي" عن 56 عامًا، حيث كان في ذروة توهجه ونجوميته. كان النقشبندي المولود بإحدى قرى محافظة الدقهلية العام 1920 - ولا يزال رغم الرحيل- آية من آيات الله العظيمة.
تألق سلطان المداحين مبتهلًا ومنشدًا وحقق من الشهرة الطاغية في وقت قياسي وسنوات معدودة ما لم يحققه غيره.
كان كروان المنشدين مقربًا من الرئيس الراحل أنور السادات، وتم تكريمه خارج مصر وحصل على الأوسمة والنياشين.
كان "النقشبندي" ولا يزال قاسمًا مشتركًا في روحانيات شهر رمضان. منحه الله حنجرة ذهبية قادرة على التحليق بمستمعيه إلى السحاب، وصوتًا نديًا خاشعًا أضفى على ابتهالاته وأناشيده حالة من الصفاء والنقاء. جمع صوت النقشبندي بين الجلال والجمال.
نقل المبتهل الراحل فن التواشيح والابتهالات من أروقة الصوفية وزواياهم إلى آذان المسلمين وغير المسلمين. مكانة “النقشبندي” في الإنشاد الديني يكاد لا يضاهيها غيرهن ويعلمها القاصي، ويدركها الداني، ولا ينكرها إلا جاحد أو جهول.
أجمع خبراء الأصوات على أن صوت "النقشبندي" من أعذب الأصوات التي قدّمت الدعاء الديني. كان صوت "النقشبندي" مكونًا من ثماني طبقات، وكان يقول الجواب وجواب الجواب بكل احترافية وإتقان..كما يقول أهل العلم والاختصاص.
سيد النقشبندي، صوت ملائكي صنع تاريخه السادات، وزبيدة ثروت وراء غضب شقيقه منه
ظاهرة صوتية جمعت بين القوة والجمال والوقار
يعد الشيخ النقشبندي من أروع الأصوات التي قدمت الابتهالات الدينية والتواشيح - كما يقول المبتهل الإذاعي الشيخ محمد علي جابين - حيث استطاع بما حباه الله من صوت ندي قوي، وخشوع وإحساس بالكلمات التي يتغنى بها أن ينقل فن الإنشاد والابتهال الديني من ساحات المساجد الى فن شامل لا يحده مكان ولا يرتبط بزمان بحيث أصبح فن الابتهال والتواشيح فنًا تتجاوز حدوده الثقافة والمكان، بفضل صوته المتفرد وأدائه الاستثنائي.
«وداعا ليالي النور والهدى والبر» ابتهال النقشبندي في الإذاعة اليوم
"جابين" الموصوف بأنه امتداد لـ"النقشبندي" أضاف " لـ"فيتو": "النقشبندي" ليس مجرد مبتهل يؤدي فقرته على الهواء ثم يمضي، بل كان ظاهرة صوتية فريدة لها من القوة والوقار والجلال والبهاء ما ليس لغيرها؛ حيث تشعر عندما تستمع إلى صوته وهو يعلو بالابتهال وينطلق الإحساس من أعماقه أن تلامس روحك السحاب وتسبح في الملكوت، وذلك ليس غريبًا على تلك الظاهرة التي خلقها الله للخلود.
المعجزات سمت فوق العقول
ومن أبرز ملامح المدرسة النقشبندية –كما يقول المبتهل الإذاعي الشيخ شريف عبد المنعم خليف- انتقاء الكلمات التي تلمس القلوب وتخاطب الوجدان وتقطر حبًا وجمالًا وإجلالًا، مضيفًا: يخيل لمن يستمع إلى النقشبندي عندما كان يذكر اسم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كأنه يخاطبه أمامه ويوجه إليه ابتهالاته، بالإضافة إلى تعامله الراقي بصوته مع الكلمات، كأنه "ترزي" يُلبس طبقات صوته على الكلمات؛ حتى تكتمل الصورة لدى المستمع، كأنه يسمع ويري، وأبرز مثال على ذلك الابتهال الرائع عن الإسراء والمعراج، الذي بدأه بـ "المعجزات سمت فوق العقول/ فلا جن يعي سرها في الكون أوبشر/ وتلك معجزة المختار كرمه بها/ إله عظيم الشأن مقتدر".
في ذكرى رحيله.. صفحات من علاقة النقشبندي بأم كلثوم وبليغ حمدي والسادات
ويستطرد "خليف" الذي ينتمي إلى أسرة قرآنية: لا يوجد مبتهل أو محب للابتهال والانشاد الديني إلا وللشيخ النقشبندي نصيب في نفسه ووجدانه، مؤكدًا أن النقشبندي بمثابة بحر زاخر، كل يأخذ منه قدر ما حباه الله من موهبة وقدرة صوتيه تمكنه من المحاكاة.
ويختتم المبتهل الشاب: "كان لصوت الشيخ النقشبندي أثر كبير في تشكيل وجداني؛ حيث كان الوالد رحمه الله يردد كثيرا على مسامعي وأنا صغير عبارات الثناء على الشيخ النقشبندي وكثيرا ما كان يترقب ابتهالاته في الراديو في عصر ما قبل انتشار النت، وكنت أسعد بسماع ذلك الصوت الذي غرس في نفسي حب الابتهال الديني، وأشعل فى داخلي الرغبة والحلم؛ لأن أكون مبتهلا بالإذاعة المصرية".
جمع بين الخشوع والتمكن والصدق والإخلاص
وبعبارات ساحرة آسرة..يقول الشاعر الديني محمد علي راشد: "يجب ألا نتفلسف في الاعتراف والإقرار للمبدع العظيم في خلقه سبحانه وتعالى، وقد تجسد عطاؤه جلت قدرته في آية من آيات خلقه، وهو الشيخ سيد النقشبندي الذي عرفناه صوتا يجمع بين الخشوع والتمكن والصدق والإخلاص والثبات والعلم والفطنة والقوة التي لا تخلُّ بجمال الاداء"، مضيفًا لـ"فيتو": حق للراحل العظيم أن يمتلك من ناصية الأداء الابتهالي الذي يهز القلوب ويحرك الوجدان ويرفع الاحساس ويترفع به عن الدنايا إلى حيث القرب بالمعاني إلى صاحب القرب بالحب بكلمات تظل برنينها في الوجدان، كلما عاودت سماعها ازددت نهمًا وشوقًا وحبًا لمعاودة الاستماع اليها".
"راشد" –الذي يتعاون مع معظم المبتهلين المعاصرين- يستطرد قائلاً: "العجيب أنك مع كل مرة تعرف جديدًا وتحس شعورًا غير ما كان نشوة وسعادة أو خشوعًا وخضوعًا"، متابعًا: "مولانا الحبيب الشيخ سيد النقشبندي متمكن من أدواته كلها علمًا وتطبيقًا، ولعل زمانه أسعدنا بما أفاض الله عليه وعلينا بلقائه بشعراء مخلصين ومحبين لله ولرسوله، فكتبوا الكلمة بلا تطلع لمقابلها المادي بقدر الإيمان بأثرها الوجداني والمعنوي، ولو حاولت وكتبت نصًا خلف المبتهل الشيخ سيد النقشبندي، وتمعنت في معانيه لما تمالكت نفسك من معاودة القراءة والانتشاء بكل حرف".
ويكمل "راشد": "تسابق في مضمار الكتابة لمولانا الحبيب الشيخ سيد النقشبندي كبار الشعراء وعلى رأسهم: الشاعر الصوفي الملهم عبدالفتاح مصطفى، ويليه عبدالسلام أمين، وغيرهم من شعراء العرب ببعض البلاد العربية الذي أوجد لهم هذا الطريق للسباق وجوده هو فتسابق الى جوار كبار الشعراء كبار الملحنين وتسابقت الإذاعة بروادها أنذاك لتسجيل الأدعية الرمضانية، فكان أول من عُرف موعد الأذان بدعائه"، منوهًا إلى أن بالإذاعة أكثر من اربعمائة دعاء بصوت الشيخ سيد النقشبندي، ولا أدري سببًا في عدم إذاعتها".
ينوه الشاعر الكبير إلى دور الملحن الراحل بليغ حمدي في جانب من مسيرة "النقشبندي" قائلاً: " عند الحديث عن مولانا النقشبندي لا بد أن نذكر الملحن القدير بليغ حمدي، ولا يعد من قبيل المبالغة إن قلنا إن مقام التغيير في طريق الأداء للابتهال والإنشاد والطرب للاغنية الدينية مجازًا قد بدأ بالفعل مع تبلور وبروز المدرسة النقشبندية في الظهور بأدواتها وشعرائها وملحنيها؛ بحيث وضعت الأسس الصحيحة لمفهوم التضرع والخشوع الحقيقي، وأن الأداء للعمل الديني يعتمد أولاً على تمكن ومعرفة المؤدي من الطريق الذي اختاره للسير، فمن أراد التعلم، فـ"النقشبندي" وضع الأساس والإطار ورسم معاني البقاء بالصدق والأمانة والإخلاص، ولذلك حق له أن يخلد ما خلد الزمان، ويُذكر بالترحم عليه والدعاء له"، مختتمًا: "فالوحيد الذي أخرج من الشعراء أفضل ما لديهم لإرضاء الله، ثم صوته والوحيد الذي أجبر الموسيقى على أن تحترم إحساسه قبل أن تُعزف، فعليه رحمة الله وجزى الله مَن ذكره بالخير كل خير".
تراث عظيم
تعددت وتنوعت ابتهالات "النقشبندي" التي تبهج القلوب والأسماع كلما أذيعت، أبرزها: وأبرزها:سيدي يا رسول الله، الله يا الله، أغيب وذو اللطائف لا يغيب، النفس تشكو، أشرق الكون بالهدى، سبحانك اللهم، لما بدا في الأفق، إليك وجهت وجهي، الله مولانا، تلطفي يا ريح، الصلاة على الحبيب..وكذلك "مولاي إني ببابك" التي تقول كلماته: مولاي إني ببابك قد بسطت يدي/ من لي ألوذ به إلاك يا سندي/ أقوم بالليل والأسحار ساجية أدعو وهمس دعائي بالدموع ندي/ بنور وجهك إني عائد وجل/ ومن يعذ بك لن يشقى إلى الأبد/ مهما لقيت من الدنيا وعارضها/ فأنت لي شغل عما يرى جسدي تحلو مرارة عيش في رضاك، حتى يصل إلى قوله: كل الخلائق ظل في يد الصمد/ أدعوك يا رب أدعوك يا ربي فاغفر زلتي كرما/ واجعل شفيع دعائي حسن مرتقبي.. رحم الله الشيخ سيد النقشبندي.
ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.