رئيس التحرير
عصام كامل

ليلة بكى فيها المصريون


في الخامس من أغسطس من العام الماضي السابع عشر من شهر رمضان المعظم كانت بيوت مصر فى قراها ونجوعها .. في مدنها وحضرها .. في شوارعها وحواريها على موعد مع القدر الذي أعلن عن اغتيال البراءة على الحدود، وكانت أرض الفيروز تبوح بما لديها من أخبار ترقبها العالم أجمع وهو يحبس الأنفاس، أيدى الغدر امتدت وطالت عددًا من خيرة أبناء الوطن، سبعة عشر بطلًا مصريًا غادروا إلى الرفيق الأعلى .

كانت الصور التى بثتها وكالات الأنباء ترسم بعض ملامح المأساة .. جنود .. صائمون .. قائمون طوال الليل على أشرف رسالة.. عيون تحرس فى سبيل الله أغمضها قتلة بلا رحمة، طالتهم أيدي الحقد والكراهية وأضافتهم إلى سجل الشرف وأصبحوا أحياء عند ربهم يرزقون، ما إن تناول محمد جرعة ماء مرددًا " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت "كان" "يجهز لرفاقه على الحدود طعام الإفطار في حين انشغل" "بتجهيز التمر الغارق فى الحليب انتظارًا لأذان يرفع كان للإرهاب كلمة أخرى.

على حين فجأة اقتحم شياطين الإنس مقرهم وأطلقوا عليهم وابلًا من الرصاص .. رصاصات الإرهاب اخترقت قلوبهم .. تطايرت بقايا التمر من أفواههم وسقطت قطعة خبز فى بحر من دماء طاهرة ، زكية عطرة لتشهد يوم الحشر أن جنودًا كانوا يحرسون فى سبيل الله طالتهم أذرع الخسة والنذالة والإرهاب .

كانت قلوب المصريين تعتصر ألمًا، عيون الناس فى الشوارع جاحظة تغلفها مرارة انكسار القهر الذي طال بعض أبنائنا.. يومها شعر الناس أن نفوسًا اغتيلت بغير حق .. سكنت المرارة حلوق المصريين واكتست بيوتنا بلون السواد وغادرت البسمة بيوت الأبطال إلى غير رجعة .. سقطت الأمهات، راكعات يطلبن من المولى عز وجل صبرًا لايمحي طعم المرارة، وانحنت أظهر آباء أمام الحزن المخيم داخل القلوب وبين حامد وشاكر بنى الله لذويهم قصورًا فى الجنة ووعد الإرهابيين بالخسران المبين .

عاشت مصر شعبًا وأرضًا لحظات من الانكسار المهين، ففى اللحظة التي يبشر بها الله الصائمين بفرحة الإفطار كان للإرهاب كلمة أخرى .. في الوقت الذى كان فيها كل واحد من أبنائنا يبتهل إلى الله كانت أيدى الشر تبتهل إلى إبليس وتقتل باسمه وتغتال بأمره .. غادرونا بأجسادهم وبقوا إلى الأبد في ضمير وقلب كل مصري يعرف أن للكون إلهًا واحدًا قادرًا عزيزًا جبارًا، يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير كله وهو على كل شىء قدير.

وعلى الجانب الآخر كان الرئيس المعزول بقرار من الجمعية العمومية للشعب المصري يصول ويجول مستغلًا الحدث، ومعلنًا أمام الجميع أنه سيعلن خلال ساعات عن كافة الحقائق والملابسات، ومضت الأيام تنهشها أيام ومحمد مرسى لا يعلن إلا خيبة أمل فيه وفى جماعته، ولم ينس الناس أبناءهم، وظل الشعب المصري يراقب عن كثب كل المؤامرات التي تحاك ضد جيشه واكتشفنا يومًا بعد يوم أن الرئيس الذى انتخبناه غل يد الجيش فى مواجهة قوى الشر المتربصة بنا وحال محمد مرسى بيننا وبين رفاقه من الإرهابيين وظن أنه بعيد عن القصاص .

وجاءت لحظة الحسم التي قرر فيها الشعب المصري أن ينتقم لأبنائه بالخلاص النهائي من جماعة تبارك الإرهاب وتحميه فقرر بدءًا الخلاص من رئيس جلب على مصر العار وفرط فى دماء أبنائها وتورط فى تهميش البلاد وإهانتها والنيل من تاريخها وسبحان المعز المذل يهب الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء .. زنزانة صغيرة تحيطها حراسات كانت المقر اللائق بزعيم عصابة الإخوان .

ومن ناحية أخرى قرر المصريون تخليد ذكرى الأولاد بعملين عظيمين أولهما أن تظل ذكرى الأبطال علامة مضيئة للأجيال، ونصرًا مبينًا على الإرهاب ومحطة من محطات العطاء لقواتنا المسلحة التي خطط للنيل منها مرسى وبديع وجماعة الشر الحقير، وثانيها أن تضع مصر أسر هؤلاء الأبطال فى موضعهم وتنزلهم خير منزلة، فأحاطهم الشعب بحب جارف واحتوتهم القوات المسلحة بما يليق بهم وبأبنائهم وظلت صور الشهداء على الجدران في ريفنا وعلى صدر صفحاتنا بارقة أمل وجرس هداية.

وفى الوقت الذى تحتفي فيه مصر بمرور عام على جريمة المتطرفين البشعة كانت مصر كلها تحاصر جماعات الموت والإرهاب .. كان الشعب يحاصر بديع ورفاقه فى رابعة والجيش يمضي بقواته ساحقًا أتباعهم في جبال سيناء، يفرون كالجرذان ورفاق الأبطال الشهداء يسجلون يومًا بعد يوم نصرًا عزيزًا على القتلة، ودون هوادة أو رحمة سيظل جيش الشهداء يطاردهم إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

ينعم شهداؤنا بجنات الله التي وعدهم، فى حين يطارد القلق والخوف عيون من غدروا بهم، على أننا لن ننام ولن تهدأ مضاجعنا قبل أن تصبح سيناء مقرًا يليق بأنبياء الله وتتطهر مصر من جماعات تتاجر باسم الدين .

الجريدة الرسمية