رئيس التحرير
عصام كامل

«تفجير رفح.. مولد إعلامى صاحبه غايب».. «الإخوان»: تأكيد لفشل السيسى.. تقارير متضاربة للشبكات الإخبارية العالمية.. «الجزيرة» تلهث وراء «معاريف».. مؤيدو «30

أحداث رفح_أرشيفية
أحداث رفح_أرشيفية

لو أنت تقف على يمين «اعتصام رابعة» ووجهك صوب منصتها، فما حدث في سيناء من تفجير هو تعاون بين الاستخبارات المصرية والإسرائيلية. ولو موقعك يسار الاعتصام، لكن وجهك صوب المنصة أيضا، فتفجير سيناء هو استعانة الاستخبارات المصرية بالمساعدات الإسرائيلية لضرب مؤيدي خليفة المسلمين محمد مرسي من أهالي سيناء.


أما لو كنت أمام المنصة، ووجهك وجسدك وحواسك صوبها، فأنت ترى تفجير سيناء إما من خلال بوست نائب محافظ الإسكندرية السابق والقيادي في حزب «الحرية والعدالة» الدكتور حسن البرنس حيث «الفريق أول عبد الفتاح السيسي يسعى لافتعال أي أعمال إرهابية في سيناء تشغل الرأي العام عن فشل انقلابه وتصرف الناس عن جرائمه ضد المعتصمين لنصرة شرعية الدكتور مرسي والدستور»، أو عبر صياح زميله القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي مرة مؤكداً أن ما يحدث في سيناء سيتوقف في الثانية نفسها التي يعود فيها مرسي إلى سدة الحكم، ومرة بأن «السيسي» هو من دبر أحداث «ماسبيرو» و «محمد محمود» وغيرها.

ولو كنت من متابعي تدوينات القيادي الإخواني الدكتور حمدي حسن، فستجدك ميالاً إلى ترجيحه بأن «تفجير رفح تم بالتنسيق مع الطيران الإسرائيلي لفض اعتصام رابعة بدعوى حماية الأمن القومي والقول: إن الوضع بات لا يحتمل اعتصامات واحتجاجات.

أما إذا كنت متاخما لـ «رابعة» مكتفيا بسماع ما يصدر عنها، فقد ترى التفجير باعتباره انقلابا في عقيدة الجيش القتالية، أو قد يصل إلى مسامعك أن التفجير ترجمة عقلية لانقلاب الباطل الذي هو العلمانية والكفر على الحق الذي هو مرسي والشرعية والشريعة.

ولو كنت ممن استبدلوا صورة الـ«بروفايل» الخاصة بك على «فيس بوك» بصورة الدكتور محمد مرسي، فإن تفجير رفح هو نتاج تعاون الانقلابيين مع الصهاينة. ولو أنت ممن حمل شعار «ضد الانقلاب» على حسابك على «تويتر»، فأنت تؤكد أن طائرة إسرائيلية استهدفت مواطنين مصريين ومقتل خمسة بدعوة محاربة الإرهابيين، ولا تنس «هاشتاج» ضد الانقلاب.

ولو كنت من غير المتصلين عنكبوتيا لكن من الملتصقين تليفزيونيا بالشاشات التي تحبها بحكم انتماءاتك باعتبارك «لست إخوانيا لكن تحبهم» أو «رغم أنك لست إخوانيا لكن تحترمهم»، فستشاهد حتما «الجزيرة» التي تصارع الزمن من أجل حشو أكبر كم ممكن من الأخبار العاجلة عن التفجير. فمصادرها في القدس تؤكد أن قصف رفح تم بالتنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي، وشريطها الخبري يركض بجنون نقلاً عن صحيفة «معاريف» الإسرائيلية بأن طائرة إسرائيلية استهدفت خمسة مصريين في رفح.

وتبلغ المهنية أوجه ببث النبأ العاجل الذي يقطع الشك باليقين، والتضارب بالإجماع، فالمعلومات باتت دقيقة أيما دقة ومباشرة أيما مباشرة. «القذيفة لم تستهدف منصة صواريخ، فاثنان من الضحايا ماتا وهما مترجلان، واثنان قتلا وهما على دراجة نارية، وهم من الملتزمين دينيا، ولا علاقة لهم جميعا بأي من الجماعات الإرهابية.

أما الطائرة التي استهدفتهم، فهى طائرة من دون طيار، وبدأت تحلق في سماء العريش على بعد 40 كيلومترا بالتمام والكمال من الحدود المصرية-الإسرائيلية منذ 20 يوما». ولو كنت مشدوها لهذه الدقة في المعلومات والمسافات وهوية الضحايا ونوعية الطائرة وتوقيتاتها فسيزيد اندهاشك حين تعرف أن مصدر المعلومات المذهلة هو «شاهد عيان». ولو كان اندهاشك على سبيل الإعجاب فستنتظر على الأغلب أن يستضيف المذيع في الاستوديو أو يتلقى مكالمة هاتفية من «قائد» الطائرة المنفذة للهجوم، حتى وإن كانت «من دون طيار».

أما إذا كان اندهاشك سلبيا، فأنت حتما من أولئك الواقفين يمين «رابعة» وظهرك صوب المنصة، وفي هذه الحالة ستجد عقلك الباطن موجها سهام الاتهام إلى من وعد بوقف عمليات الإرهاب في سيناء حال عودة مرسي إلى الكرسي. وستجد نفسك ميالا إلى التأني فيما يصلك من أخبار، لا سيما وأنت تركض يمينا ويسارا بحثا عن معلومة، فتجد «سي إن إن» تعنون تقريرها بـ«أنباء متضاربة عن تفجير رفح»، وموقع «روسيا اليوم» يستخدم كلمة «يشتبه» في وصف هوية قتلى التفجير «يشتبه في كونهم جهاديين» و«تتضارب» في شأن الأنباء الواردة عن مصدر التصويب.

ولو كنت من الواقفين على يسار «رابعة» لكن مع إبقاء ظهرك صوب المنصة، فأنت حائر محتار تضرب أخماسا في أسداس حول ما حدث في سيناء، بينما ينتابك شعور واحد ألا وهو الغضب الشديد والتنديد العميق للفرحة العارمة التي عمت أرجاء «رابعة» لما يحدث في سيناء، وجهود الإخوان لشق الصف المصري، ومحاولات حلفائهم ضرب الجيش المصري بالتشكيك حينا والتخوين حينا والسب دائما لوقوفه مع الإرادة الشعبية الرافضة لحكم أول رئيس منتخب قسّم مصر وشتّت شملها.

وفي حال كنت ممن استبدلوا صورة الـ «بروفايل» الخاصة بك على «فيس بوك» بصورة السيسي، فستجد نفسك تصب جام غضبك على كل من تسّول له نفسه التشكيك في السيسي أو الجيش أو ضباطه أو جنوده، بينما تنتظر صدور بيان شافٍ يقدم شرحا شاملا في شأن ما حدث. ولو أنت ممن حمل شعار «ضد الإخوان» على حسابك التغريدي بديلا من صورتك، فستعلنها صريحة بتغريدة سريعة «حتى لو كان هناك تعاون مصري - إسرائيلي لدحض الإرهاب، عليكم أن تصمتوا يا بتوع «صديقك الوفي». هذا تعاون للقضاء على الإرهابيين»، وستجد نفسك ميالا بالفطرة للإمساك بتل أبيب الـ «أباتشي» والـ «غازيل» المصرية باعتبارها من نفذ الهجوم.

ولو كنت متابعا للموقف من غرفة الجلوس حيث الأريكة المريحة والشاشة الفضية، فستتابع المحللين الاستراتيجيين والخبراء العسكريين والاختصاصيين النخبويين والضيوف العابرين والجميع متأرجح بين «صرح مصدر مطلع» و «أكد مصدر عالم ببواطن الأمور» و «أشارت معارف مقربة من دوائر صنع القرار» لكن أحدا لا ينطق بمعلومة. وبينما أنت مسترخ على أريكتك سيباغتك الشريط الخبري بـ «صرح مصدر عسكري لرويترز» ثم «قال مصدر عسكري لـ أ ب» وبعدها «صرح مصدر عسكري لـ أ ف ب» وبعدها «أشار مصدر عسكري لموقع سي إن إن» وجميعها تصريحات متضاربة، ويظل المصدر مجهول الاسم مغيّب الهوية.

وفي حال كنت كارها لـ «رابعة»، متشككا في «التحرير»، متململا من الفضائيات المسيسة، متخوفا من مصير «الإرادة الشعبية»، متوجسا من غاية المؤسسة العسكرية، محبطا من كل ما حولك، فستخلد لنوم عميق إلى أن تتضح الرؤية أو تطالعك رؤيا أو يرقيك أحدهم رقية شرعية من شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، أيها أقرب.
الجريدة الرسمية