من دولة يوليو إلى عصر السيسي.. عهد مبارك.. بداية انهيار الجنيه.. حجم الديون الخارجية حتى عام ٢٠١١ لم يتجاوز ٣٠ مليار دولار
لا حديث يعلو فى مصر على حديث الدولار، الشبح الذى يقف خلف كل الأزمات المعيشية الصعبة التى يحياها المصريون، بعدما وضعهم ربما لأول مرة منذ عقود طويلة أمام ضائقة مالية لا تنتهي، اضطر معها الغالبية العظمى منهم إلى تغيير خطط الحياة ونمط المعيشة، تعاظمت الضغوط الاقتصادية على مصر بشكل حاد منذ أوائل العام الماضي، طغى شح العملة الصعبة وانعكساتها -ولاسيما ارتفاع الأسعار- على الإصلاحات وإجراءات التقشف التى اتخذتها الدولة، بما يطرح الثقة فى السياسة المالية والاقتصادية التى تتبعها الحكومة الحالية منذ تصدرها للمشهد فى البلاد، وجعل المؤيد قبل المعارض لها يطالب برحيلها واليوم قبل الأمس.
سنوات من الاقتراض حمّلت حكومة مدبولى مصر فاتورة ديون ثقيلة، هى السبب الرئيسى فى نقص الدولار.
الأشهر القليلة الماضية انخفضت فيها العملة الوطنية (الجنيه) بشكل كبير، وأصبح سعر الصرف فى السوق السوداء يتجاوز ضعف السوق الرسمى 31 جنيها، يحدث ذلك ومصر تواجه هذا العام أصعب تحد لها، إذ تبلغ أقساط الديون المستحقة للدفع 42.26 مليار دولار على الأقل، وفقًا لبيانات البنك المركزي!
«فيتو» تفتح ملف الدولار وإشكالياته وتحدياته فى مصر من دولة يوليو إلى عصر الرئيس السيسى.
على مدار ما يقارب الـ29 عاما وتحديدا فى الحقبة الزمنية ما بين عامى (1982: 2011)، فترة حكم الرئيس الراحل حسنى مبارك، صمد الجنيه المصرى فى البداية فى وجه الدولار الأمريكى لكن سوق الصرف شهدت فيما بعد تراجعا للجنيه مقابل الدولار فمع بداية عام 1991 تبنت مصر - مبارك استراتيجية جديدة سميت بـ«برنامج الإصلاح الاقتصادى» الطموح لتقليل حجم القطاع العام والتوسع فى دور القطاع الخاص.
كما شهدت مصر سلسلة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولى، ففى عامى 1991- 1993، اقترضت مصر للمرة الثانية فى تاريخها 375 مليون دولار لسد عجز الميزان التجاري، وفى عامى 1996 ــ 1998 طالبت مصر بقرض يبلغ 434.4 مليون دولار لكن تم إلغاؤه، وفى موازاة ذلك تم التخفيف فى ديون مصر الخارجية بسبب مشاركتها فى حرب الخليج والذى ساعد مصر على تحسين الأداء الاقتصادى الكلى حيث تم إلغاء 50% من الديون المستحقة على مصر لدى دول نادى باريس.
ومع ذلك قفز سعر صرف الدولار بنسب قياسية مرتفعًا من نحو 0.40 جنيه فى عام 1989 إلى نحو 0.83 جنيه فى عام 1990 بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 107.5%، ومن هنا بدأت الانهيارات المستمرة للجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى.
وارتفع سعر صرف الدولار الأمريكى مقابل الجنيه من نحو 0.83 جنيه فى عام 1990 ليسجل نحو 1.50 جنيها عام 1991 بنسبة ارتفاع تتجاوز نحو 80%.
العام 1992 الأسوء على العملة الوطنية
توغل الفساد بشكل دراماتيكى بداية من تلك الفترة فى عمر الاقتصاد المصرى، ففى عام واحد 1992 قفز سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى بنسبة 100% مرتفعًا من نحو 1.50 جنيه ليسجل نحو 3 جنيهات.
وفى العام التالى، أى عام 1993 لم يقفز سعر صرف الدولار بنسبة كبيرة، حيث ارتفع من نحو 3 جنيهات ليسجل نحو 3.33 جنيه بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 11% فقط، ومنذ عام 1993 وحتى بداية الألفية الجديدة لم يرتفع سعر صرف الدولار بنسب كبيرة، حيث ارتفع من 3.33 جنيه فى العام 1993 ليسجل نحو 3.40 جنيه بنسبة ارتفاع لا تتجاوز نحو 2%.
تدهور سعر الصرف بداية عام 2000
خلال عام واحد فقط سجل سعر صرف الدولار ارتفاعًا بنسبة 10.29%، بعدما ارتفع من نحو 3.40 جنيه فى عام 2000 ليسجل نحو 3.75 جنيه فى العام 2001.
ومع بداية عام 2002 وصل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى نحو 4 جنيهات مرتفعًا بنسبة 6.66%، وفى عام 2003 قفز سعر صرف الدولار من جديد، من حوالى 4 جنيهات ليسجل حوالى 4.60 جنيهًا مرتفعًا بنسبة 15%.
وشهد عام 2004 قفزة جديدة فى سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى، حيث ارتفع من نحو 4.60 جنيهًا فى العام 2003 ليسجل نحو 5 جنيهات فى عام 2004 بنسبة ارتفاع تتجاوز نحو 8.69%.
وبنهاية عام 2005 سجل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه نحو 5.75 جنيهًا بنسبة ارتفاع تقدر بنحو 15%.
ثورة يناير (2011).. قفزات عنيفة
فى سعر الصرف
كانت أكبر قفزة شهدها الدولار مقابل الجنيه خلال السنوات الخمس التى أعقبت قيام ثورة يناير 2011، حيث قفز سعر صرف الدولار من نحو 6.50 جنيهًا فى نهاية عام 2011 ليسجل نحو 13.25 جنيهًا، محققًا ارتفاعات قياسية تجاوزت نسبتها نحو 103%.
يقول خبير الاقتصاد على الإدريسى لــ”فيتو”: منذ العام 1982 وحتى العام 2011، شهد الاقتصاد المصرى العديد من الأحداث منها الإيجابى ومنها السلبى، مشيرا إلى أن الوضع فى الثمانينيات كان صعبا للغاية نظرا لتداعيات الخروج من حرب أكتوبر فى ذلك الوقت وبدء خطة الإصلاح الاقتصادى فى حكومة عاطف صدقى حتى بداية التسعينيات، ومرورا بحرب الخليج والتى استفادت منها مصر بشكل مؤثر، بعد تخفيض حوالى 50% من الديون الخارجية لمصر.
وأضاف الإدريسى: مع اندلاع ثورة 25 يناير وما تلاها من ارتفاع عنيف لأسعار الصرف بنسبة 103% قبل العام 2016، بداية قرار التعويم.
وتابع الإدريسى قائلا: الديون الخارجية لمصر حتى العام 2011 لم تكن تتجاوز 30 مليار دولار، وهو رقم يختلف كليا عن حجم الديون الحالية والتى قاربت من مستوى 164.5 مليار دولار بزيادة فى حجم الدين الخارجى لمستويات تاريخية.
وأشار إلى أن الاقتصاد المصرى كان يتجنب التعامل مع صندوق النقد الدولى قبل العام 2011، وكان يتم الاعتماد كليا على التعاون على الأشقاء العرب لتجنب الوقوع فى فخ الديون والاستدانة المستدامة.
وتابع: خلال آخر عقدين فى عهد مبارك انخفض التضخم وزاد نصيب الفرد من الناتج المحلى أربعة أضعاف استنادا على القوة الشرائية (من 1355 دولار عام 1981، إلى 4535 دولارا عام 2006 و6180 دولارا فى 2010).
واستكمل: بشكل عام يمكن القول إن الفترة ما بين العام 1982 وحتى العام 2011 شهد فيها الاقتصاد المصرى استقرار ملحوظ لقلة معدلات التضخم وزيادة حجم الخدمات الأساسية للمواطن ومعدلات ديون خارجية لا تتجاوز 30 مليار دولار، بالإضافة إلى وصول معدلات النمو الاقتصادى إلى 8%.
واستكمل: هذا لا يمنع وجود العديد من السلبيات على مستوى ظهور العشوائيات، وعدم وصول الدعم لمستحقيه، وانتشار الفساد الإدارى فى بعض المؤسسات.
فى نفس السياق، يقول أيمن الزيات خبير الاقتصاد لـ”فيتو”: منذ عام 1982 بداية حقبة مبارك، استمر التوزيع غير العادل للثروة فى مصر، حيث زاد الدخل السنوى لـ 2000 أسرة عن 35000 جنيه مصرى، بينما كان دخل أكثر من 4 ملايين مواطن يقل عن 200 جنيه.
وأضاف: البنك الدولى كشف فى تقرير له آنذاك تحسن الوضع الاجتماعى فى مصر، فى الوقت الذى لم تنجح الإصلاحات فى الوصول إلى للكتلة الحرجة من المواطنين.
وأضاف الزيات قائلا: تحسن الاقتصاد والمستوى المعيشى للغالبية العظمى من الشعب المصرى فى فترة ما بين (1982: 2011) وإن كان ذلك بشكل غير متساوٍ وبالرغم أن أكثر من 30% من الشعب المصرى كان يعيش تحت خط الفقر، فإن هذه النسبة تزيد فى قرى صعيد مصر إلى 50%، وبالإضافة إلى ذلك فقد عاش 20% من الشعب فى حالة فقر فى مرحلة ما خلال العقد الأخير، مما عمق الإحساس بالهشاشة الاجتماعية وعدم الأمان الاقتصادى آنذاك.