طوفان الاقصي.. بيدرو سانشيز “المصارع”.. أدان القتل العشوائى للمدنيين الأبرياء واعتبره أمرا غير مقبول
يوم 7 أكتوبر 2023 ليس مجرد تاريخ طوى بنهاية العام، وتداعياته لم تنتهِ عند حد هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة فى العملية البطولية «طوفان الأقصى»، وما تبعه من عدوان غاشم ينفذه الاحتلال الإسرائيلى حتى طباعة هذه السطور.
صحيح أن «طوفان الأقصى» حملت مكاسب عسكرية وسياسية وخلفت شهداء يصعب ذكر أعدادهم هنا لصعود المئات من أرواح الأبرياء كل دقيقة، لكنها طوفان هادر أسقط الأقنعة وفضح مكنون النفوس، لا حقوق للإنسان ولا دعم للديمقراطيات ولا حتى حصانة من قتل الأطفال فى سبيل تحقيق الأهداف السياسية.
سقط قناع الزيف عن أمريكا ورئيسها جو بايدن، الذى ساند القتلة فى الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتيناهو وعصابته الشريرة، الغرب المتحضر اتضحت عنصريته ويرى زعماء دوله أنه لا مكان للعرب (المسيحيين قبل المسلمين) على وجه الأرض، صادروا حقهم فى أوطانهم، وطل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ورفاقه من قادة الغرب بسلوكيات وتصريحات إعلامية أقرب فى وصفها بـ«الجعجعة الممجوجة» يوما مع إسرائيل وآخر مع فلسطين، والهدف ترضية كفيلهم العالمى «أمريكا»، وغاب عن الجميع الوازع الإنسانى والأخلاقى.
المنظمات الدولية التى طنت آذان البشر منذ عقود كشفت وجهها القبيح، وتبين أن قواعدها ولوائحها صنعت لتنفذ على الضعفاء، لا مجال لفرض قرار على إسرائيل، لم تعد عصبة الأمم، بل الأصح وصفها بـ«لعبة الأمم».
الإعلام الغربى الذى اعتقد العرب فى خيم الصحارى أنه منبر الحقيقة، ناله من طوفان التعرية ما يكفى للانصراف عنه، أسقطت عنه ستار الثقة العمياء مراسلة «سي إن إن» كلاريسا وارد، التى استبدلت دور الكاميرا من نقل الحقيقة إلى اختبار قادتها فى تمثيل الفزع والهرب من عدو وهمى يذبح الأطفال فى المستوطنات ويغتصب النساء، تناست أنه ذهب للدفاع عن أرضه ومصيره وليس لديه وقت كافٍ يمنحه رفاهية ممارسة الإباحية منتظرا قصفه قبل قذفه.
قديما قالوا: «جزى الله الشـدائد كـل خير.. عرفت بها عدوى من صـديقى». وهو ما حدث فى طوفان الأخلاق الذى كشف حقيقة الوجوه الفاعلة بأزمة غزة، الصورة لم تكن سوداوية فى كل جوانبها، وأظهرت فى المقابل وجوه رجال شرفاء من المشرق والمغرب ساندوا أبطال الأزمة؛ السنوار ورفاقه المرابطين هناك.
ساندهم رجال فى مواقع مختلفة لم يتركوهم فريسة لمحتل غاشم وأعوانه، هناك من يمتلك السلاح، واستخدامه بدون تفكير لم ينشغل بالعواقب، ومنهم من استغل وظيفته السياسية أو الدبلوماسية لمساندة شعب أعزل يتلخص حلمه فى أربعة جدارن ومقبرة تستر جثمانه فى أرضه.
الخلاصة، سقطت الأقنعة وتكشفت الحقيقة، رأينا وجوها عليها غبرة، وشاهدنا وجوها ناضرة.
ولأن التاريخ الحديث لا يرحم العقول ويسحب من الذاكرة مخزون دقائق لتقاطر الأحداث حولنا.. تقدم «فيتو» فى هذا العدد توثيقا لمواقف الرجال «الشرفاء والقتلة» فى أزمة غزة، ربما يعثر عليه شاب عربى يجهل ما حدث ولا تحتفظ طفولته البريئة بذكريات مؤلمة نتابعها يوميا. مساهمة متواضعة من المشاركين فى صياغة سطور فى مساندة القضية.
وكأنه مصارع ثيران إسبانى عتيد، خرج من رحم بلاد الأندلس بعراقتها وتنوعها وأصالتها فى التراث الإنسانى ليضرب بكل قوة ادعاءات الاحتلال، يغرس رمح موقفه الإنسانى والأخلاقى والسياسى النادر فى خاصرة الرواية الإسرائيلية الهشة التى تبرر الجرائم الدموية غير المسبوقة فى التاريخ الحديث بحق المدنيين والعزل الفلسطينيين، هذا هو بيدرو سانشيز رئيس الوزراء الإسبانى الذى يحارب بضرواة ضد آلة القتل الصهيونية.
اسمه كاملا بيدرو سانشيز بيريز كاستيخون، من مواليد 29 فبراير 1972، ويشغل منصب رئيس وزراء إسبانيا منذ يونيو 2018، شكل الرجل ثقافته الحقوقية وخلفيته السياسية والأخلاقية من منبع الاشتراكية الإسبانية، الرائدة فى أوروبا الغربية، وساعده على المستوى المهنى عمله كمساعد برلمانى فى البرلمان الأوروبى، وهو بداية السلم الذى أضاف الكثير لرؤيته الإنسانية والحقوقية.
صقل السياسى الإسبانى شخصيته أيضًا من خلال عمله ضمن طواقم الأمم المتحدة فى البوسنة خلال حرب كوسوفو، ولم يتخل فى الوقت نفسه عن حبه للاقتصاد، إذ جهز أطروحته للدكتوراه فى رسالة بعنوان الدبلوماسية الاقتصادية الأوروبية الجديدة.
منذ بداية حرب غزة وتصريحات رئيس الوزراء الإسبانى ترعب الحكومة الإسرائيلية، كان حديثه من أمام معبر رفح المصرى على الحدود مع غزة، وهجومه النارى ضد إسرائيل واتهامها بعدم احترام المعايير والحدود المنصوص عليها فى القانون الإنسانى الدولى فى عدوانها على المدنيين يشكل ضربة كبرى للرواية الصهيونية فى قلب أوروبا.
أدان الإسبانى ما أسماه «القتل العشوائى للمدنيين الأبرياء، بما فى ذلك الآلاف من الفتيان والفتيات» واعتبره أمرا غير مقبول على الإطلاق.
مع الوقت أصبحت هجمات «بيدرو» القانونية والسياسية مثل الصواريخ المضادة للدروع التى تدمر آلياتهم فى شوارع غزة، كل كلمة يتفوه بها رئيس الوزراء الإسبانى تعرى الساتر الأخلاقى للحرب الإسرائيلية على القطاع بزعم حماية اليهود، وكأن الأمن والحياة حق حصرى محجوز للإنسان الصهيونى فى هذه البقعة من العالم.
لم يأبه «سانشيز» بالهستيريا الإسرائيلية والهجمات التى يشنها مكتب نتنياهو ضد رئيس الحكومة الإسبانية فى محاولة لرفع راية المظلومية التاريخية أمامه -العداء للسامية- واستمر بيدور يكيل الاتهامات لآلة الحرب الإسرائيلية مع كل مذبحة جديدة، يتهمها مباشرة باستخدام الفلسطينيين المدنيين كدروع بشرية.
لم يتراجع الإسبانى أمام التكتيكات الإسرائيلية المعروفة، يخرج وزير الخارجية الإسرائيلى بتصريحات معادية، يسخف كل قادة الكيان من الآراء الإسبانية، يعقب ذلك استدعاء سفير إسبانيا فى إسرائيل للتعبير عن “أقوى احتجاج” ضد الرجل الذى يتصدى لهم من قلب القارة العجوز.
سارع رئيس الحكومة الإسبانية بمواجهة الصخب الإسرائيلى وزاد فى موقفه بإعلان دراسة وزاراته الاعتراف فى اقتراح الحكومة الاشتراكية التى يمثلها بما يضع أوروبا فى إشكالية أخلاقية، إذ يمكن لإسبانيا أن تعترف من جانب واحد بالدولة الفلسطينية، وهو ما أكده سانشيز فى مؤتمره الصحفى عند معبر رفح.
يرى رئيس الحكومة الإسبانية أن الوقت قد حان لكى يعترف المجتمع الدولى، وخاصة الاتحاد الأوروبى ودوله الأعضاء بدولة فلسطين حتى يتوقف العبث الإسرائيلى وتلتزم بالقانون الدولى، يشدد سانشيز على أهمية التزام الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بالأخلاق الغربية واحترام الدم الفلسطينى، وإذا لم يحدث ذلك، فمن المؤكد أن إسبانيا ستتخذ قراراتها بنفسها.
فى كل اجتماع للحكومة الإسبانية يرهق سانشيز السردية الإسرائيلية، يشعل جنون الصهيونية الدينية بدعوته إلى مؤتمر دولى للسلام فى أقرب وقت ممكن لإيجاد حل نهائى يسمح بالتعايش بين دولتى إسرائيل وفلسطين، وهو اقتراح تم تقديمه بالفعل إلى المجلس الأوروبى الأخير ويأمل أن يتم تجسيده كوسيلة للمساهمة فى إنهاء عقود من الصراع.