رئيس التحرير
عصام كامل

طوفان الأقصى.. محمد الضيف “ابن الموت”.. لا يبيت في مكان واحد مرتين وآخر التهم الموجهة إليه تخطيطه لعمليات أدت إلى مقتل 50 إسرائيليا عام 1996

محمد الضيف، فيتو
محمد الضيف، فيتو

يوم 7 أكتوبر 2023 ليس مجرد تاريخ طوى بنهاية العام، وتداعياته لم تنتهِ عند حد هجوم المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة فى العملية البطولية «طوفان الأقصى» وما تبعه من عدوان غاشم ينفذه الاحتلال الإسرائيلى حتى طباعة هذه السطور.

صحيح أن «طوفان الأقصى» حملت مكاسب عسكرية وسياسية وخلفت شهداء يصعب ذكر أعدادهم هنا لصعود المئات من أرواح الأبرياء كل دقيقة، لكنها طوفان هادر أسقط الأقنعة وفضح مكنون النفوس، لا حقوق للإنسان ولا دعم للديمقراطيات ولا حتى حصانة من قتل الأطفال فى سبيل تحقيق الأهداف السياسية.

سقط قناع الزيف عن أمريكا ورئيسها جو بايدن، الذى ساند القتلة فى الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتيناهو وعصابته الشريرة، الغرب المتحضر اتضحت عنصريته ويرى زعماء دوله أنه لا مكان للعرب (المسيحيين قبل المسلمين) على وجه الأرض، صادروا حقهم فى أوطانهم، وطل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ورفاقه من قادة الغرب بسلوكيات وتصريحات إعلامية أقرب فى وصفها بـ«الجعجعة الممجوجة» يوما مع إسرائيل وآخر مع فلسطين، والهدف ترضية كفيلهم العالمى «أمريكا»، وغاب عن الجميع الوازع الإنسانى والأخلاقى.

المنظمات الدولية التى طنت آذان البشر منذ عقود كشفت وجهها القبيح، وتبين أن قواعدها ولوائحها صنعت لتنفذ على الضعفاء، لا مجال لفرض قرار على إسرائيل، لم تعد عصبة الأمم، بل الأصح وصفها بـ«لعبة الأمم».

الإعلام الغربى الذى اعتقد العرب فى خيم الصحارى أنه منبر الحقيقة، ناله من طوفان التعرية ما يكفى للانصراف عنه، أسقطت عنه ستار الثقة العمياء مراسلة «سي إن إن» كلاريسا وارد، التى استبدلت دور الكاميرا من نقل الحقيقة إلى اختبار قادتها فى تمثيل الفزع والهرب من عدو وهمى يذبح الأطفال فى المستوطنات ويغتصب النساء، تناست أنه ذهب للدفاع عن أرضه ومصيره وليس لديه وقت كافٍ يمنحه رفاهية ممارسة الإباحية منتظرا قصفه قبل قذفه.

قديما قالوا: «جزى الله الشـدائد كـل خير.. عرفت بها عدوى من صـديقى». وهو ما حدث فى طوفان الأخلاق الذى كشف حقيقة الوجوه الفاعلة بأزمة غزة، الصورة لم تكن سوداوية فى كل جوانبها، وأظهرت فى المقابل وجوه رجال شرفاء من المشرق والمغرب ساندوا أبطال الأزمة؛ السنوار ورفاقه المرابطين هناك.

ساندهم رجال فى مواقع مختلفة لم يتركوهم فريسة لمحتل غاشم وأعوانه، هناك من يمتلك السلاح، واستخدامه بدون تفكير لم ينشغل بالعواقب، ومنهم من استغل وظيفته السياسية أو الدبلوماسية لمساندة شعب أعزل يتلخص حلمه فى أربعة جدارن ومقبرة تستر جثمانه فى أرضه.

الخلاصة، سقطت الأقنعة وتكشفت الحقيقة، رأينا وجوها عليها غبرة، وشاهدنا وجوها ناضرة.

 

ولأن التاريخ الحديث لا يرحم العقول ويسحب من الذاكرة مخزون دقائق لتقاطر الأحداث حولنا.. تقدم «فيتو» فى هذا العدد توثيقا لمواقف الرجال «الشرفاء والقتلة» فى أزمة غزة، ربما يعثر عليه شاب عربى يجهل ما حدث ولا تحتفظ طفولته البريئة بذكريات مؤلمة نتابعها يوميا. مساهمة متواضعة من المشاركين فى صياغة سطور فى مساندة القضية.

 

الضيف الخفيف على بيوت غزة، والثقيل على عقل إسرائيل، سمع العالم صوته يوم 7 أكتوبر الماضى، فى تسجيل صوتى مقتضب أعلن فيه انطلاق عملية طوفان الأقصى، كلمات معدودات تحدث فيها أبو خالد عن الضربة الأولى التي استهدفت مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية إسرائيلية، وتم خلالها إطلاق 5 آلاف صاروخ وقذيفة خلال الدقائق العشرين الأولى من عملية شروق شمس القضية الفلسطينية الغائبة خلف سحب التطبيع المجانى فى الإقليم.

بعدها غاب الضيف عن الظهور كعادته لا أحد يعلم حتى مكان نومه بالأمس، ليربك استخبارات الاحتلال الإسرائيلى مجددا بعدما ظلت لسنوات تؤكد امتلاكها معلومات حول تدهور حالته الصحية وخضوعه الدائم للرعاية الصحية وتحركه بسيارة إسعاف أو من فوق كرسى متحرك على غرار شيخ الشهداء أحمد ياسين.

أبو خالد والضيف والمصرى أسماء يضاف لها ألقاب منها «العقل المدبر» كما يعرف فى فلسطين، و«رجل الموت» أو«المقاتل ذو 9 أرواح» كما يسمونه فى إسرائيل، وسط ارتباك طوفان الأقصى والحرب على غزة، حصلت الاستخبارات الإسرائيلية على مقطع فيديو يثبت فشله فى تحديد حالته الصحية، ظهر القعيد شامخا يسير على قدميه ويتمتع بحالة صحية جيدة، على ما يبدو أن بكالوريوس علم الأحياء الحاصل عليه من الجامعة الإسلامية فى غزة، وحبه للتمثيل والمسرح وكانت إحدى المسرحيات سبب كنيته بـ«أبوخالد» نفس اسم دوره فيها، وعلى ما يبدو أن تلك الموهبة سهلت عليه التمثيل فى الحياة لدرجة خداع جهاز استخبارات -الموساد- تضعه التصنيفات الدولية ضمن أهم أجهزة المعلومات عالميا.

وعلى غرار السنوار الذى أطلقت إسرائيل سراحه من سجونها، يبدو أنها اليوم تندب حظها لترك الضيف يتمتع بهواء غزة المختلط برائحة دماء الشهداء، خاصة أنه حين أعلن عن تأسيس حماس انخرط فى صفوفها دون تردد، واعتقلته تل أبيب عام 1989، وقضى 16 شهرًا بسجونها دون محاكمة بتهمة العمل فى الجهاز العسكرى لحماس، وأثناء سجنه كان الضيف قد اتفق مع زكريا الشوربجى وصلاح شحادة على تأسيس حركة منفصلة عن حماس بهدف “أسر جنود الاحتلال”، فكانت كتائب القسام.

أخطر التهم الموجهة إليه هى إشرافه وتخطيطه لسلسلة عمليات انتقام عقب اغتيال المهندس يحيى عياش، والتى أدت إلى مقتل نحو 50 إسرائيليا بداية عام 1996، وتخطيطه كذلك لأسر وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين أواسط التسعينيات، فاعتقلته إسرائيل ودخل السجن عام 2000، لكنه تمكن من الإفلات من سجانيه فى بداية «الانتفاضة الثانية»، واختفت آثاره منذ حينها.

إسرائيل التائهة فى أنفاق غزة حاليا أو «مترو غزة» كما وصفها نتنياهو قبل سنوات، يعود فضل فكرة للضيف، ويعد ممن عززوا استراتيجية إطلاق عدد أكبر من الصواريخ، رغم عشقه للتمثيل والمسرح بمجرد انخراطه فى الدفاع عن القضية وعلمه بأن رأس التى تعج بأفكار تفوق رؤساء أركان جيوش موضوعة على قائمة «جلوبال فاير بارو»، تلك الأمور جعلته يبعد عن الأضواء والكاميرات والتقطت له ثلاث صور فقط، صورة فى مرحلة الشباب، والثانية وهو ملثم، والثالثة صورة لظله.. حتى ظهرت الرابعة المذكورة سلفا.

مع كل مرة يشن فيها الاحتلال عدوانا على غزة يبحث عن رأس الضيف لقناعته المليئة بالأفكار العسكرية، كانت أصعب محاولات اغتياله فى عام 2002، ونجا منها وقتها بأعجوبة، لكنه فقد إحدى عينيه كنتيجة لها، وتزعم إسرائيل أنه بتر إحدى قدميه أيضًا وإحدى يديه، وأن لديه صعوبة فى الكلام، بسبب تعرضه لأكثر من محاولة اغتيال، حتى أثبت الفيديو الأخير سذاجة رواية الموساد.

وعام 2014 استشهدت زوجته واثنان من أطفاله، خلال عدوان تل أبيب على قطاع غزة، واستمرت حينها هذه الحرب أكثر من 50 يومًا وأخفق جيش الاحتلال فى الوصول إلى رأس الضيف، وخلال الحرب الدائرة يتملك الاحتلال حلم وقوع الصيد الثمين ورصدته مقابله مكافآت مالية قيمتها 100 ألف دولار مقابل معلومات عنه الأمر الذي دفع العديد من المراقبين للسخرية من الرقم مقابل رجل بهذه العقلية.

 

 

الجريدة الرسمية