«الإسكندراني» يكشف محنة النقد الفنى.. والحُكم بعد المشاهدة
كتب أحدُهم مشيدًا بعبقرية فيلم "الإسكندراني" فور طرحه للعرض السينمائي يوم الثلاثاء الماضي، وكنت أعلم جيدًا أنه لم يشاهده، فهاتفتُه: كيف تشيد بفيلم لم تشاهده بعد؟ فأجابني بعد قهقهة مجلجلة: "المخرج خالد يوسف صديقي.. ولازم أجامله؛ خاصة أن هذا أول أفلامه منذ أزمته الشهيرة التي أبعدته عن مصر"!!
أحدهم –وهو أستاذ جامعي مرموق- كتب أيضًا مشيدًا بالفيلم وبعبقرية مخرجه، وخصص مقاله بالصحيفة اليومية لهذا الغرض، وهو لا يعلم بالأساس –كما ذكر في مقاله- مَن هو بطل الفيلم، ولا صاحب القصة، بل يجهل بيومي فؤاد أيضًا، ولكنه ذهب للعرض الخاص؛ بناء على “الدعوة الكريمة” التي تلقاها من المخرج، وبدا أن النتيجة التي يرغب في الوصول إليها هي: "‘إن خالد يوسف مخرج عبقري"!
وهنا يبرز السؤال: هل لو كان مخرج الفيلم مخرجًا شابًا يبدأ إخراج أول أفلامه، وصنع فيلمًا ناجحًا، هل كان سوف يجد كل هذا التأييد والدعم والمساندة، وهل كان سوف يتم خلق رأي عام إيجابي حول الفيلم بهذه الصورة؟!
قبل ثلاث سنوات.. عندما فاز مخرج مصري ثلاثيني اسمه عمر الزهيري بإحدى جوائز مهرجان كان السينمائي الدولي عن فيلم “ريش”..فإن الهجوم الذي تعرض له كان أضعاف الدعم والتأييد..المفارقة تبدو واضحة جدًا!!
منطق غريب
يبدو هذا منطقًا غريبًا في الحركة النقدية في مصر. الصداقة قد ترفع رواية جديدة أو كتابًا جديدًا أو فيلمًا جديدًا إلى السماء، والخصومة قد تدفع بهم جميعًا إلى الأرض. الصداقة قد تمنح عملًا دون المستوى جائزة رفيعة لا يستحقها، والعكس صحيح.
النقد -بمفهومه الأكاديمي والمهني- غائب منذ سنوات طويلة. الناقد الفني أو الأدبي الحقيقي أصبح عملة نادرة. لا يخلو نقد من شبهة غالبًا، قد تكون مجاملة غير منطقية أو تحاملًا غير مبرر، فضلًا أن كثيرين ممن لم يقرأوا كتابًا واحدًا في أدبيات النقد وأصوله نصَّبوا أنفسهم نقادًا!
يمكن تعريف "النقد"، باعتباره عملية تحريرية أو شفهية، تهدف إلى تحليل عمل فني أو أدبي؛ لاستخراج وتحديد نقاط القوة والضعف فيه.
والنقد غير الانتقاد؛ إذ إن الأول يُحلل العمل الفني أو الأدبي، ويُركز على إيجابياته وسلبياته، بينما الثاني لا يركز سوى على السلبيات والتربص بها وإبرازها وتصديرها للرأي العام، واصطناعها إن لم تكن موجودة، وتجاهُل مواطن الجمال والإبداع في العمل، قليلة كانت أو كثيرة.
ولم يضع أهل الاختصاص من الأكاديميين -حتى كتابة هذه السطور- تعريفًا أو اصطلاحًا لنقد عمل ما، دون قراءته أو مشاهدته. النقد "العمياني" جدل عقيم لا قيمة له ولا وزن!
من أدبيات النقد وضوابطه ومعاييره الحاكمة أن يكون بنَّاءً؛ هدفه إصلاح الجوانب السلبية وتعزيز الجوانب الإيجابية، وليس هدامًا يخسف بالعمل إلى أسفل سافلين.
تشمل مراحل التقييم خمس خطوات هي: القراءة أو المشاهدة، التحليل، التصنيف، التفسير..وأخيرًا: التقييم، وهو ما لا يحدث إجمالًا في السنوات الأخيرة إلا باستثناءات محدودة جدًا.
النقد الفني/ الأدبي يجب أن يكون موضوعيًا لا ذاتيًا، متحررًا من الانطباعات الذاتية والأمزجة الشخصية والأحكام سابقة التجهيز.
مرجان أحمد مرجان
في فيلم "مرجان أحمد مرجان".. قدَّم رجل الأعمال رشوة سخيَّة لأستاذ جامعي متخصص في النقد الأدبي؛ ليمتدح ديوانه الشعري المسروق: "أبيع نفسي"، وقد فعل الأخير ذلك بإتقان، ويبدو اسم الديوان معبرًا جدًا، وهذا مما يُحسب لمؤلف الفيلم يوسف معاطي.
يغيب المنطق أو يتم تغييبه قسرًا في ميزان النقد الأدبي والفني، وتحوَّل الناقد إلى ظهير إعلاني داعم للعمل الجديد، إذا كانت علاقته طيبة بصُناعه، والعكس بالعكس!
الأمر ذاته يحدث في مجال النقد الرياضي. البرامج الرياضية تستضيف أحيانًا نقادًا؛ ليتحدثوا عن مباريات لم يشاهدوها، ويصبح الانتماء الرياضي أيضًا هو المتحكم في بوصلة النقد!
عدم منطقية كثير مما يُسمى: "كتابات نقدية"، وتحديدًا في المجال الفني..تسبب مؤخرًا في إثارة أزمات بين النقاد وصُناع الأعمال الفنية، وصلت إلى حد التلاسن والسجال، قبل أن تصل أصداؤها سريعًا إلى القضاء.
جسر من الثقة والمصداقية
أبدًا..لم تكن العلاقة قديمًا بين النقاد والفنانين علاقة خصومة أو عداء، حتى لو جاء نقد الناقد للعمل أو أداء أبطاله قاسيًا عنيفًا؛ ربما لأنه كان هناك جسر من الثقة والمصداقية يربط بين جميع الأطراف.
لم يكن الناقد مضطرًا إلى مجاملة الفنان؛ لمجرد أن علاقة صداقة تجمعهما، كما لم يكن الفنان ينتظر مدحًا مجانيًا من الناقد؛ لمجرد أنه دعاه إلى مشاهدة العرض الخاص للفيلم، أو دعاه إلى مأدبة عامرة مما تشتهيه الأنفس!
كان الناقد يرى نفسه قاضيًا يجب أن يكتب بالحق لا الباطل. الذين صنعوا أسماء خالدة في مجال النقد كانوا يُنزهون أنفسهم عن السقوط في فخ المجاملة والدعاية المجانية، كما كانوا يرفضون أن تكون أقلامُهم مطيَّة لأي أحد.
الحُكم بعد المشاهدة
قد يكون فيلم "الإسكندراني" فيلمًا جيدًا، على الصعيد الفني أو التجاري، خاصة أنه عن قصة للكاتب المبدع الراحل أسامة أنور عكاشة، ويشارك فيه نخبة من الفنانين الكبار والشباب الواعدين، ويقوده مخرج يمتلك سجلًا من الأعمال الناجحة فنيًا وتجاريًا، وأعمال أخرى دون ذلك. وبالتالي فإن أي حُكم على عمل فني جديد يجب أن يكون بعد المشاهدة، وليس قبلها، ويكون مبنيًا على الضوابط المذكورة آنفًا، بعيدًا عن لعبة الصداقة/ الخصومة، وعن الانطباعات الذاتية والأمزجة الشخصية.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.