الطفولة الدموية
في مرحلة مبكرة من طفولتنا، كان فرحنا وولعنا شديدا بالهدايا، حتى إن كانت بسيطة.. كانت تشبع غريزة الامتلاك فينا، فضلا عن إشاعتها للفرحة والبهجة في نفوسنا..وكان لاستقبال عيد الفطر كل عام في حياتنا طقوسه وعاداته وتقاليده، إذ كان ذلك مرتبطا - بالنسبة لنا كأبناء - بشراء حلة وحذاء جديدين.. وأذكر جيدا أنى كنت أضع الحذاء الجديد بعلبته في دولاب الملابس، تقديرا وتكريما له واحتفاء به..وحين أستيقظ في الليل، أقوم من فورى وأذهب إلى الدولاب لكى أطل على الحذاء الجديد لأطمئن عليه وأملي عينى منه، ثم أعود إلى النوم مرة أخرى.
ولا يقتصر العيد على الحلة والحذاء الجديدين، بل يكون مناسبة كبرى لاقتناء لعب الأطفال والتي كنا نتفاخر بها بين أقراننا، بل نحافظ عليها كحياتنا، ولا نسمح لأحد بالاقتراب منها فضلا عن المساس بها..ويا ويل من تسول له نفسه أن تمتد يده إليها في محاولة لانتزاعها..هنا تكون الطامة الكبرى، حيث تتحول البراءة والوداعة إلى وحش كاسر.
لقد هبط حكم مصر على الإخوان فجأة ودون مقدمات.. كان الأمر بالنسبة لهم خيالا داعب أحلامهم طويلا.. جاءهم بعد معاناة طويلة.. لم يصدقوا أنفسهم.. ربما قالوا لبعضهم: هل نحن في علم أم حلم؟ الفرحة والنشوة أنستهم معاناتهم.. ومعاناة الآخرين.. كانت لهجتهم وممارساتهم مع المجتمع استعلائية.. أرادوا أن يحوزوا كل شيء..فكرة الدولة غائبة.. حتى الداخلية التي كانت تمثل بالنسبة لهم العصا الغليظة لنظام الحكم، أصبحت هينة لينة في أيديهم.. ولا بأس لديهم من أن تقمع غيرهم من المعارضة.. أصابنى الذهول والدهشة عندما رأيت وسمعت بعضهم في القنوات الفضائية يدافع عنها باستماتة، رغم أن أحداث القتل والقمع والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان كانت ثابتة.. حتى الدكتور مرسي نفسه كرر أكثر من مرة أنه لن يسمح بالحديث عن تطهير الداخلية (!!) ظلوا يحكمون عاما كاملا.. كان عاما من الفشل وسوء الإدارة والتخبط والارتباك بسبب عوامل كثيرة..
وكانت الموجة الثانية من الثورة في ٣٠ يونيو، حيث خرج عشرات الملايين من شعب مصر في مشهد عبقرى وتاريخى، غضبا ورفضا لحكم الدكتور مرسي والإخوان، ومطالبة برحيله.. وانحاز الجيش لتلك الملايين بعد أن أمهل الدكتور مرسي مرتين للخروج من المأزق، لكن الأخير تصرف بكبر وغرور وسوء تقدير وعدم إدراك لحقيقة ما يحدث، معلنا الحرب على الجميع.. وفى ٣ يوليو اتخذ الجيش مع قيادات دينية وسياسية وشبابية ورموز وطنية قراره بعزل الدكتور مرسي ووضع خارطة طريق..
وإزاء ذلك لم يتصرف الإخوان ومن معهم بحكمة ورشد.. كان المفترض من بداية خروج الملايين أن يستجيب الدكتور مرسي، وأن يستقيل ليجنب البلاد الانقسام الحاد والاحتراب الأهلي والعنف المجتمعى.. لكننا كنا – وما زلنا - أمام طفل سحبت منه لعبته، فبدا يهيج ويموج ويملأ الدنيا صراخا وعويلا متشبثا بلعبته..لا يريد أن يهدأ حتى تعود اللعبة إليه، ولا بأس بأن يدفع في ذلك أي ثمن حتى ولو كان تعريض الأمن القومى لمصر للخطر.. قيل إن عدد القتلى في شهر واحد حتى ٢٤ يوليو بلغ ٢١٨ قتيلا (حتى الانتهاء من كتابة هذا المقال)، والوضع مرشح للمزيد.. كان لابد من تدخل الجيش لوضع حد لهذه المجازر، فكان خطاب السيسى في ٤ يوليو بدعوة الجماهير للنزول إلى الميادين يوم الجمعة ٢٧ يوليو لتفويض الجيش لمواجهة أي عنف أو إرهاب «محتمل».