رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور إبراهيم بدران لـ "فيتو": الوضع الحالي مؤسف ونحتاج لحكيم سياسي

فيتو

أكد الدكتور إبراهيم بدران عضو مجمع البحوث الإسلامية ووزير الصحة الأسبق ورئيس المجمع العلمي، أن مصر في حاجة إلى تطوير منظومة الصحة والتعليم لتلحق بالركب العالمي وتعود كسابق عهدها، لافتا أن هناك أولويات يجب أن توضع في الأجندة المصرية للاهتمام بها من أجل عودة الروح لمصر، مشيرا إلى أن الأرقام العالية التي نشهدها في المرضى في مصر متناسب مع المعدل العالمي لكن من ناحية حوادث الطرق، تعد مصر أولى دول العالم في تعداد الحوادث. 
* بما أنك كنت في موقع المسئولية كوزير للصحة كيف تقرأ الواقع الذي نعيشه في مصر الآن؟ 
الحقيقة أنني أقف كثيرًا أمام الوضع الحالي في مصر وأنا أراه وضعا مؤسفا وبالتحديد الاختلافات بين الأجيال فيما يسمى بالتصور بإعادة بناء مصر بالصورة التي لم نستطع الاتفاق عليها فيما بيننا وأنا أرى أن الثورة كانت أملا كبيرا لكن نتائجها لم تكن على المستوى الذي كنا نتمناه حتى جاءت ثورة 30 يونيو وصححت بعضا من مسار الثورة فهي أبرزت بعض الصفات الموجودة في المصريين والحقيقة أنني أرى أن الشعب المصري شعر بعد الثورة بأن مصر جزء منه وهو جزء منها وشعر بأنه يمارس حقه في اتخاذ القرارات وستتحقق أحلامه في تحقيق التقدم والتطور لمصر والشيء المؤسف لي فعلًا أنني لم أكن أتمنى أن أحيا مرحلة يظهر فيها الانشقاق بين أبناء الشعب المصري بالصورة التي أراها الآن، حتى نجتمع لإعادة بناء الوطن وأنا أرى أن هناك بعض الرموز التي ظهرت يمكن أن تلتجئ إلى العقل لتوحيد المسار للوصول إلى هدف كل مصري، فمشاكلنا كثيرة وتطلعاتنا كبيرة وقدرتنا هائلة ومصادرنا كافية كل ما نحتاجه هو العقل لنتجه إلى الإصلاح.
* من خلال عملك بالطب ومعاصرتك للشخصية المصرية كيف ترى تركيبة المواطن المصري؟
شخصية الإنسان المصري، مختلفة تماما عن أي شخصية أخرى في العالم لأن النسيج المصري اختلط بجنسيات مختلفة من الغزاة الذين حدث بينهم تزاوج مع المصريين وأصبحت الشخصية المصرية تحمل جينات مختلفة لجنسيات محتفلة والجينات القوية هي التي تبقى للنهاية، فلو نظرت ستجد أن لدينا 18 جنسية مختلفة غزت مصر اختلطت جيناتهم مع جينات الإنسان المصري والإنسان المصري لو وجد بيئة جيدة سينتج، لكنه يفتقد المعلم السوي لأن المعلم هو من ينمى ذكاء الطفل والمصريون معروفون بالذكاء لكنهم يفتقدون للمعلم الواعي.
* باعتبارك عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية كيف ترى الأزهر في ظل المتغيرات الحالية؟
أولا دعني أؤكد لك أنه على مدى تاريخي لم أشرف بمنصب إلا بكوني عضوا في مجمع البحوث الإسلامية وهذا شرف كبير أحمله والحقيقة أن الأزهر لعب دورا كبيرا ومازال بقيادة الإمام الأكبر أحمد الطيب الذي أراه امتدادا للشيخ عبد الحليم محمود وأتمنى أن يظل على هذا الحال حفاظا على هويتنا المصرية والإسلامية.
* الإسلام يدفع أتباعه إلى التقدم والبحث العلمي للرقي وقيادة الإنسانية من خلال رحلتكم البحثية كيف ترى ذلك؟ 
لقد كان أول ما نصح به الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في أول خطبة له بعد الهجرة {يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ولكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم} من هنا فإن الرسول طالب الناس أن يكونوا على مستوى العصر الذي يعيشونه توفيرا لمتطلبات البقاء إذ إن التقدم والتجويد قضية لا تتعارض مع الدين والأصول بل على العكس التقدم يحمي الدين والدولة والأرض والعرض والله تعالى رقيب على ذلك كله، حيث قال {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} واذكر في العصر الحديث دعوة الإمام محمد عبده لإنشاء الجامعة الأهلية المصرية حين قال إن الأمة مقبلة على عصر يجب أن تأخذ فيه بأكبر قدر من العلم والمعرفة الثقافة، عصر لا تتنافس فيه الأمم بضخامة أجسادها أو سعة أراضيها وكثرة سكانها لكنها سوف تتنافس بالعقول والأفكار والابتكار، وقال أيضا إن الدعوة الإسلامية تعتمد على أمرين أولهما تحرير الفكر من قيد التقليد والنقل الأعمى ولكن الاعتماد على الفكر الحر والعلم بالإضافة إلى فهم الدين أساس العقيدة والسلوك والخلق فهما صحيحا حتى يكون صديقا للعلم باعثا على البحث في أسرار الكون واعيا لاحترام الحقائق الثابتة بتأديب النفس وإصلاح العمل، ثانيهما فإن الإصلاح يبدأ بالنفس بالتربية السليمة والتزود بالعلم النافع والتسلح بالاستنارة الذهنية والفكر المبدع في حلقة من آداب الدين سلوكه وتشريعه، وكذلك يقول الغزالي إن تعلم كل علم به قوام الدنيا والدين هو فرض كفاية على الأمة، وقال كذلك إن مسئولية العالم ليست كمسئولية الجاهل.
* منظومة الصحة في مصر تزداد في واقعها سوءا على الرغم من أن مصر من الدول المصنفة في الطب عالميا لكن تقابلها زيادة هائلة في أرقام المرضى بالفيروسات والفشل الكلوي والسرطانات فكيف ترى واقع الصحة في مصر؟
أولا أحب أن أشير إلى أن لغة الأرقام التي تقول إن أعداد المرضى في مصر بأرقام كبيرة هو واقع موجود فعلى في كل دول العالم وليس في مصر فقط والصحة في مفهومها تعنى سلامة البدن والفرد والمجتمع، وزاد الاهتمام بالصحة في الفترة الحديثة بشكل كبير لأن سلوكيات الخدمة والعلاقة والتعامل والأداء أصبحت قضية هامة وأصبحت أهم منظومة مجتمعية لعلاقتها بصحة الإنسان وأصبحت لدى العاملين بالصحة أربعة سلوكيات هامة وركيزة أساسية من ركائز الصحة وقيمة السلوكيات بالنسبة للطبيب وهى فعل الخير ومنع الضر والحفاظ على كرامة الإنسان والحفاظ على حق الإنسان في إخباره بالمرض، فهذه الحزمة هامة جدا في السياسة المتعلقة بالمنظومة الصحية، أما الصحة البدنية فتنقسم إلى صحة وقائية وصحة تأهيلية وصحة علاجية وهذه الأقسام هي كل مهنة الطب لكن الخدمة الطبية تختلف حيث تقسم إلى طب مدن، ريف، أطفال، شباب، وطب كهولة وشيخوخة، ولو أضفناها إلى بعضها تجدها جزءا مهما من وظيفة الطبيب أهمها طب الريف فهو طب مهم جدا خاصة أنها تختص بطب قرى من ضمنها قرى أكثر فقرا تصل تعدادها إلى ألف قرية وكلها تحت خط الفقر.
والحقيقة أن المشاكل الصحية في مصر بواقعها كسرت وسط الإنسان المصري منذ أن كنت تلميذا وأنا أرى هذا وأشعر بأن الصحة مطلوب لها رزمة من الملفات المهمة من أجل تقديم خدمة صحية جيدة أولها تطوير التعليم الصحي بأن تراجع كافة المناهج الطبية وتنفصل عن الغرب لأننا مجتمع مختلف وبيئة مختلفة والمجتمع نفسه مختلف ولذلك عندما كنا في الهيئة الصحية قمنا بتنميط للأمراض كلها وجدنا أنها أمراض وراثية ناتجة عن التهابات وعن حوادث وأورام وأمراض بكتيرية وقمنا برؤية وسطية فوجدنا أن هناك مستوى وسط ومستويات عالية والأمراض، الوراثية يشترك فيها الفقير والغني أما أمراض الفقر مرتبطة بالمستوى الاجتماعي لهم، وأيضا بالأوبئة حتى أن مستوى الوفيات كانت في الأطفال أنه من بين 18 مولودا يموت 6 أطفال وعندما ترقيت إلى منصب وزير الصحة جمعت أساتذة طب الأطفال وأعددنا أبحاثا، وقتها وخفضنا نسبة الوفيات.
* ما هي الأولويات التي يجب أن توليها الدولة لوقف تسارع هذه الأرقام المخيفة للمرضى؟
لدينا أولويات هامة في التكوين البنائي للمجتمع المصري أهم هذه الأولويات الحوادث وخفض نسب المصابين فيها لأن عدد المصابين في الحوادث في مصر جعلها تتصدر أولى الدول العالمية في نسبة الإصابة في الحوادث التي تزداد يوما بعد يوم نتيجة الإهمال في البنية التحتية من شبكات الطرق والعشوائية في التخطيط العمراني الذي وصلت إليه مصر وحوادث الطرق تتحملها 8 وزارات أولها الصحة والداخلية يليها الاقتصاد، ولك أن تتخيل أن نسبة من الوفيات لحوادث الطرق يزيد عن 9% من نسبة إجمالي العالم وهذا عدد كبير جداً.
* رغم الإمكانيات الطبية الجيدة لدينا، لماذا يردد الشارع أن مصر في طريقها للمجهول وعلى رأسها الصحة؟
مصر لديها قدرة كبيرة على التكيف مع أي وضع على الرغم أن مصر بها قدرات كبيرة تعطيها حقها فما لا يعلمه الشعب أنه يوميا تقوم الحكومة بعمل تحليل لمياه المجاري والصرف الصحي والمياه نفسها التي نشربها حتى الهواء يقوم مركز البحوث من خلال شعبة الهواء بتحليله يوميا من أجل التأكد من سلامته لكن نحن كشعب لا نواري سوءاتنا وأنا أقول هذا الكلام لأنني كنت في منصب مسئول سابق وأعلم هذا تماما.
* نراك دائما مهتماً بالبحث العلمي وتجعله على رأس الأولويات فكيف يكون هذا الاهتمام من وجهة نظرك؟
البحث العلمي هو تحويل ماذا إلى كيف أي ماذا تعرف إلى كيف تستفيد، فالبحث العلمي الذي انتهى إلى مصنوعات - كيف - وهي تكوين الآلة وهنا يوجد كيفان في البحث العلمي الأولى من يمكنه تصنيع الآلة وينتهي إلى تكوين المصنع والثانية من ينتهي إلى المينيزيس وهى أقل من الذرة إلى توليفة كيميائية هذه هي أساس التقدم في الصناعة ومصر لم تقصر في هذا، وأنا عاصرت أنديرا غاندي في 1980 وهى تعد السياسة التكنولوجية لمستقبل الهند فرأيت كيف يرتب لنهضة وعدت وصممت أن أقوم بها وجاءت المعونة الأمريكية وبدأنا وكتبنا 10 آلاف صفحة في 6 آلاف ساعة عمل وقمنا بعمل دراسات أكثر من دراسات الهند وفى النهاية لم تتم، والحقيقة أن مصر بها قوة كبيرة وفذة ولكن لا تستفيد منهم فلو نظرنا سنجد أن المصانع التي تنشئ تسلم على المفتاح مما يجعل الأمر معقداً ومبهماً ولكن كسرت المصانع الحربية هذا الأمر وجعلت من الفنيين يستطيعون أن ينشئوا مصانع ويفككونها ويعيدون تربيطها مرة أخرى، فالحقيقة أن البحث العلمي يحتاج إلى أن يتم الصرف عليه بسخاء ليؤتي ثماره، وعندما أعادت جامعة النيل إنتاج البحث العلمي على أسس سليمة أغلقت الجامعة بعد أن كنا على الرصيف وقامت بإعلاء روح البحث العلمي ومنحت 270 رسالة ماجستير منهم 50% يعملون بأكبر جامعات العالم.

الجريدة الرسمية