أخطر 10 ملفات على مكتب الرئيس القادم.. الفساد.. مصر فى المرتبة 130 عالميًا فى مؤشر مدركات الفساد.. خبراء يقدمون روشتة إصلاح عاجل لحماية المال العام
لا تقوم دولة فى ظل وجود الفساد، سواء بالقوانين أو الثقافات المتوارثة، أو الروتين والترهل فى الجهاز الإدارى، بخلاف صعوبات المعيشة والتضخم الذى يزيد من أوجاع الجميع ويهدم مناعة الكثيرين ضد الخطيئة والمال الحرام، لهذا يعد ملف الفساد من أخطر الملفات التى تواجهها مصر، إذ يتحمل مسئولية إهدار مليارات الجنيهات التى كان يمكن أن تستفيد منها البلاد فى مشروعاتها التنموية والاستثمارية.
وحسب تقرير مؤشر منظمة الشفافية الدولية، فى نسختها المحدثة من مؤشر “مُدركات الفساد” لعام 2022 الذى صدر بداية عام 2023، حلت مصر فى المرتبة 130 عالميًا مسجلة 30 درجة، ما يعنى تراجع 3 درجات عن العام قبل الماضى.
كما حققت مصر 33 درجة من 100 فى مؤشر منظمة الشفافية عام 2021 وهى نفس الدرجة فى العام 2020، بحيث كانت 35 درجة فى عام 2019، حيث تعتبر منظمة الشفافية الدولية ذلك المؤشر بأن مصر واحدة من الدول الأسوأ أداء فى العامين الماضيين.
ووفقًا لأحدث مؤشر لمكافحة الفساد العالمى، احتلت مصر المركز 117 عام 2017، وتحسنت لـ105 عام 2018 وتراجعت لـ117 فى 2020، بحسب بيان المرصد المصرى، الصادر فى ديسمبر 2021.
وهناك العديد من قضايا الفساد التى تم كشفها من خلال هيئة الرقابة الإدارية، ففى عام 2017 تم الكشف عن تورط عدد من المسئولين، حيث ألقى القبض على رئيس محكمة جنح الرمل بالإسكندرية، متلبسًا بالرشوة، وكشف تقرير قضائى لرئيس هيئة النيابة الإدارية عن قضية فساد مالى وإدارى داخل شركة “مصر للبترول”، وقضية “الرشوة الكبرى” المتورط فيها أمين عام مجلس الدولة السابق.
فى عام 2018، تم القبض على محافظ المنوفية الدكتور هشام عبد الباسط، لتورطه فى تهم تلقى رشوة تقدر بنحو 2 مليون جنيه، بسبب واقعة تخصيص قطعة أرض لأحد رجال الأعمال.
وفى عام 2020، كشفت هيئة الرقابة الإدارية 412 قضية بين رشوة واختلاس وتسهيل الاستيلاء على المال العام، وواجهت انحراف 1433 موظف عام، منهم عبد العظيم حسين رئيس مصلحة الضرائب الذى ضبط متلبسًا برشوة من بعض المحاسبين القانونيين المتعاملين مع المصلحة.
كما كشفت الأجهزة الرقابية قضية فساد نائبة محافظ الإسكندرية سعاد الخولى و5 رجال أعمال، حيث تورطت فى عدة وقائع فساد تشمل الرشوة والإضرار بالمال العام والتربح، وتقاضت من رجال الأعمال عطايا ومبالغ على سبيل الرشوة تجاوزت 5 ملايين جنيه.
ومن أشهر قضايا الفساد، قضية مستشار وزير المالية للضرائب العقارية، الذى تم القبض عليه عام 2017، متلبسًا برشوة مالية قدرها مليون جنيه، مقابل التلاعب فى تقدير قيمة أرض قرية سياحية، بما يهدر مبلغ 500 مليون جنيه على الخزانة العامة للدولة.
كما تم الكشف عن قضية وزير الزراعة المستقيل صلاح هلال، الذى تم إلقاء القبض عليه عام 2015، والتحقيق معه فى قضية فساد، متهما فيها وعدد آخر من المسئولين المصريين، ووجهت إلى هلال ومدير مكتبه تهم الحصول على هدايا عينية وعقارات من رجل أعمال، نظير تقنين إجراءات مساحة أرض قدرها 2500 فدان.
وكانت آخر قضية فساد شغلت الرأى العام، وهى قضية فساد وزارة التموين، التى كانت سببًا من الأسباب الرئيسية فى أزمة السكر فى مصر، وكان أحد المشاركين فيها مستشار وزير التموين للرقابة والتوزيع و8 آخرين تم اتهامهم بالفساد واستغلال النفوذ وإهدار المال العام مع أصحاب شركات خاصة، بالإضافة لتسهيل عمليات احتكار وحجب السكر عن المواطنين وبيعه فى السوق السوداء بضعف السعر.
ويقول الدكتور عاصم عبد المعطى، رئيس المركز المصرى للشفافية ومكافحة الفساد، إن ترتيب مصر فى مؤشر الفساد الدولى تأخر عن العام السابق بـ3 درجات، وفى ترتيب الدول مصر متأخرة بـ1% وهذه من المؤشرات تشير لأهمية التصدى لقضايا الفساد فى الفترة القادمة.
وعن قضايا الفساد فى مصر، قال الدكتور عاصم إن قضايا الفساد لدينا متنوعة وأشكالها كثيرة، فهناك فساد اقتصادى، واجتماعى، وإدارى، وبيئى وغيره، لذا فعملية تصدى رئيس الدولة لملف الفساد يتطلب أن تكون معه منظومة قادرة على تحديد الأهداف الخاصة بقضايا الفساد، موضحا أهمية أن يكون لديها خبرة تراكمية، وليست إدارية فقط فى ميدان العمل بمجال الفساد والقوانين المتعلقة بمثل هذه القضايا.
وأضاف عبد المعطى: بعض القوانين عندنا مقننة للفساد، أى تسمح للفاسد بأن يمارس فساده دون أن يتصدى له القانون والمجتمع نتيجة التحول إلى ممارسة دوره بشكل قانونى، وقوانين بها عثرات لأنها قديمة وبالية، ويترتب على ذلك أن تكون حصيلة الفاسد من قضايا الفساد أكبر من حصيلة التصدى له.
وأضاف رئيس المركز المصرى للشفافية ومكافحة الفساد: لدينا قوانين تخشى الحكومة المصرية إصدارها، وبدلات منها أصدرت قوانين تعوق إصدارها، مثل قانون “حماية الشهود المبلغين”، والذى تتردد الحكومة فى إصداره أن بعض المُبلغين سيقدمون بلاغات كيدية لمسئولين فى الدولة، وهذا عائق لا يمكن النظر له فى المطلق، لذلك كان الأمر يتطلب التعامل مع السلبيات التى تراها الحكومة، واقترحنا أن من يقدم بلاغا كيديا يعاقب، لكن يجب أن تمارس الدولة دورها فى البلاغات الحقيقية.
وأوضح أن الأجهزة الرقابية فى مصر لا تتعدى جهازين، المركزى للمحاسبات والرقابة الإدارية، لكن هناك أجهزة رقابية تنفيذية داخل بعض الجهات التى تخضع لها، لكنها غير قادرة على مكافحة الفساد، لذا لا بد من تشجيع الجهاز المركزى للمحاسبات، ومنح رئيسه وأعضائه القدرة المناسبة للتعامل مع قضايا الفساد والتغلب عليها.
من ناحيته، قال الدكتور أحمد صقر عاشور، الأستاذ بجامعة الإسكندرية والخبير الدولى للحوكمة والإصلاح المؤسسى ومكافحة الفساد، إن هناك أهمية فى معرفة أسباب الفساد وجذوره وعوامله المساعدة وأطرافه والقطاعات الأكثر تشبعًا به، لاسيما أنه الأكثر خطورة على التنمية.
استكمل: الفساد انتشر واستفحل وتغلل وأصبحت ممارساته محمية، لأن آليات المساءلة ضعفت، وهناك قطاعات ومؤسسات خارج إطار رقابة الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد.
وأكد الدكتور عاشور أهمية عمل دراسات للتعرف على المجالات الأكثر تشبعًا بالفساد، والتى تمثل خطورة شديدة على مستقبل البلاد، مثل التعليم خاصة أنه بمنزلة المصنع الذى يشكل المجتمع وكذلك الصحة والتعليم والاستثمار وغيرهم.
وقال ممثل منظمة الشفافية، إن داخل الجهاز الحكومى توجد أسباب تحفز وتعطى فرصة لممارسات الفساد، بالإضافة للعوامل الخارجية، مثل تدنى رواتب العاملين فى الجهاز الحكومى التى لا تكفى ولا تفى اعتبارات ومطالب الكفاءة والعدالة والنزاهة، مطالبا بإعادة النظر فى منظومة العمل.
واختتم: لا بد أن يكون لدينا الشجاعة والقول إن الهيكل المالى للدولة جرى تفتيته، وهناك قطاعات من الموارد المالية والإنفاق العام لم تعد جزءًا من الموازنة العامة، ولا تخضع للأجهزة الرقابية، مؤكدا أن كل هذه المشكلات تحتاج لإصلاح جذرى واستراتيجى، لافتا إلى أهمية توفير حرية رأى وتداول معلومات وشفافية، لأنه يصعب مكافحة الفساد دون حرية رأى وتعبير وحرية نقد ومكاشفة.