رئيس التحرير
عصام كامل

جريمة القادة الكبار.. مقال بصحيفة ليبراسيون الفرنسية يروي تفاصيل لعنة العصر فى غزة: الغضب الشعبى بنتشر كالسرطان فى المجتمعات..وأمريكا انتهت منذ هجمات 11 سبتمبر

غزة، فيتو
غزة، فيتو

سلط المحامي الفرنسي ويليام بوردون، الضوء على الأوضاع المأساوية فى غزة، وسط غض طرف العالم  عن جريمة الإبادة الجماعية التى تمارس هناك.

 

واعتبر فى مقال له بصحيفة " ليبراسيون" الفرنسية، اليوم، أن قطاع غزة شكل لسنوات طويلة سجنًا مفتوحًا يضم أكثر من مليوني نسمة

وتابع فى مقاله الذي جاء تحت عنوان "القانون الدولي يدفن تحت أنقاض غزة": إن ما يحدث انتكاسة خطيرة للحق الذي ولد من رحم الألم والصدمات المتتالية منذ نهاية القرن التاسع عشر لمواجهة فظائع الجرائم الجماعية

 

فيما يلي نص المقال الذي نشره موقع الميادين اللبناني إلى العربية بتصرف:

 

شكل قطاع غزة لسنوات طويلة سجنًا مفتوحًا يضم أكثر من مليونَي نسمة، مع نسبة مرتفعة من الأطفال. إلّا إنه تحول اليوم إلى أرض مدمرة، يرقد تحت أنقاضها القانون الدولي الإنساني الذي أصبح مجرد استعارة للتجرد من الإنسانية.

 

وهذه انتكاسة خطيرة للحق الذي ولد من رحم الألم والصدمات المتتالية منذ نهاية القرن التاسع عشر لمواجهة فظائع الجرائم الجماعية التي ارتكبت خلال الصراعات الكبرى وتركت أوروبا في حالة حداد. ومع ذلك، فإنّ هذا القانون الدولي الإنساني، الذي بقي من دون تأثير حتى عام 1945، كان عاجزًا عن وقف الجرائم الجماعية التي ارتُكبت في القرن العشرين.

 

هذا الحق، الذي تم ترسيخه بشكل خاص في اتفاقيات جنيف الأربع المبرمة في 12 أغسطس 1949 المتعلقة بـ "جرائم الحرب"، لم يمنع في ما بعد ارتكاب الجرائم خلال فترة إنهاء الاستعمار، ولا ارتكاب الجرائم في أثناء الحرب في فيتنام والحرب في يوغوسلافيا السابقة ورواندا. إنّ استهزاء الزعماء السياسيين وجنون الطغاة العظماء، جعلا من هذه الاتفاقيات، المقدّسة مبدئيًا، حبرًا على ورق وبلا قيمة.

 

ازدواجية المعايير فى عالم غارق بالمآسي 

في هذا العالم الغارق بالمآسي والويلات التي يصعب استرجاعها جميعها، لاحت بارقة أمل مع إنشاء المحكمتين المخصصتين لحربي يوغوسلافيا السابقة ورواندا في عامي 1993 و1994، ثم مع إنشاء أول أداة للعدالة المعولمة، ألا وهي المحكمة الجنائية الدولية. لقد عشنا لحظات مفعمة بالأمل وشهدنا بداية حقبة جديدة تؤرخ لنهاية زمن الإفلات من العقاب لأعتى المجرمين. 

 

أما الأمر المحزن في الموضوع، فهو عمل هذه العدالة المعولمة الجديدة الذي بدا متواضعًا وغامضًا، على أقل تقدير، على الرغم من أن هذه الأداة المناهضة للطغيان والهمجية محتقرةٌ ومقوّضة من قبل أقوياء العالم، الملطخة أياديهم بالدماء. وهم أعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. 

 

وعلى مدار عشرين عامًا، انصب تركيز المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم المرتكبة في القارة الأفريقية؛ ومؤخرًا على تلك الجرائم التي ارتكبت في أوكرانيا، في تعبئة غير مسبوقة بقدر ما هي مشروعة، ما عزّز لدى مواطني الجنوب الشعور باستمرار الكيل بمكيالين، خاصة في ظل نهج غياب المبادرة الذي يتبعه مدعي عام المحكمة منذ فتح تحقيق أولي عام 2021 بشأن الجرائم المرتكبة من قبل الأطراف المتحاربة في "إسرائيل" وفلسطين منذ 13 حزيران/يونيو 2014.

 

وتعد الزيارة الأخيرة التي قام بها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى "إسرائيل" والأراضي الفلسطينية والوعود بشأن تكثيف جهوده للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة، الحد الأدنى في ضوء التصعيد المستمر في غزة. وسيتطلب الأمر مثابرة وتعبئة استثنائية من المدعي العام وفِرقه لإصدار أوامر اعتقال في يوم من الأيام، إلّا أننا بعيدون جدًا عن هذه الخطوة في الوقت الراهن. وهذا بالتأكيد أحد الشروط لاعتبار جهود المحكمة الجنائية الدولية جهودًا عالمية وليست أنشطة تتغير وفقًا للأهواء والظروف كما هو الحال اليوم.

 

كما نعلم، تحترم الدول القانون الدولي الإنساني أو تتجاهله وفق مصالحها أو ظروفها الخاصة. ومع ذلك فإنّ مجموعة من القوانين قد حدّت، ومن دون أدنى شك، من وقوع  الأسوأ ولو بشكل ضئيل.

 

هجمات 11 سبتمبر 2001 كتبت نهاية دينامية أمريكا

أعلنت هجمات الـ 11 من سبتمبر 2001 عن نهاية الدينامية النشطة التي تتبعها الولايات المتحدة. فالتصور الذي تبنته إدارة بوش بشأن التشريع الذي يحرّرها من التراث القانوني العالمي سبّب التآكل التدريجي للمبادئ العظيمة التي تحمي كرامة الإنسان، فضلًا عن الحريات العامة. وكل ذلك باسم الحرب على الإرهاب، الذي لم تسلم منه لا أوروبا ولا فرنسا. 

 

لقد أدى ظهور "الشر المطلق" تدريجيًا إلى تحرير كبار القادة الغربيين من القيود، ما دفعهم إلى تطبيق المبدأ الذي يقول بأنّ الغاية تبرّر الوسيلة؛ الوجه الآخر لسيادة القانون. وهكذا، وبطريقة خادعة، ترسخت القناعة بأنه في مواجهة "الشيطان"، لا يمكن للمرء أن يرتكب جريمة ضد الإنسانية من خلال التخلي عن كل وازع في الداخل فيما يتعلق باحترام الحريات، وخارجيًا فيما يتعلق بالسكان المدنيين وأسرى الحرب. لقد فتحت "الحرب على الإرهاب" مجالًا غير محدود من الاستغلال السياسي.

 

وعلى هذا النحو، يمكننا بسهولة تجريم الأصوات المعارضة، لتحرير أنفسنا من التراث القانوني العالمي الذي تعرض لأضرار متزايدة.

دفن القانون الدولي تحت أنقاض غزة وهو اليوم يحتضر

وهكذا دفن القانون الدولي تحت أنقاض غزة، وهو اليوم يحتضر. إنّ "إضفاء الطابع الحيواني" على السكان المدنيين في غزة، بما في ذلك أطفالها، من قبل أحد وزراء بنيامين نتنياهو، لهو أفظع تعبير في هذه الدوامة لتجريد السكان المدنيين من إنسانيتهم، لتشريع ضربهم أو قتلهم. وبحسب منظمة اليونيسف، فإنّ أكثر من 5 آلاف طفل قتلوا في خلال شهرين. لقد هتكت المحرّمات. في مواجهة الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر 2023، وإن كان لـ "إسرائيل" الحق في الرد، فليس لديها الحق في الانخراط في آلية انتقامية يحظرها القانون الدولي تمامًا. إنّ ما حدث في غزة لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر.

 

من يتذكر حكومة ديمقراطية قامت، على مدى شهرين، وعلى هذا النطاق الواسع، وبمثل هذا المعدل المرتفع، بقصف مبان مدنية على نطاق واسع ومتواصل، وبالتالي ارتكاب جرائم حرب؟ جرائم شجعها الغرب بطريقة جبانة وباستهتار. إنّ عدم ضبط النفس من قبل القوات الإسرائيلية تجاه السكان المدنيين والضوء الأخضر الذي أعطاه الغرب سيؤديان إلى عواقب كارثية في جميع أنحاء العالم، حيث أصبح يمكن وصف الهمجية بأنها فنّ من فنون الحرب.

 

نفاق القادة وازدواجية معاييرهم تجاه ضحايا غزة

لقد تسارعت عملية تجريد ضحايا جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية من إنسانيتهم، وهذا الأمر مستمر منذ عقود، ووصل اليوم إلى ذروته. فعملية التجريد من الإنسانية هذه تمنح تفويضًا مطلقًا لأولئك الذين يهللون له من خلال إعداد شهادة وفاة القانون الدولي.

 

فالكرامة، التي تشكل جوهر الإنسان وعالميته، تُنتقص من دون أن يتأثر الذي من المفترض أن يكون حارسها. إذ تعتبر "إسرائيل" أنّ القانون، عندما يحمي الآخرين، يشكل عائقًا أمام ما تسعى إليه، وهو الموقف الذي صادقت عليه واشنطن وباريس قبل أن تسارعا إلى الدعوة لعدم استهداف المدنيين. وقد عرّض وزير الداخلية في حكومة بلادنا، جيرالد دارمانين، نفسه لهذا الموقف بالضبط منذ أن استهزأ، في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، بقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذي منعت فرنسا من طرد أوزبكي مهدد بالتعذيب إذا ما أُعيد قسرًا إلى بلاده. إنّ حصيلة الحروب أو الحملات العقابية "ضد الإرهاب" أو "لفرض الديمقراطية"، باتت تشكل عبئًا ثقيلًا على كاهل الولايات المتحدة.

 

لقد أطلق النفاق وازدواجية معايير القادة وأصدقائهم التجار والهوس في الحفاظ على مراكزهم السياسية ومنطق المزايدة الفردية الرصاصة الأخيرة التي أردَت القانون قتيلًا.

 

كما تسارعت وتيرة هذا التحول وتعززت نتيجة تفكك المجتمع الدولي وذبول ديمقراطياتنا وفقدان زعمائنا الفرنسيين مصداقيتهم واللعنة الشعبوية التي تنتشر مثل ورم خبيث يدمر العالم.

 

إنّ الدول الغربية، بتشجيعها إسرائيل في المعركة التي تقدمها على أنها حضارية" ومن خلال تأييد حججها الواهية، خاطروا من دون أي حساب بالقيم المشتركة للإنسانية وألغوا عالميتها.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

 

الجريدة الرسمية