الإفتاء توضح حكم صلاة الجمعة خلف التلفاز
حكم صلاة الجمعة خلف التلفاز، ورد إلى دار الإفتاء سؤال يقول هل تنعقد صلاة الجماعة وتجزئ عن الصلاة عن بعد؛ مثل التعليم عن بعد، وهل تجوز صلاة الجمعة خلف التلفاز.
مقاصد صلاة الجماعة
ومن جانبها قالت دار الإفتاء إن الأصل في صلاة الجماعة: أن يتحقق فيها معنى الاجتماع الحقيقي؛ بأن يكون الإمام والمأموم في مكانٍ واحد مع اتصال الصفوف ومعرفة المأموم بانتقالات الإمام؛ وذلك إظهارًا لشعائر العبادة التي توخَّت فيها الشريعة الترابط والتراص بين المسلمين.
والجمعةُ مشتقةٌ من الاجتماع؛ كما قال العلامة السُّغدي الحنفي في "الفتاوى" (1/ 93، ط. مؤسسة الرسالة)، ولأجل هذا المعنى في أصل اشتقاقها، فقد أجمع العلماء على اشتراط تحقق معنى الجماعة في صحة صلاتها؛ لأن مِن مقاصد الاقتداء: اجتماعَ جمعٍ في مكانٍ واحدٍ عرفًا، على ما جرى عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا، عبر الأعصار والأمصار، من غير نكير:
ضوابط الاجتماع المشترطة في صلاة الجمعة
يحصلُ معنى الاجتماع المجمَعِ على اشتراطه في صلاة الجمعة: باتصال الصفوف بين المصلين -وقد يكون حقيقيًّا أو حُكميًّا؛ فمناط الاتصال: بحسبه في كل حال-، وباتحاد المكان بين الإمام والمأمونين -حقيقةً أو عرفًا-، وبإمكان متابعة المأموم لتنقلات الإمام -بسماعٍ أو رؤيةٍ-.
وقد اختلف العلماء في تحقق معنى الاجتماع في بعض الأحوال؛ كما لو فصل طريق أو نهر أو جدار، أو زادت المسافة، أو حصل السماع دون مشاهدة، أو كان المأموم في سطح أو منزل أو مسجد ملاصق للمسجد، أو كانت أبواب المسجد مغلقة مصمتة، أو مغلقة مشبكة، أو مسمَّرةً، ونحو ذلك؛ بناءً على اختلافهم في تحقيق مناط الاتصال، واتحاد المكان، وإمكان المتابعة، في هذه الأحوال؛ فلا اختلاف في اشتراط الاجتماع، وإنما الخلاف في تحقيق مناط حصوله في بعض الأحوال:
ولو كان مسجدان باب أحدهما لافظٌ في الثاني كالجوامع، فإن كانت الأبواب مفتوحة، فهما كالمسجد الواحد، ولا أثر لانفصال أحد المسجدين عن الثاني بالجدار، وإن كان الباب مردودًا، وكان صوت المترجم يبلغ في المسجد الثاني، وهما معدودان كالمسجد الواحد، فالمذهب الظاهر صحة الاقتداء، فإنهما كالمسجد الواحد. وأبعد بعض أصحابنا، فمنع إذا لم يكن حالة الاقتداء منفذٌ؛ لأن أحدهما يعدّ عند رد الأبواب منفصلًا عن الثاني، ولا يعدّان مجتمعين عرفًا. ثم من منع الاقتداء والباب مردود قالوا: لو كان الجدار الحائل بين المسجدين المانع من الاستطراق مشبكًا، لا يمنع من رؤية مَن هو واقف في المسجد الذي فيه الإمام، فعلى الوجه البعيد وجهان. وما ذكر من رد الأبواب فالمراد إغلاقها، فأما إذا لم تكن مغلقة الأبواب، فهي كالمفتوحة قطعًا، والذي أرى القطعَ به: جوازُ القدوة وإن كانت الأبواب مغلقة والجدارُ غيرَ نافذ إذا كان المسجدان في حكم المسجد الواحد وبابُ أحدهما لافظٌ في الثاني، وهو المذهب، ولست أعد غيره من متن المذهب] اهـ.
و"باب لافظ": أي لاصق بالأرض نافذ من غير فاصل بينهما من طريق أو غيره؛ كما قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح في "شرح مشكل الوسيط" (2/ 246، ط. دار كنوز إشبيليا).
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 362، ط. المكتب الإسلامي): [ولو حال بين الإمام والمأموم، أو الصفين نهر يمكن العبور من أحد طرفيه إلى الآخر بلا سباحة، بالوثوب، أو الخوض، أو العبور على جسر: صح الاقتداء. وإن كان يحتاج إلى سباحة، أو كان بينهما شارع مطروق: لم يضر على الصحيح] اهـ.
ولنا: أن المعنى المجوز أو المانع قد استويا فيه، فوجب استواؤهما في الحكم، ولا بد لمن لا يشاهد أن يسمع التكبير، ليمكنه الاقتداء، فإن لم يسمع: لم يصح ائتمامه به بحال، لأنه لا يمكنه الاقتداء به] اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (6/ 300، ط. مكتبة الغرباء الأثرية): [وقد استدل أحمد بالمروي عَن أنس رضي الله عنه في هَذا في رواية حرب، ورخص في الصلاة في الدار خارج المسجد، وإن كانَ بينها وبين المسجد طريقٌ، ولم يشترط الإمام أحمد لذلك رؤيةَ الإمام، ولا مَن خلفه، والظاهر: أنه اكتفى بسماعِ التكبير، واشترط طائفةٌ مِن أصحابه الرؤية، واشترط كثيرٌ مِن متقدميهم اتصالَ الصفوف في الطريق] اهـ.
وقد اشترط العلماءُ الحضورَ المكانيَّ لخطبة الجمعة حتى تصح صلاة الجمعة؛ حتى جعلوا الحضور شرطًا دون السماع، وهذا يقتضي أن الاكتفاء بالسماع عن الحضور غير مجزئ في صحة صلاة الجمعة:
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 266): [وأما بيان كيفية هذا الشرط فنقول: لا خلاف في أن الجماعة شرط لانعقاد الجمعة حتى لا تنعقد الجمعة بدونها حتى إن الإمام إذا فرغ من الخطبة ثم نفر الناس عنه إلا واحدا يصلي بهم في الظهر دون الجمعة، وكذا لو نفروا قبل أن يخطب الإمام فخطب الإمام وحده ثم حضروا فصلى بهم الجمعة لا يجوز؛ لأن الجماعة كما هي شرط انعقاد الجمعة حال الشروع في الصلاة فهي شرط حال سماع الخطبة] اهـ.
كما اشترط العلماءُ أيضًا لصحة الاقتداء بالإمام خارج المسجد: اتصالَ الصفوف، حتى لو كان يراه خارجه من غير اتصال لم يجز؛ لأن المسجد هو المكان المعد للاجتماع فيه، بخلاف خارجه؛ فليس معدًّا لذلك أصالةً بل تبعًا:
قال العلامة البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع عن متن الإقناع" (1/ 491، ط. دار الكتب العلمية): [(إذا كان المأموم يرى الإمام أو من وراءه، وكانا في المسجد صحت) صلاة المأموم (ولو لم تتصل الصفوف عرفًا)؛ لأن المسجد بُنِيَ للجماعة، فكل من حصل فيه حصل في محل الجماعة، بخلاف خارج المسجد؛ فإنه ليس معدًّا للاجتماع فيه، فلذلك اشترط الاتصال فيه] اهـ.
وكل هذه النصوص والضوابط الفقهية والأحكام الشرعية تبين بجلاء أنه لا تجزئ صلاة الجمعة خلف المذياع أو التلفاز أو نحوهما، وعلى ذلك جرت فتوى دار الإفتاء المصرية عبر عصورها المختلفة؛ كما في فتوى المفتي الأسبق فضيلة الشيخ علام نصار، في فتوى رقم (626) بتاريخ 10/ 1/ 1951م، والمفتي الأسبق فضيلة الشيخ حسن مأمون، في فتوى رقم (247) بتاريخ 16/ 8/ 1955م، والمفتي الأسبق فضيلة الشيخ محمد خاطر الشيخ، في فتوى رقم (457) بتاريخ 20/ 6/ 1976م، وغيرها.
حكم صلاة الجمعة خلف التلفاز
وبناءً على ذلك: فلا يخفى أن صلاة الجمعة خلف البث المباشر في المذياع أو التلفاز أو غيرهما لا يتحقق فيه معنى الاجتماع الحقيقي الذي من أجله شرعت صلاة الجمعة بإجماع العلماء؛ وهو: اجتماعُ جمعٍ في مكانٍ واحدٍ عرفًا، كما أنه مخالف لما اتفق الفقهاء على اشتراطه في الاقتداء بإمام الجمعة؛ من اتصال الصفوف حقيقةً أو حكمًا، واتحاد المكان حقيقةً أو عرفًا، مع إمكان متابعة المأموم لتنقلات الإمام بسماعٍ أو رؤية، حتى إن العلماء اشترطوا الحضور المكاني لخطبة الجمعة ولو لم يحصل سماع؛ فدل على أن المعتبرَ: الحضورُ لا مجرد السماع؛ فلا يُكتَفَى بالسماع عن الحضور، ويمكن الاكتفاء بالحضور عن السماع، كما أنهم اشترطوا في الصلاة خارج المسجد: اتصال الصفوف حتى لو كان المأموم يرى الإمام، والذي يصلي في البيت خلف المذياع أو التلفاز أو نحوهما: لا يُعَدُّ حاضرًا لها حضورًا حقيقيًّا أو حكميًّا؛ لا في اللغة، ولا في الشرع، ولا في العرف، بل هو منقطعٌ عن المسجد وعن الإمام والمأمومين، ولا اتصال بينه وبين الصفوف بأي وجه من وجوه الاتصال.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.