رئيس التحرير
عصام كامل

موضوعى عن الضرائب


عندما عدت إلى لندن قرب نهاية 1977 للعمل على إصدار جريدة «الشرق الأوسط»، كان الحد الأعلى لضريبة الدخل 80 فى المئة (لا خطأ مطبعى هنا)، وصدرت الجريدة فى 4/7/1978 وفازت مارغريت تاتشر فى انتخابات 1979 فأنزلت الضريبة فوراً إلى 60 فى المئة، ثم إلى 40 فى المئة، وهو ما أدفع الآن.

مدقق الحسابات الإنجليزى الذى يعد أوراق الضرائب التى أدفعها يقول إن الموظف العالى الدخل يدفع للدولة 68 ألف جنيه من كل مئة ألف جنيه يقبضها»، فالأربعون فى المئة هى الضريبة المباشرة، فإذا أضيفت إليها ضريبة المبيعات وهى 20 فى المئة، وضرائب البلدية والدولة وما يقتطع للضمانات الصحية والتقاعد وغيرها نعود إلى مستوى ضريبى من نوع ما فرضت حكومة العمال التى كنت أعتبرها شيوعية لا اشتراكية وحسب.
موضوعى اليوم عن الضرائب حول العالم، بعد أن لفت نظرى مقال فى «واشنطن بوست»، بسبب اسم كاتبته أولجا خازان، قبل عنوانه وهو «أى بلاد تفرض أعلى ضرائب».
الاسم الأول أولجا مستعمل فى لبنان والاسم الثانى ذكرنى بحديث لى مع عضو سابق راحل فى مجلس النواب الأميركى هو إبراهام كازن، فقد قال لى إنه أسقط آل التعريف من اسمه ثم أسقط نصف الحرف الأول لتتحول الخاء إلى كاف يستطيع الأميركيون نطقها». هو خدم 20 سنة فى الكونجرس ورأيته فى لاريدو بولاية تكساس، عام 1968 وأنا فى طريقى إلى المكسيك لحضور الألعاب الأوليمبية.
أعود إلى الضرائب فمقال «واشنطن بوست»، ينقل عن تقرير للبنك الدولى وشركة برايس ووترهاوس كوبرز، والمقال فى صفحة ونصف الصفحة، إلا أنه جعلنى أطلب التقرير الأصلى ووجدته فى 165 صفحة.
قرأت أن الشرق الأوسط حيث بلادى، فيه أقل نسبة ضريبية فى العالم، وأن الإمارات العربية المتحدة تحديداً تفرض أقل ضرائب على «البيزنس». فى المقابل أعلى ضرائب تفرضها دول أفريقية هى بين الأفقر فى العالم.
باختصار، التقرير الكامل يشرح الوضع الضريبى فى 185 دولة، والعشر الأوائل فى انخفاض الضرائب هى: أولاً الإمارات العربية المتحدة، وثانياً قطر، وثالثاً المملكة العربية السعودية، ورابعاً هونغ كونغ (الصين)، وخامساً سنغافورة، وسادساً إيرلندا، وسابعاً البحرين، وثامناً كندا، وتاسعاً كيريباتى، وعاشراً عُمان.
وجدت الكويت فى المرتبة الحادية عشرة، ولبنان فى المرتبة 37 ومصر فى المرتبة 145. وفوجئت بأن بريطانيا مرتبتها 16 وهى جيدة جداً بين 185 دولة، وأن فرنسا مرتبتها 53، ما يفسر لماذا يهرب الفرنسيون من الضرائب فى بلادهم إلى بريطانيا هذه الأيام.
بلاد العرب أوطانى، من المغرب على المحيط الأطلسى إلى دول الخليج، ولكن إذا كان لى أن اختار غير لبنان وطناً بالهوية، فمصر بلدى بالهواية، إلا أننى وقد قرأت موقعها فى قائمة الضرائب أجد أننى أفضّل أن أزورها عشر مرات فى السنة على أن أقيم فى بلد يحتل مركزاً فى الربع الأعلى ضريبياً فى العالم.
كنت أفكر فى ترك انجلترا والعودة إلى لبنان هرباً من الضرائب العالية، إلا أن لبنان مضروب على عينه هذه الأيام. فكان أننى بعد أن راجعت معدلات الضرائب فى بلدان العالم اكتشفت أننى أنتمى إلى دول الخليج العربى قبل غيرها، وتحديداً البحرين حيث بدأت العمل فى الصحافة وأنا أودع المراهقة. أو فى دبى أو الشارقة مثلاً. والانتقال لن يغير شيئاً، ففى لندن ستة أشهر طقسها جميل وستة أشهر برد ومطر، وفى الخليج ستة أشهر طقسها جميل وستة أشهر شمس حارقة وحر. ومن لم يمت بالسيف مات بالشتا... كما قال إمام جلال يوماً.
بقيت ملاحظة جدية، فالدول الغربية الضرائب فيها من مستوى متوسط بين الشرق الأوسط وأفريقيا، والضرائب فى بريطانيا أو الولايات المتحدة مبررة جداً، فالدول هذه تقدم للمواطن خدمات تعليمية وصحية واجتماعية، ورعاية للمسنين، وحماية القانون صغيراً وكبيراً.
فى بلادنا هناك حكومات تملك القدرة على إعطاء المواطن بعض حقوقه وتفعل، وحكومات أخرى تحرم المواطن حقوقه ثم تسرقه بالضرائب.
نقلاً عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية