ناى الوطن مكتوم!!
مع وقوع حادث قطار البدرشين، شعُرت بكم كبير من الحزن والغضب بداخلى، مثل الأغلبية القصوى من مواطنى هذا الوطن الغالى الذى يستحيل أن يركع لأيٍ كان وبالذات لعصابة تُديره ولا تعرف ما يعنيه لمواطنيه، وكأنهم جائوا من بلاد بعيدة ليحتلوا هذا الوطن، ولم ينشأوا فيه!! فبكيت وكتبت تلك الكلمات، لأُعبر عما أستشعره:
ناى الوطن مكتوم
الحزن فيه بيدوم
بحلم بوردُه يزهزه
وشعبه تانى يقوم
لجل الشهيد يحيى
ودموع تجف
تصوم
ومصر تانى تعود
ترجع فى وسط العالم
قمر بين النجوم
كتبت تلك الكلمات بسرعة، وكأنها كانت تنساب من بين ضلوعى المخنوقة، ينطق بها قلبى ويحفظها وجدانى، وتُملى على قلمى، فيكتُبها من منطلق ألمى، وما أحلُم به لبلادى وأعزائها من المواطنين جميعاً، دونما أدنى تمييز بينهم أمام القانون. كتبتها وأنا أرى أمامى فى خيالى وفى عُمق الوطن حقيقة أُمهات ثكلى تبكى أبنائها من جنود بلدى الذين ذهبوا ليؤدوا واجبهم الوطنى، فعادوا أشلاءً وجُثثاً نتيجة إهمال يستمر بشكلٍ غير مسبوق عبر تاريخ مصر، لأن الرئيس "الكاذب" وجماعته الضالة عن الحق يهتمون بمصالحهم الخاصة للسيطرة على السلطة بديلاً عن الاهتمام بمصالح الوطن!!
لقد استُشهد فى البدرشين، بل فى التحرير وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وبورسعيد وسيناء الحبيبة وغيرها من المواقع– أقول: لقد استشهدت ليس فقط أرواح صعدت إلى بارئها ولكن ماتت معها أحلام ومشاريع إنسانية، لكلٍ ممن استشهد غدراً نتيجة إما قاتل يتخفى فى الظلام (كان يُسمى طرفاً ثالثاً، وكنت دوماً أقول إنه نفسه من فتح السجون وأحرق الأقسام وقتل الثوار)، أو إهمال مسئولين يعلقون أخطائهم على شماعات الماضى، بينما يمثلون علينا إنجازات وهى أصلاً من الماضى أيضاً، حينما يفتتحون مشاريع يعود الفضل فيها أساساً إلى عصر مبارك!! فهل يكون الماضى مسئولاً عن فشل النظام وإنجازاته فى الوقت نفسه؟!! أفلا يعقلون بأن كم أكاذيبهم تُبرز بلاهتهم بشكل يجعلهم أكثر إثارة من "بهلوانات السيرك"، لمُتابعى برامج وأفلام "كوميديا الأغبياء"، حتى تحولوا إلى وصمة عار فى جبيننا؟!
لقد ساد الحُزن ربوع مصر وأضحى الفرح نادراً أو مُصطنعاً، ولا أظن من يستمر فى التبرير لهذا النظام والدفاع عنه إلا مُنتفعاً أو منتمياً للإخوان. ولقد تذكرت مشهداً من رواية تحولت إلى فيلم سينمائى حول معركة مصيرية فى الحرب العالمية الثانية بمدينة "ستالينجراد" (تُسمى الآن فولجوجراد)، بروسيا، ما بين ألمانيا وحلفائها من ناحية والاتحاد السوفيتى من ناحية أخرى. فلقد كانت المعركة شديدة الوطأة على الجنود فيها من الناحيتين، واستمرت مُدة 5 شهور، وكان النصر فيها حليف الاتحاد السوفيتى وكانت نقطة فارقة فى سبيل إنهاء الحرب العالمية كلها، بهزيمة ألمانيا النازية.
ففى ليلة اتسمت بهُدنة وهدوء نادر الحدوث وقتها، كان الجنود من الطرفين على مقربة شديدة من بعضهما البعض، حيث كُلُ فى مخبأه هانئاً ومُحتفياً بالهدوء الذى يصبح حلماً لمن يرى الكثير من القتلى ويحيا دوى الحروب والفوضى المُستمرة أو سوء الإدارة.
حينها بدأ أحد الجنود الألمان يعزف بآلة "الفلوت" (وهى الآلة الموازية للناى فى الغرب)، فاذا بكل فرقة الجنود معه يستمعون إليه بإنصات شديد، وحتى من كان يحلق ذقنه توقف ونظر إليه وعلى وجهه ارتسمت السكينة وابتسامة باهتة. وفجأة بكى أحد الجنود وانسابت منه دموع الحسرة على حالهم، وتحدث بعدها عن الجمال والفرح المُفتقد فى حياتهم. وفى تلك اللقطة، ظهر أيضاً الجنود الروس وهم ينصتون للعزف الموسيقى بتعبير عن حالة من انتشى بحب تسترجعه ذاكرته، وقد افتقده ومعه الفرحة مُدةً طويلة!! وقد كان مُخرج الفيلم غاية فى الذكاء فى تلك اللقطة، حتى إنه أبرز مودة لحظية بين المُتقاتلين، حيث أمدوا بعضهم بالمأكولات والمشروبات، بينما هم على يقين أنهم سيعودون إلى القتال فيما بينهما بعد ساعات!!
إننا مثل هؤلاء وقتها للأسف: نحتاج إلى عزف الناى ليُذكرنا بأننا نحيا ونتنفس بالأمل فى مصر التى نعرف، بعيداً عن هذا الكم من التبريرات والتأجيلات والدعوى إلى انتظار من أثبت أنه لا أمل فيه!! إننا بحاجة إلى فرحة تستمر ولا تُصبح هى النادرة. إننا فى حاجة إلى أن نضحك من قلوبنا ولا نصطنع، كمن يبحث عن المخلوقات النادرة فى مكان لا حياة فيه أصلاً!!
أعزفوا الناى فى أرجاء الوطن ولننتفض ضد الفشلة كى نستعيد ضحكة مصر المُستحقة،
دقوا الطبول وسنرقص على جثة هذا الحكم الذى أثبت أنه لا يمتلك أية حلول لمشاكلنا!!
أبعثوا الأمل فى القلوب، فمصر قادمة، وهم زائلون!!
والله أكبر والعزة لبلادى
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية