رئيس التحرير
عصام كامل

من أنشاص 1946 إلى الرياض 2023.. قمم عربية لدعم ومناصرة القضية الفلسطينية والنتيجة نكبة ودولة إسرائيلية ومجازر وحشية في غزة

القمة العربية،فيتو
القمة العربية،فيتو

ما أشبه الليلة بالبارحة، 77 عامًا بين أول  وآخر مؤتمر عربي لمناصرة القضية الفلسطينية، ولا شيء تغير سوى تعاظم النفوذ الصهيوني وانكماش الحق الفلسطيني، 15 قمة عربية طارئة عُقدت بين عامي 1946 و2023 لدعم ومناصرة القضية الفلسطينية، تشابهت بياناتها، وتقاطعت مخرجاتها بين الإدانة والاستنكار والمطالبة ودعوة طرف ثالث للتدخل، والنتيجة لا شيء سوى مزيد من القتل والتدمير وإراقة الدماء الفلسطينية.

 قبيل المؤتمر العربي الأول 1946 لم تكن الدولة الإسرائيلية قد التأمت بعد، ولكنها سرعان ما قامت بعدها بعامين فقط. 

في ذكرى وفاته.. عبد الرحمن عزام صاحب فكرة تأسيس الجامعة العربية وأول أمين لها

وفي قمة الرياض 2023 التي عقدت أول أمس انتهت بإبقاء الأمر على ما هو عليه، حيث تواصل الآليات الإسرائيلية دك قطاع غزة بمن فيه من البشر والحجر والشجر. 

 

قمة الرياض، فيتو

وما بين القمتين يحكي بجلاء رواية متعددة الفصول والأجزاء من العجز والهوان العربي ووحشية المجتمع الدولي الذي طالما صدع رؤوسنا بقيم العدالة والحق والمساواة.

بدعوة من الملك فاروق.. "أنشاص" أول قمة عربية لبحث القضية الفلسطينية

قمة أنشاص في استراحة الملك

في الثامن والعشرين من مايو العام 1946..عُقدت أول قمة عربية لمناصرة القضية الفلسطينية في مدينة أنشاص بمحافظة الشرقية بدعوة من الملك فاروق الأول، واستمرت يومين، بمشاركة 7 دول هي: مصر، السعودية، الأردن، اليمن، العراق، لبنان وسوريا، وهذه الدول هي التي أسهمت في التأسيس الأول لجامعة الدول العربية.

جانب من القمة العربية في إنشاص، فيتو 

 

ورغم أن القمة العربية –التي عُقدت في استراحة الملك فاروق- أكدت على ضرورة استقلال فلسطين إلا أن سرعان ما وقعت نكبة 1948 بعدها بعامين، في إشارة أولى ومبكرة تنبيء بأن القمم العربية التي تلتئم لدعم القضية الفلسطينة مجرد تحصيل حاصل، ومخرجاتها وبياناتها مجرد حبر على ورق.

انعقاد أول مؤتمر قمة عربي عام 1946

انتهت القمة العربية الأولى لدعم القضية القضية الفلسطينية بحزمة من القرارات..من بينها: مساعدة الشعوب العربية المستعمرة على نيل استقلالها، وأن قضية فلسطين قلب القضايا القومية، باعتبارها قطرًا لا ينفصل عن باقي الأقطار العربية، والوقوف أمام الصهيونية، باعتبارها خطرًا لا يداهم فلسطين فقط، بل جميع البلاد العربية والإسلامية.

 

جانب من المؤتمر العربي الأول لدعم القضية الفلسطينية في أنشاص، فيتو

 

كما قررت قمة "أنشاص" الدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية وقفًا تامًا، ومنع تسرب الأراضي العربية إلى أيدي الصهاينة، والعمل على تحقيق استقلال فلسطين، واعتبار أي سياسة عدوانية موجهة ضد فلسطين، تأخذ بها الحكومتان الأمريكية والبريطانية، هي سياسة عدوانية تجاه كل دول الجامعة العربية، بالإضافة إلى الدفاع عن كيان فلسطين في حالة الاعتداء عليه، ومساعدة عرب فلسطين بالمال، وبكل الوسائل الممكنة!!

ورغم هذه المخرجات الوردية إلا إن المؤتمرين لم يتمكنوا من إنفاذها ولا تحقيقها لاحقًا على أرض الواقع، حيث سرعان ما قامت الدولة الإسرائيلية 1948 مدعومة  من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وتتحدث الكتب والمصادر التاريخية عن أطراف عربية  تواطأت مبكرًا جدًا مع الكيان الصهيوني!

فلسطين في القلب!

من العبارات الإنشائية اللافتة الصادرة عن هذه القمة أن "فلسطين قُطر عربي لا يمكن أن ينفصل عن الأقطار العربية الأخرى، إذ هو القلب بالنسبة للمجموعة العربية، وأن مصيره مرتبط بمصير دول الجامعة العربية كافة، وأن ما يصيب عرب فلسطين يصيب شعوب الجامعة العربية ذاتها، ولذلك تعتبر قضية فلسطين جزءًا لا يتجزأ من قضايانا القومية الأساسية".. وهو ما لم يحدث بطبيعة الحال، كما لا يحدث الآن حيث يدخل العدوان على غزة يومه الأربعين، مخلفًا آلاف الشهداء والجرحى، فضلًا عن تدمير القطاع فوق رؤوس نحو مليوني نسمة، وسط صمت عربي  مريب.

من أنشاص إلى الرياض..ماذا حدث؟

ومن قمة أنشاص 1948 إلى قمة الرياض 2023، لا شيء تغير سوى أن عدد الحضور من أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي والسمو زاد، وتعاظم بعدما تحررت الدول التي لم تكن تحررت إبان انعقاد القمة الأولى، ولكن دون جدوى ودون تأثير ودون أدنى قدرة على تغيير المشهد البائس في قطاع غزة. كانت الزعامات العربية في القمة الأخيرة تدين وتدعو وتستنكر وتطالب، فيما يواصل القصف الصهيوني إزهاق الأرواح وقتل الأطفال في حضانات المستشفيات دون مبالاة بمن يدين ويدعو ويستنكر ويطالب، وتفاعلت المأساة عندما طلبت حكومة الكيان الصهيوني من المؤتمرين بأن يدينوا المقاومة الفلسطينية!

وفي قراءة سريعة للبيان الرسمي الصادر عن قمة الرياض ومقارنته بمخرجات قمة أنشاص لن تجد صعوبة في إدراك أن المضامين واحدة وإن اختلفت المفردات وتغيرت الصياغات.

بيان الرياض اكتفى بالإدانة والاستنكار  للمجازر الإسرائيلية  المتسارعة في القطاع البائس، ومطالبة ودعوة أطراف أخرى للتدخل لوقفها دون محاولة عربية خالصة للتدخل وإنفاذ المساعدات الإنسانية اللازمة.

البيان الأخير اعتبر التقاعس من جانب الأمم المتحدة لوقف العدوان على غزة تواطؤًا يتيح لإسرائيل الاستمرار في عدوانها الوحشي الذي يقتل الأبرياء، أطفالا وشيوخًا ونساءً، ويحيل غزة خرابًا، دون الإشارة إلى توصيف الخذلان العربي الواضح للعيان، وتتردد أصداؤه على ألسنة الفلسطينيين المقهورين والموت يحيطهم من كل مكان.

ورغم مطالبة البيان بكسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها بشكل كامل، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إلا إن شيئًا واحدًا من كل هذا لم يحدث حتى كتابة هذه السطور، حتى أصبح الماء والغذاء والدواء والأمن مستحيلات أربعة يحرم منها الفلسطينيون. 

إشكالية البند السابع والعشرين

يبقى البند السابع والعشرون في بيان قمة الرياض دليلًا دامغًا على الهوان العربي المستمر منذ مؤتمر أنشاص. البند شدد على أن عدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية على مدار ما يزيد على 75 عامًا، وعدم التصدي لجرائم الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي وسياساته الممنهجة لتقويض حل الدولتين من خلال بناء وتوسيع المستوطنات الاستعمارية، فضلًا عن دعم بعض الأطراف غير المشروط للاحتلال الإسرائيلي وحمايته من المساءلة، ورفض الاستماع إلى التحذيرات المتواصلة من خطورة تجاهل هذه الجرائم وأثارها الخطيرة على مستقبل الأمن والسلم الدوليين، هو الذي أدى إلى تدهور الوضع بصورة خطيرة!!

15 قمة عربية طارئة

ومن هذا البند يمكن العودة إلى الوراء، ليس إلى قمة أنشاص فحسب، بل إلى جميع القمم العربية العادية والطارئة منذ إنشاء جامعة الدول العربية في العام 1945، حيث عُقدت 62 قمة عربية، من بينها 15 قمة طارئة، أولاها كانت قمة أنشاص وآخرها قمة الرياض، وجميعها ظواهر كلامية لا تغير واقعًا قديمًا ولا تخلق واقعًا جديدًا، رغم البون الشاسع بين العرب في أول قمة، وبين العرب في القمة الأخيرة.

ورغم أن القضية الفلسطينية كانت المحرك الرئيسي لغالبية القمم العربية الطارئة، وبندًا ثابتًا على أجندة جميع القمم العربية، سواء طارئة أو عادية، باعتبارها "قضية العرب الأولى"، حيث ظلت القضية الفلسطينية الهاجس الأكبر للقادة العرب ومحور أعمال القمم العربية المتعاقبة، من "أنشاص" إلى "الرياض" إلا أن الأوضاع الفلسطينية تزداد تأزمًا، والقضية تزداد تعقيدًا، والعرب يزدادون ضعفًا.

ففيما أكدت قمة أنشاص 1946 على عروبة فلسطين، فإن قمة القاهرة 1970 دعت إلى وقف الاشتباكات الفلسطينية الأردنية، كما دعت قمة فاس 1982 إلى إقرار مشروع عربي للسلام وقيام الدولة الفلسطينية، وكذلك دعت قمة الدار البيضاء 1985 إلى دعم القضية الفلسطينية، وهو نفس العنوان الذي انتهت إليه قمة الجزائر 1988، فيما ناشدت قمة المغرب 1989 العالم إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبعدها بعام واحد دعت قمة بغداد  إلى دعم الانتفاضة الفلسطينية، أما قمة القاهرة 1996 فقد دعت إلى التمسك بالسلام العادل والشامل في فلسطين، كما دعت قمة القاهرة 2000 إلى الحفاظ على هوية القدس، قبل أن تؤول الأمر إلى قمة الرياض 2023 التي بحثت الأوضاع في قطاع غزة.

ورغم كل هذه القمم وغيرها من القمم العادية فإن المأساة لا تزال مستمرة، والدماء لا تزال تنزف، والأرواح لا تزال تُزهق، وتنفق حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو مدعومة من حلفائها 260 مليون دولار يوميًا على تدمير قطاع غزة؛ وهدفها الأسمى والإستراتيجي هو تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد!!

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية