ماذا وراء "شروط" صندوق النقد الدولى؟
أثارت تلك التصريحات التى أدلى بها وزير التخطيط، حول شروط الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى، والتى كان يتوقع أن تكون شروطا تتعلق بالصندوق ذاته، أو كما سبق وأن أذيع من قبل؛ أنها شروط تتعلق بتخفيض أو حتى رفع الدعم عن العديد من السلع والخدمات المدعومة، والتى وقتها، قال البعض إنها لابد وأن تؤدى إلى إثارة المزيد من الغضب وعدم الاستقرار السياسى.. لأنها تتعلق بالسلع المدعومة مثل رغيف الخبز.
وإن هذه السلع المدعومة كما هو معلوم، يستهلكها أو يستفيد منها حوالى 80% من شعب مصر، وأن قطاع هذه السلع على درجة كبيرة من الحساسية، وكان من المتوقع أن تتضمن هذه الشروط أيضاً، وكما هو معتاد، لكى يضمن الصندوق قدرة الاقتصاد المصرى على سداد الدين وأعبائه، أن يتم رفع الضرائب التصاعدية، وكما كان عليه الحال فى موازنة 2011-2012 ، حيث تم رفع ضرائب الأرباح بمقدار 10% والضرائب على الدخل 5%، وقد توقع البعض وقتها، أن ذاك سوف يؤدى إلى هروب العديد من المستثمرين وتراجع الاستثمارات على المستوى المحلى والمستوى الخارجى.. ورأينا أنه فى موازنة 2011-2012 قد كانت الموارد المتوقعة من السياحة وقطاع الاستثمار؛ ( التدفقات النقدية الخارجية )، تكاد تكون لا شىء، ومازال الأمر على ما هو عليه الآن، فى ظل هذه الموازنة الجديدة.
وهناك مسائل خلافية كبيرة، حول خوض صندوق النقد الدولى ما بين الحكومة والصندوق، نظراً لما سوف تمثله من أعباء وتحديات، لابد وأن تزيد من سوء الوضع السياسى، كما أن قرض الصندوق البالغ 3.8 مليار سوف لا يتجه إلى شراء السلع الرأسمالية، أى الاستثمارات فى مجال المشروعات التنموية، التى من شأنها خلق المزيد من فرص العمل على اعتبار أن ذلك أحد التحديات التى تواجه الحكومة، وتزيد فى ذات الوقت من القوة الشرائية، أى رفع الأجور ( الحد الأدنى )، والتى قدرت بحوالى 700 جنيه، ولكن ما أعلنه وزير التخطيط على خلاف ذلك تماماً، فهو قد أعلن أن شروط الصندوق أو الاقتراض من عدة جهات أخرى مثل البنك الإفريقى والبنك الدولى والاتحاد الأوربى، وأيضاً الولايات المتحدة، ويعنى ذلك إذا لم نتمكن من الاقتراض من هذه الجهات الائتمانية، فإن الصندوق لن يتم القرض، وأن قيمة المبالغ المقترضة قد تصل إلى 8 مليار دولار أو أنه يعلم أن هذه الجهات لابد وأن يكون لها شروط أخرى قد لا تتفق عليها الحكومة المصرية، ومن ثم فهو يمكن أن يتنصل من ذلك القرض بطريقة مهذبة، وذلك بطرحه شروطا مختلفة هذه المرة، لكى لا يتهرب من الشروط التى سبق وأن طرحها وهو يعلم عدم موافقة الحكومة عليها، ذلك هو احتمال.. وهو الاحتمال الأقوى.. ولكن هناك احتمال آخر، وهو أن الصندوق يعلم أن القرض الخاص به إذا ما تم الاقتراض منه مباشرة سوف يتم توجيهه لسداد العجز فى الموازنة ولسداد الاحتياجات الآتية لشعب مصر؛ المتمثلة فى.. سد الفجوة فى السلع الاستهلاكية، وذلك للحد من ارتفاع أسعارها ولمحاولة إيقاف النزيف فى الاحتياطى النقدى على المستوى الذى وصل إليه وهو 16 أو 17 مليار دولار، ومن ثم فهو لا يستطيع أن يضمن سداد القرض وأعبائه، وقد أراد أن يشارك جهات أخرى عديدة فى الإقراض حتى يتم تحميلها عبء المغامرة معه، ومن ثم يقلل من المخاطر الائتمانية للقرض.
وهناك احتمال ثالث.. وهو قد يكون له مرجعية سياسية واقتصادية أيضاً، وهو أنه يريد أن يشرك العديد من الدول لكى لا يسمح بالمزيد من التدخل لها فى شئون مصر، وهذه الدول بالتأكيد تدور فى فلك السياسات والأجندات التى يقوم الصندوق على تنفيذها لصالح القوى العالمية التى تريد أن تعيد صياغة خريطة المنطقة وقيادة وتوجيه ثورات الربيع العربى، الوجهة التى تريدها والتى لا تتعارض مع مصالحها السياسية فى المنطقة أو من منطلق الاتفاق بينهما فى تقسيم التركة، وأن يكون لكل منها جزء من هذه الاستثمارات التى تملكها من التحكم فى اقتصاد مصر، وأيضاً إبعاد شبح الاستثمارات العربية ذات الخلفية الإسلامية التى بدأت تدخل وبقوة، وبدأت الدعوات لها من مصر عن طريق الدعاة والحكومة الحالية، بما لها من توجه، وما يحمله ذلك أيضاً من مخاوف لدى الكثيرين.
ذلك هو صندوق النقد الدولى الذى هو أحد أدوات القوى الكبرى فى إدارة النظام الدولى وسياساته تحت ذلك الغطاء النقدى والاقتصادى، وذلك هو دوره بعد مشروع مارشال فى (1948)، ونظام "بروتون وود" فهل آن لنا أن ندرك ونتيقن من ذلك.. قبل فوات الأوان؟!!!.