الديوكسينات تصيب العراقيين بالسرطان والعقم.. مخلفات المستشفيات والزئبق تقتل الحياة في الأنهار.. والحكومة تواجه التلوث بـ«دجلة الخير»
سرطانات، وأورام خبيثة وعاهات مستديمة وتشوهات خلقية، لم ينجُ منها العراقيون، بسبب التلوث بالديوكسينات بنسبة تزيد على 90 في المئة، حيث صنفتها الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بأنها مادة مسرطنة وتؤثر في الجهازين العصبي والتناسلي، بل وتسبب العقم وتؤثر في الحمض النووي (DNA).
وتنتمي الديوكسينات إلى "المجموعة القذرة" أي مجموعة المواد الكيماوية الخطرة التي تعرف بالملوثات العضوية الثابتة، التي تثير القلق لقدرتها العالية على إحداث التسمم، وتملك كثير من البلدان برامج لرصد الإمدادات الغذائية.
من جانبها، تقول العالمة العراقية المتخصصة في التلوث البيئي، إقبال لطيف جابر، إن ارتفاع مواد الـ TDS المتكونة من مواد عضوية وغير عضوية فاقت الحد المسموح من سبع إلى ثمان مرات في العراق، علاوة على ارتفاع النترات والمعادن الثقيلة في المياه.
ارتفاع في تركيز مادة الزئبق
وأوضحت جابر: "في حوض الثرثار وجدنا ارتفاعًا في تركيز مادة الزئبق الموجودة في الأسماك التي تتسبب في إصابتها بالسرطان وعثر أيضًا على أسماك مصابة في مزارع الزعفرانية بسبب مخلفات مستشفيات العزل قرب جسر ديالى الملقاة في مياه النهر دون معالجة".
وأكدت نهري دجلة والفرات يشهدان تلوثًا عاليًا أيضًا بالمواد التي تتسبب بالفشل الكلوي والإعاقة الذهنية، حيث تتركز على حافتي النهرين قواقع فيها مواد الديوكسينات بدرجة عالية وتسببت المواد التي ألقيت في المعارك التي شهدتها المنطقة كالقنابل العنقودية والنيوترونية بتلوث سيبقى أثره في البيئة على المدى البعيد.
اقرأ أيضا: قانون تنمية البحيرات، أسماك وأحياء مائية ممنوع صيدها
وقالت العالمة المتخصصة في التلوث البيئي أيضًا: إن الديوكسينات من المواد المحظورة دوليًا لزيادة نسبة الكلور فيها وسميتها العالية (صادق العراق على منع استخدامها عام 1997)، موضحة أنها تتوفر في المبيدات التي دخلت البلاد بعد عام 2003، وتكمن خطورتها في أنها مادة غير قابلة للذوبان في الماء ويتعذر على بكتريا التربة تحليلها.
الدورة البيولوجية للتربة
وتتمثل خطورة الديوكسينات باستمرار في بقائها ضمن الدورة البيولوجية للتربة لفترات طويلة.. وهنا ذكرت إقبال جابر أن المصادر الرئيسة لتلك المادة تتمثل في البلاستيك والمواد الكلورية (الكلوروفينول) والمواد الصناعية والزيوت، وتتولد نتيجة إحراق النفايات في المحارق بدرجة حرارة دون المعدل القياسي ما يؤدي إلى ترسب كميات من الديوكسينات على التربة أو النباتات التي سيتغذى عليها الحيوان ومن ثم تدخل ضمن السلسلة الغذائية.
وتضيف العالمة العراقية المتخصصة في التلوث البيئي، إقبال لطيف جابر، في شرحها: "تتجمع هذه المادة في الأنسجة الدهنية للحيوانات، وتكثر في الأسماك نتيجة إلقاء كميات كبيرة من الزيوت الصناعية والمبيدات في المياه، وسبق أن أشارت بعض الدراسات إلى وجود هذه المادة في الأسماك والألبان واللحوم بنسب عالية".
سنوات مرت على الحرب العراقية، لكن آثارها لا تزال ممتدة لسنوات، نتيجة لإحراق القوات الأمريكية المواد الكيماوية والمعادن الثقيلة السامة كالزرنيخ والرصاص والكروم والنيكل والكوبالت في الهواء الطلق بمناطق تمركز قواعدها في المحافظات العراقية.
وأضافت: "الأنسجة البشرية والمواد الطبية التي أحرقت أيضًا نتج منها دخان كثيف وثقيل تسبب بأضرار في التنفس للعراقيين من سكان تلك المناطق، وانتشرت بينهم أمراض كالربو القصبي المزمن وسرطان الجهاز الهضمي والعقم والإعاقات الذهنية والخلقية".
مدافن النفايات غير الصحية
ولعبت مدافن نفايات في جميع المحافظات العراقية (غير صحية أو نظامية) دورًا رئيسًا في ارتفاع نسبة التلوث بدليل ازدياد نسبة الصرع العنيد والربو القصبي والعقم والأمراض الجلدية كسرطان الجلد والصدفية بنسب عالية، بخاصة في البصرة والناصرية وصلاح الدين، بحسب العالمة العراقية، التي طالبت بوضع المحارق تحت السيطرة وبمراقبة دورية من وزارة البيئة.
من جانبه، قال مسؤول في وزارة البيئة العراقية عن مصادر الديوكسينات: "هناك مصادر عدة، لكنها ليست نتاج رمي مخلفات صحية أو إتلافها، بل ناتجة من الانبعاثات غير المقصودة للملوثات العضوية الثابتة وهي مسرطنة بالتأكيد، وهذا الغاز لا يتفكك إلا بدرجات أعلى من (1000 - 1200) درجة مئوية، وهذا شرط رئيس لإحراق النفايات".
ولا تتوقف مشكلة التلوث على الهواء تحديدًا، وفق المتحدث نفسه، فالديوكسينات خطرة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتعرضون لها بشكل يومي بسبب قرب حياتهم اليومية من مصادر انبعاث الغازات المذكورة، أو نتيجة احتراق النفايات أو الغازات في مولدات الديزل مثلًا.
اتفاقية ستوكهولم
من جانب آخر، اعتبرت المهندسة الكيماوية (س. ج)، وهي مسؤولة تقييم المواقع الملوثة كيماويًا، أن الديوكسينات تطلق كناتج عرضي لطائفة واسعة من العمليات الصناعية وإنتاج بعض مبيدات الأعشاب، إذ تمثل أجهزة حرق النفايات غير المراقبة (الصلبة ونفايات المستشفيات)، في غالب الأحيان أكبر مسببات ذلك، عدم اكتمال عمليات الحرق فيها، ففي النهاية يجب تجنب انبعاث الديوكسينات وهي نوع من الملوثات العضوية الثابتة الخاضعة لاتفاقية ستوكهولم.
وقالت: "نسعى منذ سنوات عدة للسيطرة على مصادر تلك المواد من خلال تعاون دولي مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والبنك الدولي، إذ بدأ العراق أول خطوة في المشروع قبل سنتين، وجردت مصادر وجود وإطلاق الملوثات العضوية الثابتة في البلاد من الديوكسينات".
ورغم قائمة التحذيرات والاعترافات بما يحدث على أرض العراق من إهمال، إلا أن المهندسة الكيماوية ترددت في ذكر الوزارتين المعنيتين بالتسبب بالتلوث، قبل أن تكتفي بقولها "بالتعاون الحثيث معهما تمت عملية الجرد والحصر للكميات الموجودة لديهما".
المحيطات تبتلع حمولة 2000 شاحنة من البلاستيك يوميا
وفي الواقع، ينتقل العراق حاليًا إلى المرحلة الثانية لمشروع السيطرة على تلك المواد، التي ستنطلق في بداية 2024، وتتضمن وضع خطط التخلص والمعالجة للمواقع الملوثة صراحة مع عدم وجود إمكانية لدعم أي مشروع يخلف تلك الملوثات من قبل الدولة، ومع التزام وزارة البيئة دورها الرقابي، وعدم وجود إمكانية لدى بقية الجهات الملوثة".
وضع الأنهار
وعادت مسؤولة تقييم المواقع الملوثة كيماويًا لتؤكد أن خريطة التلوث واسعة جدًا بالنسبة إلى التربة، معلقة بقولها "أعتقد أن أهمها مواقع التصنيع العسكري السابقة، إضافة إلى مواقع استخراج النفط والانسكابات النفطية والأطيان المرافقة لهذا الاستخراج التي تحتوي على كثير من المواد الكيماوية الخطرة".
و"لكن لا يمكن أن ننكر حقيقة رمي المخلفات الصحية السائلة في الأنهار، وفي جميع المحافظات عدا كربلاء وإقليم كردستان لعدم توفر المعلومات، وهذا ما أكد عليه (ج. م) المهندس في مديرية بيئة محافظة كربلاء.
ومع كل التقارير السابقة فإن هذه هي الطريقة الوحيدة تقريبًا للتخلص من المخلفات السائلة للمستشفيات دون وحدات معالجة فعالة، التي توضح عدم استجابة وزارة الصحة لتحذيرات "البيئة" وخطواتها القانونية الظاهرة الأكثر جدلية في هذا الموضوع، وهذا لا يشمل نهر دجلة وحده، بل جميع الأنهار الصغيرة والكبيرة في العراق، ويشمل أحيانًا أصغر المصادر المائية المتوفرة.
هذه الحالة بالتأكيد مخالفة صريحة للقانون العراقي الذي يشترط عدم التجاوز على المصادر المائية، في الوقت الذي يعلن تناقضًا صريحًا لفعل مؤسسات الدولة في هذا الموقف.
نسبة تلوث المياه في الأنهار
وعن نسبة تلوث المياه، قال المهندس (ج. م): "كي أكون صريحًا لا يمكنني الإجابة ببساطة عن نسبة التلوث في الأنهار، وهو من وجهة نظري يمثل بحوثًا وكتبًا وربما ساعات طويلة من الحديث، لأننا ببساطة لا نمتلك مؤشرًا موحدًا لنوعية المياه الخام، نتيجة الإهمال المتواصل منذ السنوات السابقة من الناحية العلمية والتعليمية، ونتيجة طبيعية للسياسة المتبعة في البلد".
وقال: "لكن يمكنني القول إن المصادر المائية في البلد تشهد تلوثًا كبيرًا يصعب معه للنظام المائي التخلص منه بسهولة الآن، والتخوف من أنه بمرور الزمن سيتحول مصدر الحياة إلى مصدر لتصدير الأمراض الانتقالية والمستعصية في حال استمر الوضع على ما هو عليه في المستقبل القريب".
وأضاف أن خدمة مياه الشرب خرجت بشكل جزئي عن حقيقة كونها خدمة للاستهلاك البشري، ويندر أن يشرب أي مواطن من مياه الحنفية، عدا المعوزين، و"أقصد بهم الفئة الهشة في المجتمع التي تعاني كل ما تقدم من أمراض مذكورة قبل الفئات الأخرى بسبب التلوث".
وشدد "تحاول الحكومة الحالية من خلال ممثليها في مؤتمر الأطراف للاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، أن تنضم وتندمج مع المجتمع الدولي للاستفادة القصوى من هذه الاتفاقية للضغط على دول الجوار المائي والحصول منهم على كميات أكبر من المياه العذبة، في حين أن إجراءاتها في الداخل خجولة جدًا في ما يتعلق بالحفاظ عليها، وكذلك في ما يتعلق بالمواسم المطرية وبرامج حصاد المياه، وهناك خطر حقيقي مقبل يتمثل في الاستهلاك العشوائي وغير المدروس للمياه الجوفية في جميع المحافظات حتى في إقليم كردستان، مما يعني أخطارًا مستقبلية للأجيال المقبلة التي ستواجه عطشًا محتومًا كما يبدو".
مستشفى مدينة الطب
يرى مصدر مسؤول في مستشفى مدينة الطب، أحد أهم وأقدم مستشفيات بغداد، إن "هناك مجرى للفضلات يخرج من دائرة المستشفى الواقع مقابل الشرطة النهرية ومستشفى حماية الأطفال ليلقي مخلفاته في النهر مباشرة من دون أي معالجة، وسبق أن أجرت دائرة المستشفى اتصالاتها بدائرة البلدية، ولكن من دون جدوى ومنذ أكثر من 20 سنة وأنا أعمل هنا والحال نفسها".
وقال، "يمكن رؤية الأنبوب الجاري بالفضلات الخارجة من المستشفى من أعلى جسر (باب المعظم)، وهي ملوثة والمياه ضحلة وهذا مستشفى واحد فما بالك إذا كانت الحال نفسها مع بقية المشافي؟"
وأوضح المستشار في مكتب رئيس الوزراء العراقي، عمر العلوي: "من خلال مشروع (دجلة الخير) الذي نقتطع فيه جزءًا من نهر دجلة الداخل إلى بغداد للعمل على تطوير ضفافه وشطآنه ضمن معايير جديدة نأخذ بالاعتبار القيمة التراثية للمدينة".
واختتم حديثه بالقول: "خلال عملنا اكتشفنا في تصريف المياه في نهر ديالي ما يعني أن الحياة في المياه النهرية صفر، أي إنها معدومة بسبب المخلفات التي ترمى في النهر بنسبة 600 ألف م2 يوميًا، عبر تصريف المجاري إلى النهر وتستهلك هذه النفايات الأوكسجين في الماء بمعنى، انعدام الحياة في هذا النهر".
ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.