رئيس التحرير
عصام كامل

الروائي الشاب رامي رأفت بعد جائزة كتارا: الكتابة لا يتعايش منها إلا فئة محظوظة من الأدباء.. والشللية موجودة بالوسط الثقافي.. ولكن (حوار)

الروائى الشاب رامي
الروائى الشاب رامي رأفت،فيتو

>> روايتي الفائزة تتحدث عبودية الجسد والروح في هذا العصر

>> العمل الجيد يثبت نفسه في النهاية طالما يتمتع صاحبه بالعزيمة والإصرار اللازمين.

>> لا يشغل بال الكثيرين في منطقتنا العربية دعم وصول الرواية العربية للعالمية

>> فوزي بكتارا سيشجعني للعودة إلى الكتابة الأدبية من جديد

>> الترجمة وسيلة للوصول إلى العالمية بشرط النزاهة في اختيار العناوين

 >>الجوائز اعتراف مادى ومعنوى بالمنتج الأدبي والنشر الآن أصبح للجميع 

>> نحتاج إلى دعم حكومى لترجمة الأدب والفكر المصري حتى تصل أصواتنا للغرب 


منذ نحو أسبوعين فاز الروائي الشاب رامى رأفت بجائزة كتارا فى دورتها التاسعة 2023 - فئة الرواية غير المنشورة - عن روايته "كومالا ابن النار.. ورحلته فى ممالك الجبارين".. وكشف رامى رأفت خلال حواره لـ "فيتو" عن فكرة الرواية الفائزة والتى تتناول قضية العبودية ولكن بمفهومها المعاصر مؤكدا على ضرورة زيادة الدعم الحكومى لترجمة الأدب والفكر المصرى لأنه أحد أشكال القوى الناعمة. 

مشيرا إلى أن الكتابة لايتعيش منها إلا فئة محظوظة من الأدباء.. وأن الشللية موجودة في كل الأوساط وليس الثقافي فقط لكن لا يجب أن نعلق عليها إخفاقاتنا... وإلى نص الحوار:
 

 

*بداية.. حدثنا عن شعورك وقت استلام جائزة كتارا.

كنت سعيد جدًا، شعرت بالفخر بالتصدر المصري، وبكرم الله عليّ. خصوصُا وأنه سبق التكريم مباشرة لقائي ببعض أعضاء لجنة التحكيم، فوجدت ثنائهم على روايتي عظيمًا. كانت فرحتي لما سمعته منهم كبيرة جدًا.

 

*فازت روايتك "كومَالَا ابْنُ النَّارِ.. وَرِحْلَتُهُ فِي مَمَالِكِ الجبَّارِين ".. حدثنا عن فكرة العمل.

تتحدث روايتي عن العبودية، لست بصدد الحديث عن عبودية الجسد هنا، لكن عبودية الروح أيضًا، ليست عبودية القرون الأولى، لكن عبودية عصرنا هذا. 
تحكي الرواية قصة عبد يكافح لنيل حريته، وكلما بلغ مرحلة ما في حياته شعر معها أنه نال مبتغاه فيكتشف أنه لم يفعل، وفي معرض رحلته التحررية الطويلة هذه تتشابك الأحداث وتتقاطع المصائر بشخصيات عديدة، حيث نمضي في القصص، والأحداث، والأماكن المثيرة، لنطالع شخصيات كأونانا المنبوذ، وإدريس الذي نزع مسرور من أرضه واستنبته في أخرى، وراهب الإخصاء الجالس فوق كرسيه الواطئ على البوابة الجنوبية للدنيا، وعبد الجبار الكاشف وزوجته الوادعة وأبنائهما الظلمة، وشيخ الجبل الذي صار رجلًا صالحًا صاحب مقام ومريدين، وسليم الحر، وعلي الثائر، وبدرية العايقة، وسيد الدكش، ومرجان قشر البياض، ودنقل و«سيسمه» الهائج، وبخيت الذي قال كل الكلام قبل أن يصمت، ومسعدة التي ماتت مرتين، مرة على دينها ومرة على دين سادتها، وفاطمة الناعسة، وبِشر خيال المآتة، وريحانة التي قصف عودها، ومرسال الشجاع، وراضية ومنصور.
نطالعهم جميعًا في أماكن كالجامع الذي بلا مئذنة، وطاحونة أبانوب، والترعة التي تفصل بين شاطئين، شاطئ يسكنه المسلمون، وشاطئ يسكنه المسيحيون. كثيرة هي القصص والحكاوي، التي سنجد فيها كثير من أوجه التشابه بحياتنا، فالرواية وإن كانت خيالية، لابد وأن تمس مشاكل الواقع وتعالجه.

*من وجهة نظرك أيهما يمثل نجاحا أكبر للكاتب الحصول على جوائز أم ترجمة أعماله إلى لغات أخرى؟

كلا الأمرين مهم، الجوائز الكبرى كجائزة كتارا تمثل نقطة انطلاق جديدة في مسيرة الكاتب، محطة لشحذ هممه، وبارقة أمل في غدٍ أفضل له، ومسار لعودته إلى الكتابة الأدبية الإبداعية من جديد. لا يُخفى عليكم حقيقة أن الكتابة لا يتعيش منها إلا فئة قليلة محظوظة من الأدباء. 

في الجوائز اعتراف مادي ومعنوي يقره النقاد والدارسون والأكاديميون بالمنتج الأدبي، ما يشجع صاحبه ويدفعه نحو المزيد من الإبداع.
الترجمة وسيلة للوصول إلى العالمية، بشرط أن تكون احترافية، وهو أمر شديد الندرة مع الأسف، لابد وأن تدعم حكوماتنا العربية ومؤسساتنا الثقافية الكبرى هذا النوع من الترجمات الاحترافية، فالترجمة ليست فعلًا ذاتيًا إنما مؤسساتيًا. يؤسفني إنه لا يشغل بال الكثيرين في منطقتنا العربية أهمية دعم وصول الرواية العربية للعالمية، رغم ما تمثله من قوة ناعمة، ستعود بالنفع علينا وعلى سياساتنا واقتصادياتنا وعلى مروياتنا التي يجاهد ساساتنا لإيصالها في منابر الأمم المتحدة.
مثل ذلك لن يتأتى إلا بدعم مشروعات الترجمة الجادة، والتعاقد مع دور النشر الأجنبية وجهات التوزيع والتسويق الغربية، فالرواية العربية تستحق هذه المكانة، وأدبائنا يستحقونها، وهم يدركون خطورة دورهم وأهميته.

*يرى البعض أن الوضع الثقافي المصرى يعيش أزمة حقيقية فى التواصل مع الآخر والتعريف بنفسه دوليا وإقليميا.. كيف ترى ذلك ؟

هم غير مشغولون بالأمر من أساسه. لابد من توجه حكومي قوي لدعم ترجمة الأعمال الأدبية والفكرية العربية، بشرط توافر النزاهة في اختيار العناوين، عبر لجنة أمينة لا يُملى عليها اختيارات بعينها، فضلًا عن المترجم الأديب، فالأدب لابد وأن يكتبه أديب، على المترجم هنا أن يكون بمنزلة الأديب في لغته، وأخيرًا توافر المسوق والموزع الأجنبي الأدرى بالسوق الأجنبي وبنيته واحتياجاته. لو قدر لنا أن نؤسس لأنفسنا مشروعًا ثقافيًا قوميًا كهذا المشروع، فإننا سنغزوهم ثقافيًا في ظرف سنوات، وسنكتسب أرضية جديدة، ومروية جديدة، وصوت قوي ينقل للغرب رؤانا ووجهات نظرنا وحتى قصصنا الإنسانية وحواراتنا في بيوتنا ومقاهينا، ما سيسهم في تقبلهم للثقافة العربية ولأبنائها بوصفهم بشرًا لا يقلون عنهم في الأهمية، ولا يختلفون عنهم كثيرًا في أحلامهم وأمانيهم.

*البعض يرى أن النشر والظهور الأدبي في الوسط الثقافي مازال يحكمه ظاهرة الشللية والمركزية.. كيف ترى ذلك؟

الشللية موجودة في كل مكان بالدنيا، لكن لا يجب أن نعلق عليها إخفاقاتنا، فالعمل الجيد سيثبت نفسه في النهاية، طالما يتمتع صاحبه بالعزيمة والإصرار اللازمين.

*وهل يؤثر ذلك على فرص المواهب الشابة فى الظهور ؟ وكيف تعالج تلك الظاهرة ؟

لا أعتقد، فالنشر متاح للجميع الآن، وهو أسهل بكثير مما كان قبل ذلك بسنوات، حتى أننا بتنا نشكو الآن من كثرة وجود أعمال لا تستحق لكتاب لم تنضج قدراتهم وملكاتهم الأدبية بعد.

*كيف ترى ما يحدث فى غزة الآن ؟ وهل سيكون ملهما للتدوين روائيا ؟ 

القضية الفلسطينية حاضرة بقوة بين كثير من أبناء جيلي. كان الجمود هو سيد الموقف، الفلسطينيون والإسرائيليون لم يجلسوا على مائدة المفاوضات منذ زمن بعيد، ثم إنه ومع تصاعد نجم اليمين المتطرف في العالم كله، وصلت في إسرائيل حكومات متطرفة أمعنت في بناء مستوطنات فتتت بها الضفة الغربية واستهلكتها رغم اعتراضات حلفائها الغربيين. 
العرب نفذت جعبتهم من حلول بعد مبادرة الأرض مقابل السلام التي لم يلقى بها الإسرائيليون بالًا. رحل أوباما وجاء بعده ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ورحل ترامب وجاء بايدن ليصل بالعلاقات بينه وبين إسرائيل إلى مستوى تاريخي لم تبلغه الولايات المتحدة الأمريكية من قبل، إلى درجة التنسيق العسكري المباشر، والاستعداد لخوض المعارك بشكل مباشر إلى جانب إسرائيل، في خطوات استفزازية عادوا بها الشعوب العربية والإسلامية.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية من قبل تحافظ على شعرة معاوية بينها وبين العرب، فتضغط على إسرائيل متى دعتها الحاجة لذلك، وهو ما يختلف مع الحاصل الآن، فالولايات المتحدة لا تقوم بدورها. انسداد الأفق هذا يعجل بمواجهة شاملة. 

في هذه الأثناء أحس بعض أخواتنا إن القضية الفلسطينية ماتت بالفعل فلجأوا إلى تطبيع مجاني يستخلصون عبره فوائد بسيطة، ونسيت فلسطين حتى نشبت الأحداث الأخيرة.

وعملية طوفان الأقصى أحرجت إسرائيل وصدمتها، فتحولت صدمتها وإحساسها بالعار إلى غضب وحشي ينزل بأهل غزة صنوفًا من العذاب. غير أن الحرب ستنتهي عاجلًا أو آجلًا كما انتهت كثير من حروب إسرائيل على القطاع، فيما ستبقى القضية الفلسطينية.

ما لم تحل القضية الفلسطينية فالقادم سيكون أسوأ على إسرائيل، والدليل هو مقارنة بسيطة بين وضع حماس في القطاع سنة 2008 وبين وضعها الآن. لاشك إن حماس الآن أقوى بكثير مما كانت عليه. صحيح هي ليست بذات قوة القتل والتنكيل التي لدى عدوها، لكنها تمتلك مفاتيح قوتها شيئًا فشيئًا، وأحدًا لن يستطيع تصفية القضية بالكامل. هذا ما يعملنا إياه التاريخ.

 

*ما هى مشروعاتك الأدبية المقبلة؟

لدي أكثر من كتاب فكري أعمل عليه، غير أن فوزي بكتارا سيشجعني للعودة إلى الكتابة الأدبية من جديد، فآخر رواية نشرتها كانت "باب الجنة" سنة 2017 ولقد أتبعتها بكتابين تاريخيين فكريين هما "النازيون العرب" و"هدم الإسكندر".

 

الجريدة الرسمية