إيلون ماسك وحرب غزة
كيف أثرت منصة X على إيصال الرواية الفلسطينية؟
ليست أول حرب في غزة، لكنها بلا شك الأكثر تأثيرا منذ عقود، ربما منذ حرب أكتوبر 1973 أو حتى قبل ذلك.. والسبب ليس عسكريا فقط.. فللمرة الأولى ينتشر الصوت الفلسطيني ووجهة نظر الفلسطينيين نحو الصراع بين المجتمع الغربي بتلك الدرجة، بينما تراجعت مصداقية الإعلام الغربي الذي واجه اتهامات بالتحيز وازدواجية المعايير، ليس فقط الإعلام الرسمي لكن أيضا مواقع التواصل الاجتماعي التي اتهمت بمسح أو الحد من وصول المحتوى الذي لا يتماشى مع الرواية الغربية.
مع بداية الهجوم المفاجئ الذي نفذته كتائب القسام التابعة لحركة حماس، أظهر الإعلام الغربي تعاطفا كبيرا مع الضحايا من الجانب الإسرائيلي، وتوجه نحو اعتبار حماس منظمة إرهابية، وبالفعل حشد ذلك الخطاب تعاطفا كبيرا نحو إسرائيل رغم بدء حملة عسكرية مكثفة على غزة وقطع الإمدادات عنها، وخرجت المسيرات المؤيدة لإسرائيل، بينما بدأ النجوم والناشطون في نشر محتوى يتضامن مع إسرائيل وضحاياها.
لكن خلال نهاية الأسبوع الأول من الصراع حدث تحولا غير مسبوق، إذ انتشرت الرواية الفلسطينية بشكل كبير، وبدأ مؤثرون عرب في الظهور عبر وسائل الإعلام الغربية، بل ظهر أيضا تحول كبير في المصطلحات التي تستخدمها وسائل الإعلام الغربية وحتى في نوعية الضيوف الذين تتم استضافتهم.
تحول الرأي العام الأمريكي
وأظهر استطلاع أجرته شبكة "سي بي إس" الأميركية بالتعاون مع يوجوف، بعد أسبوع من بدأ الصراع، تحولا ضخما في الرأي العام الأميركي إذ عبر أكثر من 55% من الأمريكيين عن عدم رضاهم عن تعامل بايدن مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إضافة لأن 53% من الديمقراطيين يعتقدون أنه لا ينبغي للولايات المتحدة إرسال أسلحة وإمدادات إضافية إلى إسرائيل.
كما أظهر استطلاع آخر أجرته وكالة رويترز أن الدعم لإسرائيل يتراجع بين الأجيال الأصغر، إذ عبر 34% من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و39 عن اعتقادهم أن حماس مسؤولة عن الصراع، بينما في الأعمار ما بين 40 عاما فيما فوق ذلك يحمل 58% من الأمريكيين المسؤولية لحماس.
ذلك التحول في الرأي العام انعكس على السياسيين والمؤثرين الإسرائيليين أنفسهم، فقد بدأوا في الخروج بموقف المدافع المبرر لأول مرة، حتى أن أحد المؤثرين المقربين من نتنياهو أعلن تركه ساحة المعركة والتفرغ لوسائل التواصل الاجتماعي.
وقال في تغريدته "لقد تم استدعائي من خط المواجهة إلى جبهة أخرى: الحرب الرقمية. ومن الآن فصاعدا، عدت لخوض هذه الحرب بين الخير والشر. من غير المعقول أنه حتى في مثل هذه الأيام، من المتوقع أن تشرح إسرائيل موقفها. نحن ندافع عن بيوتنا وعائلاتنا".
نفتالي نفسه نشر تغريدة يقول فيها عقب قصف مستشفى المعمدان إن القوات الجوية الإسرائيلية ضربت موقعا لحركة حماس داخل المستشفى في غزة، ووصف من ماتوا بالإرهابيين، لكنه عقب أن انهالت ردود الفعل الرافضة مسح التغريدة واتهم الجهاد بقصف المستشفى.
وقد يكون لمنصة X أو تويتر سابقا ومالكها إيلون ماسك دور كبير في هذا التحول.. فمنذ تولي ماسك رئاسة المنصة وأعلن أنها ستكون منبرا للجميع، وبالفعل سمح باستعادة حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
كما طالت المنصة اتهامات أوروبية وأميركية بالترويج للسياسة الروسية في حرب أوكرانيا، بعدما حددت منصات شركة ميتا (إنستجرام وفيسبوك وتويتر) أي منشورات تروج للرواية الروسية حول الحرب.
ويقول المحرر التقني بالشرق للأخبار محمد عادل: "قبل تولي إيلون ماسك رئاسة تويتر أو ما أصبح فيما بعد x كانت سياساته نسخة من ميتا التابعة لمارك زوكربيرج، فيسبوك وإنستجرام، والمشهد كان يعد (أحادي القطب) لم تتاح وقتها مساحة لأي اعتراض على إسرائيل على سبيل المثال، وكان يتهم أي خطاب ضد السياسات الإسرائيلية بمعاداة السامية".
الرواية الفلسطينية
ويضيف عادل: "منذ تقدم ماسك للاستحواذ على تويتر كان شعاره تقديم مساحة حرة للتعبير عن الرأي، حتى لو كان الانتقاد لي شخصيا، يمكن لم يوفر ذلك بشكل حرفي لكنه تمكن في توفير الكثير من الحرية في التعبير منذ 7 أكتوبر حتى الآن، ومثال على ذلك حين نشر تغريدة ساخرة في البداية أنه الآن تحت الاختيار بين أن تتهم بمعاداة السامية أو تصبح مؤيد لإسرائيل، وهو ما يعكس نظرته للموضوع فهو أفضل من قدم حرية الرأي في ذلك الموضوع".
في حرب غزة لم تتاح المنشورات المعبرة عن الرواية الفلسطينية فقط، بل فوجئ الجميع بإزالة علامة التوثيق من حساب صحيفة newyorktimes الأميركية، وحساب أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بعدما طالت منصة "X" ومالكها ايلون ماسك اتهامات بالترويج لمعلومات مضللة حتى أن الاتحاد الأوروبي أرسل تحذيرا مباشرا لرئيس المنصة لحذف المنشورات، وكان رد ماسك أنه يعتمد حرية التعبير. وقال المحاضر بالجامعة الأميركية بالقاهرة فادي رمزي إن الخدمة المدفوعة من منصة X أدت إلى انتشار المعلومات دون رقيب سوى أن صاحب الحساب قد دفع الرسوم المطلوبة، كما أن ايلون ماسك سرح عدد كبير من الموظفين الذين كانوا مسؤولين عن مراقبة المحتوى المنشور وتقلص الفريق من 230 موظف إلى 20 موظف فقط حاليا.
ويقول رمزي أن "شخصية إيلون ماسك المثيرة للجدل ساهمت بشكل كبير في نشر معلومات وصفت بالمضللة ففي بداية الأحداث نصح بمتابعة حسابين حول ما يدور في غزة ثم حذف التغريدة لاحقا بعدما تبين أن الحسابين ينشران معلومات مضللة".
وفي الأسبوع الأول من الصراع في غزة أظهر أيلون ماسك بعض التعاطف عقب قصف كثيف شنته إسرائيل على القطاع، إذ أعاد نشر فيديو نشره حساب لشخص عربي يظهر الدمار عقب القصف الإسرائيلي..
كما نشر الملياردير الأميركي على صفحته مقطع فيديو يعبر عن الانتقاد الشديد الذي يتعرض له كل من يوجه أي انتقاد لإسرائيل، وأظهر شخصا كلما يذكر كلمة إسرائيل تنهال عليه الاتهامات، وقال في التعليق"ذلك المقطع نشر قبل 9 أعوام".
وقال خبير قطاع الاتصالات والمعلومات في رام الله هاني العلمي، إن الفلسطينيين يواجهون تمييزا في منصات التواصل من حيث وصول المحتوى المساند للرواية الفلسطينية، كما تم ملاحظة تجميد اشتراكات العديد من الفلسطينيين أو المؤيدين لهم، وحذف اشتراكاتهم بالكامل..
ويقول العلمي إن الرقم الأعلى للحذف والتجميد كان عبر المنصات التابعة لميتا "فيسبوك وانستجرام" بينما تم تحييد ظهور ما تبقى من محتوى. بينما في منصة X أو تويتر سابقا تم تسجيل عدد أقل من الحذف والتجميد للمحتوى الفلسطيني.
وواجه تويتر تحذيرا من الاتحاد الأوروبي حول المحتوى المؤيد لحركة حماس، وهدد بفرض عقوبات على ايلون ماسك، الذى رد على رسالة مفوض الاتحاد الأوروبي بالتأكيد على أن سياسة X قائمة على أن "كل شيء مفتوح المصدر وشفاف"، وحث المفوض على إدراج الانتهاكات التي ألمح إليها علنا في منشور X حتى يتمكن الجمهور من رؤيتها. لكن لم يتم الرد على مقترح ماسك حتى الآن.