رئيس التحرير
عصام كامل

"الجهاديون" قنبلة موقوتة تنفجر في تركيا.. أنقرة تضم مجاهدين من سوريا والقاعدة والشيشان.. جيش النصرة السوري يفجر تركيا.. باحثان بمعهد واشنطن: الأصوليون يعضون اليد التي تمدهم بالعون


تستضيف تركيا عددًا كبيرًا من الجهاديين في سوريا لتحقيق مشروعها السياسي المتمثل في سقوط نظام بشار الأسد عبر تلك المخططات التي تقوم بها الجماعات المسلحة داخل سوريا، لكن تركيا لا تدرك أنها تمر بمعضلة قد تنفجر في أي وقت في وجهها، وربما تهدد عرش أردوغان نفسه أو من يأتي بعده.


"معضلة الجهاد في تركيا" لفتت نظر سونر چاجاپتاي زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، وهارون زيلين زميل ريتشارد بورو بمعهد واشنطن ومؤسس موقع Jihadology.net، الذين بحثا في أمر وجود الجهاديين داخل تركيا، مركزين على ما كشفته الحكومة التركية أواخر مايو عن وجود مخطط لاستخدام غاز "السارين" كجزء من هجوم تفجيري محتمل في جنوب تركيا، وانتشار مزاعم بأن "جبهة النصرة"-فرع تنظيم «القاعدة» في سوريا- كانت وراء المخطط، وقد أبرزت الاعتقالات اللاحقة أن المتطرفين الجهاديين الذين تتزايد أعدادهم يمكن أن يشكلوا مصدر تهديد لأنقرة، مؤكدين أنه كلما غضت تركيا الطرف عن الثوار الجهاديين الذين يعبرون أراضيها إلى سوريا، زادت احتمالية أن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

وذكر سونر وهارون في موقع "سي إن إن غلوبل ببليك سكوير" أن إتاحة الفرصة للجهاديين للوصول إلى دولة مجاورة يمكن أن تسفر عن عواقب غير مقصودة، حيث إن الراديكاليين- الأصوليين- يعضّون في النهاية اليد التي تمتد إليهم بالعون، وهو شيء كان ينبغي أن تتعلمه باكستان من أفغانستان، مشيرين إلى أن بشار الأسد قد اكتشف ذلك، فكما كانت سوريا تساند عناصر تنظيم «القاعدة» من الأراضي العراقية، تحولت هذه العناصر ضد النظام في دمشق.

وأضافوا أنه إذا كانت تركيا تغيب عنها نقاط الضعف الموجودة في سوريا وباكستان- فالبلاد هي عبارة عن مجتمع ديمقراطي تنتمي أغلبيته إلى الطبقة المتوسطة- لذا فإنها لا تواجه المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي غالبًا ما تشكل إغراء للتطرف الجهادي، كما أن تركيا ليس لها تاريخ جهادي محلي، فقد نفذ الأجانب، وليس المواطنون الأتراك، تفجيرات اسطنبول في عام 2003 التي استهدفت القنصلية البريطانية ومقر أحد المصارف التركية ومعبدين يهوديين، وفي الواقع أن القليل من الأتراك هم من أظهروا قبولًا للجهاد، فجاذبيته لم تكن كبيرة كما عليه الحال في بعض أجزاء العالم العربي.

ومع تأصل التطرف الجهادي في سوريا، فهناك مؤشرات مثيرة للقلق بأن الأتراك يتواصلون مع القائمين على تجنيد الجهاديين في مسعى لتبني القضية، فقد اتصل طاهي في أحد الفنادق الفخمة في اسطنبول عن طريق الخطأ بموقع" Jihadology.net"، وطلب المساعدة أن يصبح مقاتلًا جهاديًا، وتحدث سونر وهارون للمسئولون الأتراك عن مجموعة من المواطنين الأتراك ذوي الأصول الشيشانية الذين قاتلوا سابقًا ضد روسيا، لكنهم عبروا الحدود إلى سوريا مؤخرًا للانضمام إلى القتال هناك.

ورغم أن العوائق اللغوية بين الأتراك والعرب قد تحد من تجنيد الجهاديين من الأتراك على نطاق واسع، فإنه لا يزال بوسع الجهاديين السوريين أو الأجانب تجنيد المزيد من المواطنين العرب السنة في تركيا الذين يعيشون في الغالب في محافظة "أورفة"، الواقعة على الحدود مع محافظة "الرقة" السورية، وتقع هذه المنطقة في الناحية المقابلة من منطقة سورية، فقد قام الثوار في المعارضة، ومن بينهم "جبهة النصرة"، بتحريرها من قبضة النظام.

سونر وهارون أكدا أن التطرف الجهادي يمثل تهديدًا آخر بينما، تتحول تركيا بشكل متزايد إلى نقطة انطلاق لتسهيل وتهريب المواطنين الأجانب، ومن بينهم الجهاديين، إلى شمال سوريا لقتال نظام الأسد، وهذا ليس مرده إلى أن أنقرة التي تدعم قضية الجهاديين، بل يعود ذلك إلى أن حسابات تركيا تقوم على أن الأسد سوف يسقط- في النهاية- وأن "الأخيار" هم من سيأتون إلى سدة الحكم، ومن ثم تنظر أنقرة إلى الجهاديين باعتبارهم أداة يمكن أن تؤدي قوتهم القتالية إلى تعجيل سقوط نظام الأسد.

وتساءلا ماذا إذا لم يسقط الأسد؟، أو لم يأت إلى سدة الحكم في سوريا قوى ترضى عنها أنقرة؟ مؤكدين أن الحكومة التركية لا يبدو أنها قد درست السيناريو الأكثر احتمالًا، وهو سيناريو تنهار فيه سوريا ببطء وتصبح دولة ضعيفة ومقسمة بين الأسد وخصومه، ومن بينهم "جبهة النصرة".

إذا حدث هذا فقد تواجه تركيا تهديدًا جهاديًا على عتباتها- حسبما قالا سونر وهارون- على طول حدود تمتد 540 ميلًا، فقد زودت أنقرة الثوار السوريين بالملاذ الآمن على أراضيها، وطبقت سياسة جعلت من الحدود التي لا تعتريها أي عقبات فيزيائية فعلية، أمرًا غير ذي أهمية من الناحية الفعلية، ففي معظم الأماكن يمكن للمرء ببساطة أن يقود سيارته عبر الحدود دون أي عقبات.

وأشارا إلى أنه من المحزن أن القليل من المقاتلين المتطرفين هم من يستطيعون أن يشكلوا تهديدًا، ففي منتصف يونيو، نشر جهادي في سوريا ينتمي إلى "دولة الإسلام في العراق والشام"، والذي توحي لهجته بأنه من أصل عربي، جنبًا إلى جنب مع مواطن تركي جامعي، مقطعا للفيديو على موقع "يوتيوب" يدعوان فيه جميع الأتراك إلى "حمل السلاح ضد كل أشكال الظلم متى وُجدت"، وأي هجمات عابرة للحدود تنشأ من داخل سوريا سوف تنطوي على سفر المخططين عبر تركيا، الجارة الوحيدة لسوريا، والتي تعمل كقناة بين الشرق الأوسط وأوربا وما بعدها.

وعقب تفجيرات ريحانلي، أحكمت تركيا السيطرة على حدودها وتبدي قوات إنفاذ القانون في البلاد اهتمامًا خاصًا بتحركات محتملة لـ "جبهة النصرة" من تركيا إلى سوريا- حسبما أكدا سونر وهارون- وينبغي أن تتعاون تركيا أكثر مع حلفائها لمراقبة الوضع، وقد تندم أنقرة سريعًا بسبب إرجاء الأمور في سوريا.
الجريدة الرسمية