رئيس التحرير
عصام كامل

«النفي السياسي .. لعبة تنتشر بين المسئولين».. الحكومة والإخوان نفيا لقاء وفد عربي أوربي أمريكي بـ«الشاطر» ونجل خيرت يؤكد: المسلماني ينفي اختيار البرادعي للحكومة و«النور»


"الخبر صحيح واللقاء تم بالفعل، لكن لو نشرتم خبرًا عن ذلك فسوف يتم نفيه فورًا".. ربما يكون أبلغ وصف لمثل هذا النفي أنه "نفي سياسي".


فمثل هذه العبارة سمعها صحفيون مصريون في الفترة الماضية من مسئولين وشخصيات سياسية لدى سؤالهم عن صحة لقاء ما، بل ويتداولونها فيما بينهم للحديث عن ظاهرة "النفي السياسي"، وهي ظاهرة اقترنت بالمشهد السياسي المصري الراهن، الذي ارتسمت ملامحه مع قرارات 3 يوليو الماضي، التي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي.

هذه الظاهرة ساهمت في تضارب التصريحات وانتشار الشائعات، وفتح الباب لتأويلات الأحداث، وتجلت تلك الظاهرة في واقعة لقاء الوفد الأمريكي الأوربي العربي بخيرت الشاطر، نائب مرشد جماعة الإخوان، التي ينتمي إليها مرسي، حيث أعلنت قناة "الجزيرة" القطرية عن زيارة وزير الخارجية القطري خالد بن العطية، ووليم بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأمريكي، ومبعوث الاتحاد الأوربي لشئون جنوب المتوسط، برناردينو ليون، للشاطر في محبسه.

لكن قيادات بوزارة الداخلية وجماعة الإخوان نفت حدوث ذلك اللقاء، وتسربت أخبار بأن الوفد ذهب بالفعل إلى محبس الشاطر في سجن العقرب شديد الحراسة، إلا أنه رفض مقابلتهم. بينما قال نجل الشاطر إن والده أرغم على المقابلة لمدة ساعة، إلا أنه رفض التفاوض، وأكد (الشاطر) أن من يملك حق التفاوض هو الرئيس المعزول.

خبر اللقاء وضع طرفي الأزمة المصرية في مأزق، فلو أعلنت جماعة الإخوان عن مقابلة الوفد الأمريكي الأوربي العربي للشاطر، فهذا يعني أنه هو الرجل الأول، ليس في الجماعة فحسب، ولكن في حسم المأزق السياسي الآن، وهو ما يحمل في مضمونه أن عودة مرسي رئيسًا ورقة محروقة لا معنى لها، فلو وافق الشاطر على الحوار والتفاوض، فإنها بذلك تخلي عن سقف مفاوضته، وهو عودة مرسي، لينصب الحديث على الخروج الآمن لقيادات الجماعة.

كما وضع خبر اللقاء الإدارة السياسية الراهنة في مأزق، يتمثل في أن الإعلان عن السماح للوفد بزيارة الشاطر يعد اعترافا بأنه الرجل الأقوى، وأن رفضه مقابلة الوفد يجعله كذلك صاحب الموقف الأقوى، وكأن الإدارة السياسية هي التي تسعي إليه عبر هؤلاء الوسطاء.

واقعة التفاوض مع الشاطر لم تكن الأولى في ظاهرة نفي المسئولين لواقع وأحداث ملموسة ومعلومة، فهذه الظاهرة برزت بعد ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أنها تحولت لظاهرة بعد 3 يوليو الماضي (الإطاحة بمرسي).

وتتجسد ظاهرة "النفي السياسي" أو "التجاهل السياسي" في العديد من المواقف الأخرى، فقبل أسبوع أعلن أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية المؤقت، أن الممثلة العليا للشئون الخارجية والأمنية، كاثرين آشتون، لن تزور الرئيس المعزول.

ومضى قائلا: "ليس من الطبيعي أن تزور آشتون مرسي في محبسه". لكن ما هي إلا ساعات، والتقت المسئولة الأوربية بالرئيس المعزول، وخرجت لتعلن ذلك دون الإفصاح عن مضمون اللقاء، وسط تكتم رسمي.

وأثناء تشكيل حكومة المرحلة الانتقالية، نفت مصادر عسكرية أن يتولي وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، منصب نائب رئيس الوزراء، ولكن مع إعلان التشكيل تأكد خبر أنه النائب الأول لرئيس الحكومة.

وتكرر الأمر عندما أعلنت وكالة الأنباء الرسمية المصرية عن تعيين الدكتور محمد البرادعي رئيسا للحكومة، وأن الرئيس المؤقت (عدلي منصور) سيستقبله، وسيعلن تكليفه في مؤتمر صحفي، تمت دعوة مندوبي الرئاسة في وسائل الإعلام إليه.

ثم خرج المسلماني نافيا كل ذلك للصحفيين، إلا أن حزب النور، المنبثق عن الدعوة السلفية، خرج ليعلن أنه بالفعل تم تسمية البرادعي رئيسا للحكومة، وأن الحزب تدخل بشدة لرفض تلك الخطوة ونجح في إيقافها.

في مقابل "النفي السياسي"، انتهجت الإدارة السياسية لمصر أسلوب "الصمت السياسي أو التجاهل"، وهو ما حدث مع زيارة وزير الخارجية القطري خالد بن العطية لمصر، رغم أنها الزيارة الأولي لمسئول قطري منذ عزل مرسي.

هذا فضلا عن التكتم حول عمل اللجنة المكلفة بتعديل دستور 2012، حيث لم تكشف السلطات عن آليات تعديل الدستور ولا طبيعة المواد التي سيتم تعديلها، وما هي الأسس التي تم بناء عليها اختيار تلك المواد دون غيرها.

كما يعد هذا التجاهل سمة لنتائج الاتصالات التي تجريها مصر مع الدول الأوربية والعربية حول الإطاحة بالرئيس المصري السابق، إضافة إلى أن جميع اللقاءات الحساسة تعقد بعيدًا عن الإعلام، ودون الإعلان عن تفاصيل واضحة لما يدور في الغرف المغلقة.

ويعتبر الخبير السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أيمن عبد الوهاب، ظاهرة النفي السياسي "جزءًا من إدارة الصراع النفسي للأزمة".

ويعيب عبد الوهاب، على هذا الأسلوب لأنه "يفتح الباب أمام الشائعات، لاسيما مع غياب الشفافية والتكامل بين أجهزة الدولة.. وهناك جهات رسمية تصدر معلومات منقوصة ما يفتح الباب للكثير من التكهنات".

الجريدة الرسمية