حديث عن المبادرة الهزلية!
وقائع تاريخية ثورية هزت مصر والعالم هزاً، وذلك يوم 30 يونيو حين خرجت جموع الشعب المصرى بكافة فئاته، احتجاجاً على الحكم الاستبدادى للإخوان المسلمين، والسعى لإسقاطه.
ولم تتوان القوات المسلحة عن دعم الإرادة الشعبية، بعد أن وجهت تحذيرات سياسية متكررة للدكتور "محمد مرسى" لم يستمع إليها، ومارس عناده التقليدى في مجال رفض التوافق السياسى، وإقصاء كل القوى السياسية المعارضة عن دائرة صنع القرار.
ولم تجد القوات المسلحة بداً من أن تتدخل لتحمى ثورة الشعب من ناحية، وتقف دون هدم كيان الدولة من ناحية أخرى، وهى الخطة الشيطانية التى سعت جماعة الإخوان المسلمين إلى تنفيذها منذ أن استلمت الحكم.
وهكذا كانت مبادرة الفريق أول "عبد الفتاح السيسى" حاسمة وباترة، بعد أن أصدر قراراً بعزل "محمد مرسى" ووضع خارطة طريق لمرحلة انتقالية بالغة القصر.
وأعلن الخطة وهو محاط بالرموز المصرية الأصيلة، وفى مقدمتها شيخ الأزهر وبطريرك الأقباط، بالإضافة إلى الرموز السياسية من القيادات الحزبية والشخصيات العامة.
وتم تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً للجمهورية، وتشكلت وزارة جديدة برئاسة الدكتور حازم الببلاوى تضم كفاءات متميزة، تعطى الأمل في المجابهة الإيجابية للمشكلات التى تجابه البلاد.
وفور إعلان هذه القرارات الثورية انقلب عليها قادة الإخوان المسلمين وقرروا الاعتصام في ميدان "رابعة العدوية" وميدان "النهضة"، واللذين أصبحا بؤرتين لممارسة العنف وإثارة الفوضى، ومراكز لتسيير مظاهرات رافضة تتوجه إلى منشآت الدولة الحيوية لاستفزاز قوات الأمن والقوات المسلحة، حتى تقع مصادمات يسقط فيها ضحايا نتيجة لاعتداءات مظاهرات الجماعة وبعدها عن السلمية، حتى تصرخ وتولول أمام العالم على أساس أنهم ضحايا وليسوا المجرمين الحقيقيين الذين يمارسون قطع الطرق وترويع المواطنين لو تعمد تعطيل مصالحهم.
وتمارس قوات الأمن أقصى درجات ضبط النفس بالرغم من استفزازات مظاهرات جماعة الإخوان. وفى ظل مناخ الأزمة التى نشأت نتيجة ردود الفعل الهستيرية لقيادات الإخوان المسلمين الذين تلقوا ضربة قاصمة بإنهاء حكمهم، كان من الطبيعى أن تتدخل أطراف متعددة وتقدم مبادرات لحل الأزمة بطريقة سلمية متوازنة.
وبرزت من بين هذه المبادرات مبادرة "خايبة" للدكتور "هشام قنديل" رئيس الوزراء السابق لا تستحق مجرد الإشارة. غير أن هناك مبادرة هامة تقدمت بها مجموعة من المثقفين المرموقين المحسوبين بطريقة أو بأخرى على جماعة الإخوان المسلمين. وعلى رأسهم الدكتور "سليم العوا" المرشح الرئاسى السابق، والمستشار "طارق البشرى" الفقيه القانونى المعروف، والدكتور "سيف عبد الفتاح" أستاذ العلوم السياسية والمستشار السابق "لمحمد مرسى"، والذى سبق له أن استقال من وظيفته احتجاجاً على تهميش رئيس الجمهورية المعزول لكل المستشارين، وانفراده هو ومكتب الإرشاد بإصدار القرارات المخالفة للقانون وللأعراف الدستورية وغيرهم من المثقفين المعروفين.
والمبادرة التى طرحوها بالغة البساطة والغرابة معاً مما حولها في الواقع إلى مبادرة هزلية! وذلك لأنها بكل جرأة تجاهلت الواقع السياسى المصرى الذى يتمثل في خروج ملايين المصريين في 30 يونيو استجابة لحركة "تمرد" لإسقاط حكم الإخوان المسلمين العاجز والفاشل والمستبد.
وتجاهلت المبادرة – بكل خفة وبساطة- الدعم الوطنى للقوات المسلحة للإرادة الشعبية الواضحة والتى ملأت عيون الناس في كل أنحاء العالم.
وتجاهلت المبادرة أخيراً أهم التطورات الثورية التى وقعت بعد عزل "محمد مرسى"، وهى إعلان الفريق "السيسى" خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية القصيرة القادمة.
وبناء عليها تم تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً للجمهورية، وله نائب رئيس للشئون الخارجية هو الدكتور "البرادعى"، وكلف الدكتور "حازم الببلاوى" لتشكيل حكومة جديدة.
والسؤال هنا: ماذا تقول المبادرة؟
والإجابة المبادرة في جوهرها إلغاء كامل للإرادة الشعبية، ورفض مطلق لخارطة الطريق، ودعوة مضحكة حقاً لإعادة الدكتور "مرسى" لمنصبه كرئيس للجمهورية ولكن منزوع الصلاحيات، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
ومعنى ذلك باللغة العامية المصرية الجميلة "وكأنك يا أبو زيد ما غزيت"! أى أنها تجاهل لما حدث من وقائع ثورية، ومحاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
لم يدرك هؤلاء أن المسألة ليست إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ولكنها في المقام الأول رفض شعبى لحكم الإخوان المسلمين، وإسقاط لمشروعهم السياسى الوهمى.
آن الأوان لكى يفتح هؤلاء وغيرهم من زعماء جماعة الإخوان المسلمين عيونهم على حقائق الكراهية الشعبية المتعاظمة للجماعة ورموزها!