رئيس التحرير
عصام كامل

«السجائر الفرط» حيلة التجار لبيع العلبة بضعف ثمنها.. وتوفير المصاريف ومحاولات الإقلاع عن التدخين سبب اللجوء إليها (فيديو)

أكشاك السجائر، فيتو
أكشاك السجائر، فيتو

لنفترض أن محمد يملك دخلًا ثابتا في اليوم قدرة 60 جنيها ولكن للأسف محمد من المدخنين في زمن تباع فيه علبة السجائر بـ60 جنيها أي معدل الدخل اليومي لصديقنا محمد، وبما أن محمد يتمتع بقدر كبير من الذكاء فلن يستجيب لإغراء الجسد ويشتري بالمائة في المائة من دخله علبة سجائر ولكنه أيضا لا يستطيع الإقلاع عن التدخين، يقع محمد في معضلة أخلاقية من أمره سيحلها ليمسك العصا من الوسط بشراء السجائر"فرط" بدأ أول الأمر بشراء ثلاث سجائر  ثمن الواحدة 3,5 جنيه ثم عاد ليشتري ثلاثة أخرى على نفس الثمن.

الجو حار والهواء لا يطاق من الأفضل أن يشتري ثلاث سجائر أخرى على الأقل بدلًا من أن ينفث في الهواء الطلق بحنجرة ممتلئة بالغيظ، يأتي الليل الجو حار والهواء لا يطاق يضرب محمد يده في جيبه ليشتري ثلاث سجائر أخرى، انقطع التيار الكهربائي خطة تخفيف الأحمال…. نسيت أن اليوم هو الموعد الذي حددته الخطة الإرشادية لمنطقتنا.

يخرج محمد إلى ناصية الشارع إلى حين عودة التيار الكهربائي وعودة مروحة السقف إلى الدوران يضرب يده في جيبه ليشتري ثلاث سجائر أخرى!! لم يتبق من الـ60جنيها إلا 10 جنيهات فقط !!محمد اشترى 15 سيجارة بـ50 جنيها مع أنه كان من الأولى أن يشتري علبة كاملة بـ60 جنيها.

هذه القصة التمثيلية والتي سنستخدمها لاحقًا فيما سيتبع باقي التقرير كإشكالية أخلاقية لما يلجأ إليه بعض تجار السجائر القطاعي" أصحاب الأكشاك" من حيل تجارية لزيادة ربحهم من علبة السجائر وبيعها بما يفوق الواحد فوق النصف من ثمنها الذي تباع به بالجملة، هي واقع يعيشه أغلب المدخنون والذين لجأوا إلى شراء السجائر فرط بعد أزمة ارتفاع أسعار السجائر الأخيرة والتي لا زالت مستمرة حتى وصلت بعض أنواع منها خاصة الأكثر طلبًا كـ كيلوباترا وLM إلى 60 جنيها للأولى و75 جنيها للأخيرة، في هذا التقرير "فيتو" تستعرض جانب خفي وغير مرئي من أزمة ارتفاع السجائر بالسوق المحلي" السجائر الفرط" تيك أواي المزاج الذي لم يحسن البائعون استخدامه.

التلاعب الكمي

إذا ما كنت من المدخنين باستدامة ولكنك لا تستطيع تحمل شراء علبة سجائر فإنك ستضطر لشراء السجائر "فرط" بالطبع ستقف أمام أحد الأكشاك وتقول له على سبيل المثال " عايز بعشرة جنيه كيلوباترا "سيطلب منك نصف جنيه أخرى ويعطيك 3 سجائر لأمر ما تأخرت بضع ثوان عن الذهاب لتشاهد آخر يطلب ثلاث سجائر LM  سيطلب منه البائع عشر جنيهات ونصف أيضا كما طلب منك ولكن لحظة!! ألم تلاحظ شيئا علبة السجائر من نوعية كليوباترا تباع بـ60 جنيها بينما الـ LM تباع بـ75 وقد تصل في بعض الأكشاك إلى 80 جنيه فكيف يباع هاتيك مثل تلك، ألا يعرض هذا البائع للخسارة الإجابة لأ بالعكس هذا يزيد ربحه لفهم الأمر.

 بعيدًا عن هذا التعقيد الفلسفي علينا أن نرجع خطوتين إلى الوراء وتحديدًا في عاصمة النرويج "أوسلو" في العام 1923 تحديدًا حينما وقف الطالب بكلية الاقتصاد ركنر فرش في ساحة جامعة أوسلو وعرض علي أساتذته ما أسماه بـال Quantitative manipulation مخبرهم أنها النظرية إلتي بإمكانها وقف محدودية القوة الشرائية للسوق عند نقطة ما عادة ما تكون حرجة من خلال التلاعب في الكم الشرائي دون القيمة الاستهلاكية دون الإسهاب العلمي الطويل فإن غاية"فرش" يمكن شرحها  ببساطة في أن المستهلك لا ينتبه إلى الكم بقدر إنتباهة للقيمة فلا يشغل ذهن محمد كم ستجلب له العشرات جنيهات من السجائر بقدر انشغاله بكيفية اكتشاف طريقة جديدة يدخن بها السيجارة خاصته أو ما يتبادر إلى ذهنه من أفكار عند وصول النيكوتين إلى خلايا عقله ومن هذه النقطة يمكن التلاعب بأصول السندات الخاسرة أو العقود طويلة الأمد والمنحلة قانونيا ودمجها في أصول السندات الحية قانونيا ولكنها رخيصة سوقيًا مما يحقق الربح قصير الأمد أو على الأقل تجنب الخسارة وُيبقي علي القوة الشرائية للتاجر كما هي.
 

 

شطارة وفهلوة أم صدفة

من خلال ما تم سرده بالاعلي يتضح أن علبة السجائر حينما تباع بمعدل الفرط ستكون اربح بكثير بالنسبة للبائع من بيعها جملة فمثلًا تصل علبة سجائر نوعية كيلوباترا إذا ما بيعت فرط إلي 80 جنيها بينما تتخطى الـ LM حاجز الـ110 جنيهات بينما تباع ال "جولد كوست" علي 75 جنيها وتباع التارجت علي 65 جنيها، حاولنا التحدث مع أصحاب الأكشاك المتخصصة في بيع السجائر علي تلك المعضلة ولكن الجميع رفض التسجيل بل القليل هو من تحدث معنا مجرد الحديث، كانت أغلب كلماتهم تنافي بعضها البعض فما كان علينا ألا التقاط فتات ما يتساقط من أفواههم لنجمعها في السطور التالية.

أحد أصحاب الأكشاك المتخصصة في بيع السجائر بحلمية الزيتون ويدعي محمد يقول: أن حصته الرسمية الخاصة بالكشك تصله كل يوم والمقدرة بثلاث قراويص سجائر ولكنه يمتنع عن بيع علب السجائر بالجملة ويفضل بيعها فرط حتى يستطيع الإستمرار طول اليوم لأنة إذا ما باع الكمية علي شاكلة علب كاملة فلن يستمر نشاطه التجاري إلا ثلاث ساعات فقط.
وعند سؤاله عن ما المفيد في بيعها بالجملة أو فرط إذا كان كما يدعي أن الربح وأحد تلعثم قليلا واجاب " السجاير هي الي مشغلة الكشك ولو خلصت محدش هيجي يشتري حاجة".
وعند سؤالة عما إذا كان هناك أي ربط تجاري بين السجائر وسلع أخرى تحث الزبائن علي القدوم أجاب " مش فاهم". 
بمعنى هل الزبون مرتبط بشراء السجائر وسلع أخرى إذا لم تتوافر لديك السجائر لن يشتري تلك السلع أجاب " لا مش كل اللي بيجوا عندي مدخنين بس أغلبهم مدخنين".
في الحقيقة أن محمد دار بي حول الأرض ثم أعادني إلى ما كنت فيه أو قريبًا مما كنت فيه.

حسام 24 عامًا وهو أحد أصحاب الأكشاك المتخصصة في بيع السجائر كسلعة أولية لديها بجانب بعض السلع الغذائية قال هو الآخر: أنة نعم يفضل بيع السجائر فرط لأنها الأكثر من حيث الربح إذا ما بيعت العلبة كاملة ولكن ليست بتلك الأرقام.. في الحقيقة أني تجرأت علي القول لـ حسام أنه يبيع علبة السجائر بضعف ثمنها عن طريق بيعها قطاعي أو فرط وهو ما أجابة بالنفي
وعند سؤاله عن سعر السيجارة الكيلوباترا قال" 3,5"
وبالنسبة LM " زيها"
إذا أجد لي التفسير المناسب في ذلك قال" دي بتشيل دي عادي" 
شكرته لأنه يستحق الشكر كان كريمًا فيما قاله

أحد أصحاب الأكشاك بمنطقة المطرية والذي وافق علي التسجيل معنا يقول: أيوة بنكسب في تمن علبة السجاير لما بتتباع فرط وده الطبيعي 
وعند سؤاله عن مقدار الربح المتوقع من بيع العلبة فرط أجاب " ده رزق ربنا يا أستاذ مينفعش اقوله"
مضيفًا " الحاجات دي بتبقي صدفة مش مقصودة إحنا نعملها ولا حاجة الطبيعي إني أكسب ولو جالي زبون وقلي عايز علبة كاملة لو عندي مش هتاخر عليك يعني".

 

مزاج علي السريع

يقف السيد أحمد 28 عاما علي عربة فول من السادسة صباحًا حتى الثانية ظهرا طوال هذه المدة علي حسب قوله يدخن 10 سجائر يشتري الواحدة علي 3,5 ويضطر في أوقات مختلفة من بقية اليوم لشراء من 5 إلى 10 سجائر أخري بمعني أنة يشرب بـ 55 جنيها سجائر فرط ويرفض شراء علبة كاملة بـ50 جنيها توفيرًا للنفقات علي حد قوله.  

عبد الله عيسى 22 عاما يقول هو الآخر: أنة يشرب سجائر فرط يوميا في حدود الـ40 جنيها ولكنه يرفض شراء علبة سجائر كاملة تباع بـ50 جنيها مضيفًا" السجاير الفرط أحسن واوفر بكتير ".

سامح 20 عاما يقول: إنه من المدخنين بغزارة ولكنة توقف عن شراء علبة السجائر مفضلا شراؤها فرط
وعند سؤاله عن كم سيجارة يتعاطاها يوميا أجاب" من 10 لـ15 يعني في حدود 42 جنية".

علم اجتماع الإستهلاك يجيب

تكمن خطورة اللعبة هنا أنه يمكنك أخذها علي محمل الجد خاصة أن هذة الحيلة التي يلجأ إليها البائعين أو لنقل الثغرة تسبب تفاوتا حاد في أسعار السجائر من حيث المعروض مما يمكن اعتباره أنها أحد الأسباب الغير مرئية والتي تقف خلف استمرار ازمة السجائر بالسوق المحلي واشتعالها كل يوم.

 فأغلب الذين التقت بهم "فيتو" من المدخنين اتفقوا جميعا علي أنهم لا يفضلون شراء علبة السجائر كاملة مفضلين شراؤها عن طريق الفرط مع أنها تتجاوز ثمنها الحقيقي نصف الضعف إذا ما شُريت بذلك والغريب أن جميعهم ذهبوا إلى رأي واحد يقف وراء ذلك وهو توفيرًا للنفقات، يجيبنا أستاذ علم اجتماع الاستهلاك بجامعة بني سويف، كامل خيري في هذا الجانب قائلا: يبدوا ما تطرقت ألية جاد ويستحق النظر إذا ما استطعنا القول أن هذا الأسلوب المتبع هو حيلة تجارية يلجأ إليها بعض التجار لتحقيق أقصي استفادة من منتجهم المعروض.

مضيفًا" الإنسان المستهلك دوما يظل مدفوعا بالرغبة في شراء المنتج بغض النظر عن كونه يتناسب مع معدل دخله المادي أم لا"

وعن تفسير علمي لهذه الحالة قال" ما يلجأ إليه باعة السجائر هنا هو تقسيم الكمية إلى أجزاء وتفتيتها عمليا ًًبغية ترويجها تجاريًا وهو ما يحقق الربح قصير الأمد لأن الكل إذا ما تم تجزئته سيكون أفضل من الدفع به مرة واحدة وبيعه بثمنه الحقيقي حتى ولو كان مرتفع".

ضاربًا مثالا" الباعة الجائلين علي سبيل المثال يبيعون منتجهم المعروض دوما عن طريق زيادة الواحد ونقص النصف، بإمكانك أن تشتري 2 كيلو من الطماطم مثلا على 25 جنيها ولكن أنت تفضل شراء كيلو بـ15 جنيها لأنك في هذه الحالة تظن أنك اقتطعت 10 جنيهات من قوة شرائك ولكن الأمر ليس كذلك كان لك من الأفضل شراء الكمية المعروضة ولكنك لم تلفت إلى الكمية بقدر التفاتك إلى القيمة".

الجريدة الرسمية