يجيز كلمات عامية وغربية.. مجمع الخالدين في مرمي نيران الغضب.. ومثقفون ونشطاء: انتهى عصر الغواصين في بحر اللغة العربية!
مجمع اللغة العربية، المعروف إعلاميًا بـ"مجمع الخالدين" يتعرض لهجوم ثقافي ولغوي متعدد المسارات ومتنوع الروافد؛ إثر إقراره بعض الألفاط والكلمات العامية والأجنبية، ورأي بعض الغاضبين أن المجمع فقد جدواه وصلاحيته؛ في ظل تمريره مثل هذه الكلمات، لا سيما أن اللغة العربية ثرية لا شاطئ لها وتتسع لكل شيء، كما تساءل شاعر النيل حافظ إبراهيم من قبل مستنكرًا: فكيف أضيق اليوم عن وصف آلةٍ / وتنسيق أسماءٍ لمخترعاتِ؟! وتتضاعف الأزمة عندما يحدث هذا تزامنًا مع دعاوى مريبة بتحجيم اللغة العربية الفصحى وتقليص دورها، فضلًا عن تشويهها في الأعمال الفنية بشكل مستمر!
مجمع اللغة العربية يجيز كلمات بطاقة تموينية والبسطاء والبقرة الحلوب
"ترند" تفتح باب الهجوم على المجمع
كان المجمع نشر مؤخرًا بيانًا عبر "فيسبوك"، أجاز فيه كلمة «ترند»، باعتبارها لفظة فصيحة نقلًا عن الأصل الإنجليزي: (trend).
وجاء في بيان المجمع، الذي أحدث صخبًا في الأوساط الثقافية واللغوية، أن «التِّرِنْد هو: موضوع ساخن جديد يُثار على منصّات مواقع التواصل الاجتماعيّ، فينتشر بسرعة في فترة زمنية قصيرة، ويهتمُّ به الجمهورُ، ويتداولونه بالحديث والتعليق عليه، ويتبادلون الأخبار عنه بكثرة..وجمع اللفظ هو: تِرِنْدات».
وردًا على وجه الاعتراض لعدم ورودها في المعاجم..بيَّنَ المنشور: «التِّرِنْد كلمة مُعرَّبة عن الأصل الإنجليزي: (trend) بمعنى: اتِّجاه أو نَزْعة أو مَيْل أو موضة».
أمين مجمع اللغة العربية: لغتنا هويتنا وتحتاج منا إلى جهد كبير في الدفاع عنها
وفي وقت سابق أجاز المجتمع استخدام ألفاظ أخرى مثل: "برطم" و"أستعبط" و"ترويقة" وغيرها من الكلمات المثيرة للجدل!
وفي كل مرة يُذيل المجمع بياناته بمثل هذه العبارة: " دور لجنة الألفاظ والأساليب في المجمع لا يقتصر على محاولة تقليل الفجوة بين العامية والفصحى فقط، ولكن العمل على مواكبة التطور اللغوي في كل مناحي حياتنا المعاصرة"!!
غضب واستنكار وتساؤلات مشروعة
هذه الحالة لم ترُق لكثير من اللغويين والمثقفين الذين صوَّبوا سهام النقد لأداء المجمع، واعتبروه فقد قيمته منذ سنوات، وأعربوا عن دهشتهم من أسلوب اختيار أعضائه، وأبدوا استياءهم من ابتعاد لغويين أكابر قادرين على تصحيح المسار عن عضوية المجمع.
الإعلامي والروائي محمد موافي خصص ثلاثة منشورات على حسابه الشخصي بـ"فيسبوك"، هاجم خلالها مجمع اللغة العربية، جاء في أحدها:
السادة شيوخنا في مجمع الخالدين، تحية وبعد؛
فإن صحَّ أنكم أجزتم كلمة "ترند"، فهذا يعني إعلانًا بوفاة الغوّاصين في بحر اللغة.
"ترند" يا سادة في المعاجم -التي لم يُوفّق أغلبُ واضعيها- تعني: المَيْل والاتجاه والنزعة. وفي الواقع المستخدم تعني: اللغَط والجدل والوسم، ولو شئتم الدقة، فهي مقابل سليم لـ "ثرثرة". ولو رجعتم قليلًا لزمن آباء المجمع لتذكرتم على الفور عنوان كتاب عميد الأدب العربي "حديث الأربعاء". والترند -يا سادة- يعني الحديث المثار اليوم. اجعلوها: حديث اليوم، ثرثرة اليوم، نميمة اليوم.
لا تلتفتوا لاقتراحاتي واجتهدوا أكثر، فأنتم أهل للاجتهاد، وراجعوا الكلمة وسوف تجدون ما يُنزل الندى على قبر حافظ بك إبراهيم لقوله:
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظًا وَغايَةً
وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ
وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ
فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
ثم ذيَّل منشور بقوله: "رحم الله زمن الغوّاص الأمين، أمين المجمع مولانا شوقي ضيف ورفاقه الطيبين ورضي عنهم إلى يوم الدين".
وفي منشور ثانٍ: كتب "موافي" الذي صعدت روايته "آيات عاشق" إلى القائمة المختصرة لجائزة "كتارا": "حضرتك عاوز تعريب لـ "ترند"؟ خد عندك:
مكلمة- رائج- اتجاه- حديث اليوم- الموضوع- قصة- لغو- كَلِم.
والباب مفتوح وسهل لمن أراد الاجتهاد، بشرط الذوق
وفي منشور ثالث كتب "موافي": في كتاب "تيسيرات لغوية" للرائع الدكتور شوقي ضيف، تجده يعتمد كلمة "شويّة"، ويسافر بك بين أشعار العرب وطرائفهم ومجالسهم، ثم يعود مصافحًا يدك وأن تبتسم راضيًا وشاكرًا مجهود الشيخ الجليل.. هذا هو دور أمناء اللغة.
وحين شقّ أراضينا الزراعية كائنٌ خرافي يُسمّى: "Train"، لم يكسل حُفّاظ اللغة وشيوخُها، ولم يكن رئيسهم أستاذًا سابقًا في العلوم الزراعية. بحث القومُ واجتهدوا وجدّوا فوجدوا في قواميس العرب مفردة "قطار": ناقة تقطر وراءها أخواتها، فالأولى قاطرة، والكل قطار. من أجل هذا ولمثل هذا أُنشئت مجامع اللغة، لتظل اللغة الحيّةُ حاضرةً ناشطةً ونشيطةً. وعشنا حتى سمعناهم يعتمدون: "ترند" و"دبلج" و"فسبكة"!
كيف يحتفي مجمع اللغة العربية باليوم العالمي للغة الضاد؟
وأردف "موافي": إن كانت وظيفة المجمع اعتماد الكلمات الأجنبية كما هي، فلا معنى لوجوده ولا حاجة لنا به، وأولى أن نوفّر مخصصاته الهائلة، متسائلًا: وحين تكتشف أن عالمًا بقدر سعد مصلوح أو حسن فضل أو كمال عرفات نبهان أو عوني عبد الرءوف -مع الاحتفاظ بالألقاب فهم أكبر من كل لقب ودرجة علمية- ليسوا أعضاء في المجمع، أليس من حقنا أن نعرف آلية اختيار أعضاء المجمع؟
انتفاضة إلكترونية ضد "الخالدين"
رواد الفضاء الإلكتروني كان لهم نصيب موفور في الغضب والتساؤل أيضًا، حيث كتب أحدهم تعقيبًا على إجازة كلمة: "ترند": «لا أميل إلى إقرار هذا اللفظ من دون وضع مقابل عربي له يسير معه، وقد يُكتب له القبول والذيوع، والبدائل كثيرة».
وأضاف آخر: «لستُ مع المجمع؛ فهذا يفتح الباب لإدخال كل مصطلحات التواصل إلى العربية، فنعرِّب لايك مثلًا ولا نقول: إعجاب، وكنسل ولا نقول: إلغاء، البديل العربي موجود مثل: رائج، متداول».
وتساءل رابع: "إذا كنا سنجيز تعريب كل لفظة أجنبية بنفس لفظها إلى العربية، ماذا سيبقى من العربية"؟!
٨٥ عاما على قرار تأسيسه.. معلومات لا تعرفها عن مجمع اللغة العربية
بيان المجمع كمن يغسل الماء بالماء
في المقابل.. قال الأمين العام لمجمع اللغة العربية الدكتور عبدالحميد مدكور:
بعد مناقشات طويلة ما بين القبول والرفض تغلَّب الرأي الذي وافق على تقبل كلمة "تريند"، وكان من أسباب تقبلها أنه لا توجد كلمة واحدة تعبر عن مضمون هذه الظاهرة المركبة التي ساقتها وسائل التواصل الاجتماعي، ثم إن اشتهار هذه الكلمة وسرعة تداولها قد أعطتا هذه الكلمة قوة تعطيها فرصة كبرى للانتشار.
"مدكور" أردف في تصريحات صحفية: لوحظ أن اللغة العربية قد تقبَّلت قديمًا وحديًثا كلماتٍ من هذا النوع جاءت إليها من: الفارسية واليونانية والسريانية وغيرها، ولابد أنهم ترددوا في أول الأمر، لكنهم تقبلوا كثيرًا منها، وظهرت الكتب التي تبحث ظاهرة الدخيل. وقد وجدنا في تراثنا القديم كلمات كثيرة، وتكرر هذا في الواقع اللغوي الحديث، ومن ذلك كلمات مثل: الكلاسيكية والرومانتيكية، ومن قبلهما الفلسفة والموسيقى، وكذلك أسماء بعض الآلات أو الأدوات كالتليفون والموتور والميكانيكا وأسماء بعض العلوم كـ"الفيزياء والجيولوجيا والجغرافيا"، وهذه ليست إلا أمثلة قليلة من ظاهرة كبيرة متجدِّدة تؤدي إلى مناقشات طويلة تجعل قبولها مشروطًا بشروط دقيقة تؤدي إلى قبول بعضها ورفض كثير منها في أكثر الأحيان. وهي التصريحات التي لم تؤتِ جديدًا، ولم تجب على التساؤلات المطروحة، وبدت في مجملها كمن يغسل الماء بالماء.
في مثل هذا اليوم.. سوريا تؤسس أقدم مجمع لـ«اللغة العربية»
إطلالة تاريخية على مجمع الخالدين
صدر المرسوم الملكي في العام 1932بإنشاء مجمع لغويٍّ يحافظ على سلامة اللغة العربية، ويجعلها وافيةً بمطالب العلوم والفنون، ومستحدثات الحضارة المعاصرة، وأن يعمل على وضع معجم تاريخيٍّ لغويٍّ، وأن يُعنى بدراسة اللهجات العربية الحديثة في مصر وغيرها من البلاد العربية، وأن يُصدر مجلة تنشر بحوثًا لغوية، وأن يُعْنى بتحقيق نفائس التراث العربي التي يراها ضرورة لأعماله ودراساته اللغوية، ولوضع المعاجم.
وكان المجمع من أول يوم عالميًّا، حيث نُصَّ في المرسوم نفسه على أن يتكون المجمع من عشـرين عضوًا عاملًا من بين العلمــاء المعــروفين بتعمقهم في اللغة العربية أو ببحوثهم في فقهها ولهجاتها، دون تقيد بالجنسية، وأجاز المرسوم اختيار أعضاء فخريين ومراسلين.
وبحسب موقع الهيئة العامة للاستعلامات، فإنه كان الحلم الأكبر لكل مصري محب للغة العربية أن يرى مجمعًا بمصر يحفظ اللغة العربية من الضياع، ومن العبث بها، ومن محاولات الإنجليز المستمرة آنذاك لصُنع قواعد للهجة المصرية لتحل محل اللغة العربية بدعوى باطلة، وزعم ليس وراءه إلا القضاء على اللغة والقرآن الكريم.
بعد صدور القرار بأن يكون عدد أعضاء المجمع عشرين، صدر مرسوم ملكي في شهر أكتوبر سنة 1933م، بتعيين عشرين عضوًا من العرب والمستعربين كانوا هم الجيل المؤسس للمجمع، وكانت أسماؤهم لامعة في سماء العالم كله يومئذ.
انعقدت أول جلسة لمجمع الخالدين في اليوم الثلاثين من شهر يناير العام 1934، فبدأ الأعضاء يكوِّنون اللجان العلمية واللغوية، ووضعت لائحة المجمع الداخلية التي بمقتضاها يسير العمل، وبدأ العمل باستكمال الأجهزة الفنية والإدارية، وصدر عن المجلس عشرون قرارًا من شأنها تيسير اللغة وقواعدها، وأباحت التعريب، واستعمال الألفاظ المولدة، وأجازت الاشتقاق من أسماء الأعيان ما دام ذلك في خدمة العلوم. وتحقق على أيدي هذا الجيل المؤسس ما لم يكن يتصوّره عقل، فسـرعان ما وُضِعت الأسماء للمخترعات، واتسعت أوزان الآلة لتستوعب الآلات الحديثة.
ورغم النوايا الطيبة التي رافقت إنشاء مجمع الخالدين، والأعمال الجليلة التي قدمها في بداياته، إلا إنه يبدو أن دوام الحال من المحال، ولكل شيء إذا ما تم نقصان، وهذه هي حال المجمع في سنواته الأخيرة، فلم يعد عالميًا كما خُطط له، في مقابل تعاظم مجامع لغوية أخرى خارج مصر، وفقد دوره محليًا، حتى صار مثار نقد وسخرية من المثقفين قبل العوام، فهل يبقى مريضًا مستلسمًا، لا حول لأعضائه ولا قوة، أم ينهض من جديد، ويستعيد دوره المفقود؟
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.