زكي نجيب محمود، أديب الفلاسفة ورائد "الوضعية" الذي راجع نفسه وشعر بالعار لهيامه بالثقافة الغربية
الدكتور زكى نجيب محمود ، الفيلسوف ومؤرخ الثقافة والناقد الفكرى والأدبى الكبير، رائد مشروع بناء فلسفة مصرية جديدة، ويعتبره البعض من أواخر الفلاسفة العرب.
وفلسفته قائمة على أساس نقد التراث الفلسفى والفقهى عن طريق التحليل العقلانى أستاذ أكاديمى لقبه العقاد بفيلسوف الآدباء وأديب الفلاسفة، توصل إلى أن التحليل المنطقى هو أساس تحقيق المعرفة، رحل في مثل هذا اليوم 8 سبتمبر 1993.
صنفه البعض أنه مفكر علماني حين دعا إلى التفرقة بين الدين والدولة وبين السماء والأرض، ووصف الحضارة الأوربية بالحضارة العرجاء لاهتمامها بالعلم والعمل وإغفالها للجانب الروحي والديني والوجداني للإنسان.
دعا إلى تنقية التراث
اختلف الدكتور زكى نجيب محمود مع التيارات الفكرية المتطرفة فى الفكر المصرى الحديث، مثل الماركسيين والسلفيين والإخوان، وهاجمه الجميع بنفس الدرجة، ودعا إلى تنقية التراث من الشوائب والأباطيل، وأهمية أن نعيش العصر بإنجازاته العلمية الكبيرة، وكان يقول: إن هناك من التراث جوانب تغذى حياتنا الحاضرة، وهنا جوانب أخرى يجب أن تقتصر على الدارسين وحدهم؛ لأنها لا تمس مشكلاتنا الفعلية فى شىء. كما آمن بأهمية الروح، فقال مقولته الشهيرة ( حضارة بلا روح حضارة عرجاء).
الجمع بين التراث والعلم
لكنه عندما بدأ الدكتور زكى نجيب محمود الغوص في دراسة التراث حتى أدرك أنه كان مخطئا في رأيه بعدما تأكد أن التراث فيه من الإيجابيات ما يمكن الاستعانة به في بناء نهضة حضارية جديدة مثل النهضة التي صنعها العرب خلال القرون الأولى للإسلام في حين كانت أوربا تعيش في نفق مظلم من الجهل والتخلف فدعا إلى الجمع بين التراث والعلم.
بعد دراسة طويلة قال الدكتور زكى نجيب محمود:لقد تمنيت لأمتي فيما سبق أن تكون قطعة من الغرب، لكنى اليوم أريد لها أن تكون أمتي هي أمتي وعروبتى هى عروبتى.
أمتى هى أمتى
ولد زكى نجيب محمود فى إحدى قرى محافظة دمياط عام ١٩٠٥، وفى عام ١٩١٤ سافر مع أسرته إلى السودان ليعمل والده فى حكومة السودان، وفى المرحلة الثانوية تعمقت دراسته للفلسفة، وعاد إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة المعلمين العليا، ومنها سافر في بعثة إلى إنجلترا، ليعمل بعد التخرج مدرسًا بمدرسة المعلمين العليا، نال جائزة التفوق الأولى من وزارة المعارف، ثم انتقل إلى إدارة الثقافة التى كانت النواة الأولى لهيئة الكتاب التى أنشأها طه حسين، وحصل على الدكتوراه عام ١٩٤٧ من إنجلترا، ليعين أستاذًا للفلسفة بكلية الاداب جامعة فؤاد الأول ـ القاهرة حاليا.
من مؤلفات الدكتور زكى نجيب محمود الشهيرة:الفكر العربى، فلسفة العلم، المعقول واللامعقول، فلسفة النقد،بذور وجذور،أما كتابه "نحو فلسفة علمية" فقد نال عنه جائزة الدولة التشجيعية،المنطق الوضعى وخرافة الميتافيزيقا، تجديد العقل العربى، كما أسس مجلة "الفكر المعاصر" فى وزارة الثقافة، ومنها قدم الجيل الثانى من الفلاسفة: فؤاد زكريا وحسن حنفى، وغيرهم.
فلسفة زكي نجيب محمود
واجه زكي نجيب محمود في مقدمة كتابه "تجديد الفكر العربي" نفسه، معترفا أن مشكلة الثقافة في البلاد العربية لا يمكن أن يكون حلها هو النهل من الثقافة الغربية والتوافق معها، لكن الحل هو "كيف نوائم بين ذلك الفكر الوافد الذي بغيره يفلت منا عصرنا أو نفلت منه، وبين تراثنا الذي بغيره تفلت منا عروبتنا أو نفلت منها؟.. بحيث نشير بأصابعنا إلى رفوفنا، فنقول: هذا هو شكسبير إلى جوار أبي العلاء، فكيف إذن يكون الطريق؟".
من كلماته، يمكن أن نستنبط منهجه الفكري ونقترب من الفلسفة التي اعتنقها وانشغل بها، فالدكتور زكي نجيب محمود بدا مهتما أن يكون للأجيال القادمة صوتا خاصا صنعته خلطة المعرفة الغربية والشرقية، وانتهج لنفسه الفلسفة الوضعية فلمنطقية، التي ترى أن المعرفة تُستمد من التجارب الحسية والرؤية التحليلية والمعالجات المنطقية الرياضية للبيانات.
الوضعية المنطقية
كان زكي نجيب محمود يشعل عقله بالمعرفة والنقاش الفكري، فلم يكن صلبا جامدا يرفض التجديد أو لا يقبل التراجع عن رأيه، ففي سنوات دراسته الأولى وعودته من إنجلترا بعد نيل درجة الدكتوراة، كان يختص الغرب بالمعرفة، معتقدا أن البلاد العربية لم تنجب فكرا ولم تقدم معرفة فلسفية، لكن مع انفتاحه على التراث العربي الإسلامي تراجع الفيلسوف عن موقفه.
وبعد هيامه في الثقافة الغربية، انحسر شعوره بالعار أمامها، فور أن اكتشف كتابات ابن رشد وأبو حامد الغزالي، راجع زكي نجيب محمود نفسه، بعد أن كان منظرا للفلسفة الوضعية هجا نفسه، مستنكرا أن ينساق وراء الفكر الغربي وفلسفته دون أن يجدد ويقدم للفكر العربي منهجا مؤثرا ناتجا عن خلاصة أفكاره، وقال عن ذلك "وماذا في أن أزداد تفكيرا فأتغير؟ إن إيمان المرء ليزداد بفكرته إذا ما جاءت بعد شك فاحص متعمق؟"، وراى انه لم ينقض ما قدمه ولكنه أضاف إليه، وتخلى عن أمنيته بأن تكون بلاد العرب قطعة من الغرب "لكنني اليوم أريد لها أن تكون أمتي هي أمتي".
جائزة الثقافة العربية
عين الدكتور زكى نجيب محمود فى آخر سنواته كاتبًا متفرغا فى جريدة الأهرام، وعضوًا بالمجلس الأعلى للثقافة، وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1975، ومنحته الجامعة العربية جائزة الثقافة العربية عام ١٩٨٤، ثم توفى فى ستمبر ١٩٩٢.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية.