رئيس التحرير
عصام كامل

سباق مع الزمن لإصلاح منظومة القمح.. حصر المساحات في كل المحافظات لإلزام الفلاحين بزراعة “الذهب الأصفر ”.. ومكاسب بالجملة من النظام الجديد ..وزيادة إنتاجية القمح وخفض فاتورة الاستيراد

الخطة الزراعية
الخطة الزراعية

ارتبطت مصر منذ قديم الأزل بالزراعة، بل إن حضارتها التي يتغنى بها البشر، كانت من نتائج التقدم في الزراعة ومعرفة الآلات الزراعية والري وتطوير العمليات الزراعية من حرث وري وحصاد وتخزين، وكتب المصريون كل إنجازاتهم على جدران معابدهم، لتبقى شاهدة على تفردهم، لهذا تصر الدولة المصرية على استعادة هذه الذاكرة، وتحاول اللحاق بمفردات العصر الحديث في الزراعة، التي تأخرت عنها خلال العقود الماضية

نظام الدورة الزراعية

مصر بدأت الدخول في مرحلة جديدة خلال الخريف المقبل، مع عزم الحكومة تطبيق نظام الدورة الزراعية على كامل مساحات محصول القمح في الجمهورية، بهدف زيادة الإنتاجية وخفض فجوة واردات القمح التي تلتهم قرابة 3,9 مليارات دولار من النقد الأجنبي، في ظل أزمة تواجهها البلاد بسبب نقص العملة الصعبة.

ومع زيادة التوقعات بارتفاع فاتورة واردات القمح في ظل اضطراب السوق العالمي، متأثرا بالأزمة الروسية الأوكرانية، حيث تعتبر الدولتان هما أكبر موردي القمح إلى مصر، بكميات تقارب 10 ملايين طن سنويا.

ويضع إعلان الوزارة تطبيق الدورة الزراعية عدة أسئلة حول معايير تطبيق هذا النظام، وتكامله مع منظومة الزراعة التعاقدية التي تشمل محاصيل القمح والذرة والمحاصيل الزيتية والعلفية كفول الصويا وعباد الشمس، وهو ما حمل بعض الانتقادات من مصادر داخل الوزارة للقرار الذي يقصر منظومة الدورة الزراعية على القمح فقط

مصادر قالت لـ«فيتو»: إن نجاح تطبيق منظومة الدورة الزراعية يحتاج إلى حلول اقتصادية وتشريعية، بعد أن تم إلغاء العمل بها عام 1993 في عهد وزير الزراعة الدكتور يوسف والي، وإصدار قوانين تحرير التجارة العالمية والتي تبعها إطلاق حرية المزارعين في زراعة المحاصيل التي يريدونها دون أي قيود من الدولة.

زراعة القمح

ولفتت المصادر إلى ضرورة ترغيب المزارعين أولا في الإقبال على زراعة القمح من خلال وضع حوافز للإنتاج مثل زيادة دعم مستلزمات الإنتاج على شاكلة التقاوي والأسمدة والمبيدات، إلى جانب رفع أسعار استلام محصول القمح، ووضع تشريع قانوني يعطي الدولة الحق في تطبيق الدورة الزراعية بشكل كامل، على كافة المحاصيل بمعايير محددة.

 نظرا لأن إلغاء الدورة الزراعية منذ سنوات طويلة وتطبيق نظام الزراعة الحرة جعل المزارعين يختارون المحاصيل التي تجلب لهم أرباحا مجزية لا المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاجها الدولة في خطط الكفاية من الغذاء، وهو ما يتطلب تطبيق كافة العوامل السابقة ليكون المزارعون أداة نجاح في تطبيق الدورة الزراعية في محصول القمح.

على جانب آخر، أكدت مصادر مسئولة بوزارة الزراعة جاهزيتها بشكل كامل لتطبيق الدورة الزراعية في محصول القمح، وإنجاح التجربة التي تعول عليها الحكومة في زيادة الإنتاج المحلي، حيث بدأت وزارة الزراعة في مراسلة مديريات الزراعة المختلفة، لتجميع المساحات المقرر إلزام المزارعين فيها بزراعة القمح خلال الموسم المقبل.

وبدأت المديريات بالفعل في تصنيف المساحات إلى أراض تابعة لجمعيات الائتمان وأخرى تتبع جمعيات الإصلاح الزراعي، على أن تتضمن عملية الحصر تصنيف تلك الأراضي إلى أراضي دورة زراعية على مستوى القرية والإدارة والمديرية، على أن يتم مناقشة المساحات المجمعة من كل محافظة للعرض على وزير الزراعة وقيادات الوزارة لتحديد طريقة التعامل اللازمة لإنجاح منظومة الدورة الزراعية في محصول القمح خلال الموسم المقبل.

وأضاف المصدر إن الوزارة تعلم أن جزءا من زيادة الإنتاجية، توفير تقاوي القمح المعتمدة للمزارعين بأسعار مخفضة وهو ما تحقق بشكل كبير، حيث تغطي الوزارة احتياجات السوق من تقاوي القمح المعتمدة بنسبة 70% وتعمل كافة الأجهزة المعنية بالوزارة ومركز البحوث الزراعية لزيادة هذه النسبة خلال السنوات المقبلة لضمان جودة التقاوي المستخدمة لتحقيق أعلى إنتاجية.

 ولفت المصدر إلى أن الزراعة التعاقدية تحمل الكثير من المميزات التي تعود بالإيجاب على المزارعين والزراعة في مصر بشكل عام، حيث يحقق تطبيقها هدفا أساسيا وهو الحفاظ علي خصوبة التربة من خلال تتابع زراعة المحاصيل على الأرض الواحدة وفقا لمعايير علمية، وتعويض العناصر المستنفدة من التربة نتيجة لزراعة محاصيل مجهدة لها

كما يوفر هذا النظام في استخدام الأسمدة والعناصر بالتربة، ويخفض كذلك من التكلفة الإجمالية للزراعة، كما توفر المنظومة في استخدام المياه، وهذا هدف مهم في ظل معاناة مصر من الشح المائي وتأثيرات تغير المياه ومشاكل الجفاف والتصحر وندرة المياه، عوضا عن تنويع مصادر دخل المزارع وتقليل المخاطر الناتجة من زراعة محاصيل واحدة.

 ولاسيما التقلبات السعرية والإصابات المرضية والحشرية، ما يقلل من استخدام المبيدات الأمر الذي ينتهي إلى ضبط سعر المحصول في الأسواق، بعد التخلص من النظام الحالي العشوائي في الزراعة، والذي يسمح للتجار بالتلاعب بالمزارعين وبأسعار محاصيلهم

من جهته، يقول الدكتور أحمد غريب، خبير الاقتصاد، عضو شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية لمحافظة القاهرة، إن القمح من الملفات الشائكة بالنسبة للدولة المصرية لأنه ملف تجاري وسياسي وأمن قومي، مشيرا إلى  أن علاقة المصريين بالقمح علاقة معقدة بعيدة عن علاقة الدولة المصرية بمخصصات القمح وتجارته وتأمينه كما أن المصريين في عهود السابقة كان لديهم اكتفاء ذاتي من القمح، إذ كانت مصر سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية بالكامل، وكان سبب استعمار روما لمصر هو تأمين القمح للأمبراطورية الرومانية.

وأضاف لـ “فيتو”: أنه في العهود اللاحقة كان هناك صعودًا وهبوطًا في إنتاجية القمح في مصر لكن كان هناك اكتفاء ذاتي منه، ومن بعد عصر محمد على، وفي الدولة الحديثة وبالمستندات أول تاريخ لاستيراد مصر القمح كان عام 1945، عندما اضطرت الظروف مصر لاستيراد القمح  لسد الاحتياج، ومن هذا التاريخ إلى يومنا هذا الفجوة الاستيرادية للقمح في تزايد.

وأشار «غريب » إلى أن مواعيد الزراعة هي من منتصف شهر نوفمبر وإلى حد أقصى أول  شهر ديسمبر، وهي مواعيد لها علاقة بدرجة الحرارة وحجم الضوء المتاح للحصول على أعلى إنتاجية من القمح، الدولة المصرية توفر نحو 25 نوعا من البذور المعتمدة التي منها سخا 94 و98 وجميزة من 9 إلى 13، وبني سويف 1 و3 و5 و7، كل منطقة تجود بنوع واحد من أنواع الأقماح وهناك أنواع تجود زراعتها بشكل عام في مصر.

حجم الإنتاج المصري

وقال إن حجم الإنتاج المصري يكفي لسد احتياجات المصريين  من 30 إلى 40% سنويًا، وعليه نستورد من 60 إلى 70% من احتياجنا من الخارج، والأقماح التي تستورد من الخارج جيدة، لكنها لا تنافس القمح المصري لأنه غني جدًا بالجلوتين وأغلب العناصر الغذائية.

ولا يتم صناعة الخبز من القمح المصري فقط، لأنه إذا تم صناعة الخبز منه فقط سيصبح لون الرغيف أسود ومختلف تمامًا وبه جزء كبير من الليونة، لذلك يتم خلط القمح المصري مع أقماح أخرى بنسب مختلفة، تختلف باختلاف حسب المنتج والاستهلاك الخاص به

وقال «غريب»: إن خريطة الأقماح على مستوى العالم بها أكبر المنتجين إضافة إلى أكبر المستهلكين، أكبر المنتجين هي دولة الصين، لكن استهلاكها المحلي يفوق إنتاجها بكميات قليلة، وعليه تستورد قمح بكميات محددة بالرغم من أنها أكبر منتج في العالم.

 لكن أكبر فاعلين في تجارة القمح عالميًا، هم دول الاتحاد السوفيتي قديمًا وهي روسيا وأوكرانيا وكازخستان، وعلى استحياء تليهم بعض دول الأسيان، ثم الولايات المتحدة الأمريكية.

وتابع: روسيا وأوكرانيا يحتكرون نحو 35% من التجارة الخارجية للقمح في العالم، والباقي موزع نسبة وتناسب على بقية دول العالم، وبعد انضمام مصر لدول مجموعة البريكس، استطاعت مصر «خلخلة» سوق تجارة القمح في العالم.

وأوضح «غريب» إذ كانت في السابق تفرض بعض الدول شروطًا على توريد القمح لمصر، خلال المرحلة المقبلة مصر عضو ضمن تجمع به منتجين كبار للقمح، ومصر ستستورد وتصدر بالعملة المحلية، التي سيتم تقييمها على أساس الذهب أو سلة عملات.

 فمصر لم تعد تحتاج إلى توفير النقد الأجنبي للشراء من الأسواق الخارجية، إضافة إلى هذه الأسواق التي منها روسيا والهند، فمصر لديه الأن سوق ثابت ومنتج للقمح يستطيعون الاعتماد على بعضهم في حركة التجارة الداخلية التي ستتعدى مئات المليارات من الدولارات.

الأسعار العالمية مهددة بالارتفاع السريع

وقال «غريب» إن الحرب الروسية الأوكرانية على مشارف النهاية، أغلب المؤسسات ومراكز الأبحاث العالمية تتوقع أنه بحلول 2025 ستكون انتهت بالكامل، وذلك سيحدث اتزان في الوضع العالمي، إذ ليس من المهم أو معادلتنا من سيفوز بالحرب، لكن انتهاء الحرب في مصلحة مصر ودول العالم.

 فالأسعار العالمية للقمح مهددة بالارتفاع السريع مع تصاعد حجم انتشار فيروس كورونا،  إذ ارتفعت الأسعار في وقت سابق 100 دولار مرة واحدة وهذه أصاب الموازنة المصرية بمشكلة كبيرة، ولكن اذا استمرت الأمور والوضع كما هو عليه فمن المتوقع أن تظل الأسعار مستقرة.

وأشار إلى أن مصر هي أكبر المتضررين والمتأثر بالعوامل الخارجية المؤثرة من تجارة القمح، فمصر أكبر مستورد قمح عالميًا، ومن المفيد وجود مصر مع روسيا والهند المنتجين للقمح، وأيضا وجودها في تحالف فيها البرازيل وهي من الاقتصاديات الناشئة في العالم، لكن مصر لا يستطيع أن تعتمد على دولة منشأة واحدة أو اثنتين في توريد القمح، فمصر لديها سلة من موردين القمح  وإن كان وجود روسيا والهند في التحالف معنا يسهل الأمور ويجعلها أكثر يسرًا.

وفيما يخص الزراعات التعاقدية بين الدولة المصرية والمزارع المصري، قال «غريب» هي أحد أهم ركائز الأمن الغذائي المصري، فالدولة تشتري من السوق المصري بالجنيه، وما ندفعه بالجنيه يعود إلى البنوك المصرية والاقتصاد المصري، وعلى أقصى تقدير.

نقدم لكم من خلال موقع (فيتو)،  تغطية ورصد مستمر علي مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم،  أسعار الدولار،  أسعار اليورو،  أسعار العملات،  أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد،  أخبار المحافظات،  أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي،  الدوري الإيطالي،  الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا،  دوري أبطال أفريقيا،  دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية