رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة السجائر.. ارتفاع جنوني بالأسعار.. الباعة القطاعي: تجار الجملة وراء تعطيش السوق (فيديو وصور)

أكشاك السجائر، فيتو
أكشاك السجائر، فيتو

ربما قُدر على المواطن المصري أن يعيش أزمات تجاوزت عدد أصابع يداه فكلما انتهى من الإحصاء عاد ليفردهما لإحصاء جديد، أزمات تجاوزت أساسياته وطالت حتى رفاهياته وكان آخرها أزمة السجائر، فما بين وعود حكومية وتصريحات رسمية وإجراءات احترازية  بتوفير مزيد من المواد الأولية الأزمة لعملية التصنيع مما يتيح ضخ كميات كبيرة بالسوق وبالتالي يقل الإقبال علي العرض فينخفض الطلب، خطة تبدو حكيمة بعض الشئ لاجتثاث رؤوس طابور المنتفعين، ولكن برغم كل ذلك إلا أن علبة السجائر لازالت مختفية داخل المتاجر وأن وجدت فإنها تباع بضعف ثمنها ووفق تقرير ميداني مسبق قامت بة "فيتو" بشارع باب البحر برمسيس أشهر الأماكن لبيع السجائر بالجملة ورصدت الأسعار هناك فإن أغلب أنواع السجائر على حسب قول أغلب تجار الجملة تباع بثمنها الرسمي والمسعر من قبل الشركة المنتجة وعند سؤالهم عن الأسباب إذا وراء نقصانها بالأسواق وغلاؤها أن وجدت أشاروا بأصابع الإتهام إلى الباعة وهم أصحاب "المتاجر والأكشاك" وأنهم هم المتسببون وراء غلاء أسعار السجائر بالسوق وبيعها للمستهلك بضعف ثمنها المباع بها من قبل المنافذ الرسمية ولأجل الإمساك بخيوط الحقيقة قامت "فيتو" بجولة ميدانية والحديث مع عينة عشوائية من مناطق مختلفة لبعض أصحاب الأكشاك والمتاجر وسؤالهم عن صحة هذه الاتهامات ومدى واقعيتها على خريطة الأزمة.

تلفيق وافتراء

البداية كانت من حلمية الزيتون كشك صغير يقتطع جزء من الشارع لا يتسع إلا لبعض البضائع المتخمة بداخله ومقعد صغير يجلس عليه، حمدي حسين 27 عامًا يقول إنه أتى من الصعيد خصيصًا لتأجير ذلك الكشك والذي عليه دفع مبلغ 500 جنيه لصاحبه كل شهر لم يوافق على التسجيل معنا منذ البداية ولكن عندما واجهناه بما يقوله التجار جز على نابية ووافق على الفور وهذا ما قاله: لا أساس من الصحة لما قاله تجار السجائر بالجملة على أن البائعين هم السبب الرئيسي وراء غلاء أسعار السجائر.

مضيفًا" إحنا بنجيب علبة السجائر من عندهم بـ 54 جنيها مش بـ 24 زي ما بيقولوا وبنبيعها بـ 55 يعني مكسبنا جنيه واحد".

مستطردا "التجار هما إلى بيعطشوا السوق وبيحزنوا البضاعة عندهم عشان سعرها يغلى ومش بيبعوها لينا بتمن الرسمي إلى الشركة مسعراه".
وعند سؤاله عمن هو المتسبب الرئيسي وراء تلك الأزمة من وجهة نظره قال "التجار الكبار إلى عايزين يمصو دم الناس ويمصو دمنا معاهم ولو مش مصدقني حضرتك روح باب البحر وأسأل على مشمش وشوف بيعمل اي في الناس".

محمد علي وهو أحد أصحاب الأكشاك المتخصصة في بيع السجائر كسلعة أولية لديها بجانب بعض السلع الغذائية قال هو الآخر: أن ما قالة التجار عن البائعين هو محض إفتراء وتلفيق ليس أكثر وأن البائعين هم ضحايا مثلهم مثل المستهلك لأنهم وبحسب وصفة ضعاف سوق ولا يملكون أنياب لاستغلال المواطنين من الأساس.
مضيفًا "التجار عايزين يخلو البياع هو كبش الفداء إلى هيروح في الرجلين، مع أنهم هما السبب الأول والأخير للي بيحصل لما التاجر يبيعهالي بـ54 جنيها الكيلوباترا ولما أقوله حرام السعر ده يقولي روح أشتري من حد غيري هعمل أي يعني مجبر أبيعها للمستهلك بالتمن المعروف في السوق دلوقتي".

بينما اكتفى الحاج عبد الرحيم 56 عامًا وهو أيضا صاحب أحد الأكشاك المشتهرة ببيع السجائر بالقول" حسبي الله ونعم الوكيل، يعني التجار الكبار يعملوا ملايين كل يوم من دم الناس وفي الآخر إحنا إلي نبقي السبب".

اتهامات متبادلة
يافطة صغيرة جدا مكتوب عليها بخط يدوي يبدو مرتعشا بعض الشي جملة "بقالة الرحمن" تعلو كشك يبدو عتيق جدا محيازًا بمدرسة سراي القبة الثانوية للبنات يجلس بداخله شاب ثلاثيني امتنع عن ببع السجائر بالعلبة منذ غلاؤها ويصر على بيعها "فرط" لأجل وبحسب قوله "أجيب فيها لقمة عيشي الفرط بيديني تمن المكسب إلى ممكن أخسرة لو بعت العلبة كلها"
عندما أخبرناه بصحة ما قيل من قبل التجار على أن الباعة هم من يرفعون ثمن علبة السجائر للمستهلك قال غاضبا "وهي فين السجائر أصلا عشان نرفعها، التجار الكبار مخبينها في المخازن ولما نروح ناخد حصتنا يقولنا مفيش وبيبعوها في السوق السودة عشان مكسبهم يزيد".
مضيفًا "وكالة جوهرة باب البحر وإلى صاحبها مشمش هي إلى بتعلي في السجائر وكل يوم تمنها يزيد بسبب المعلم مشمش هو إلى ماسك السوق وبيوزع الكمية إلى مستلمها على زمايله وحبايبه".

وعند سؤاله عن حقيقة إذا ما كانت تباع علبة السجائر بثمنها الرسمي في المنافذ الرسمية وهي 24 جنيها ضحك ساخرا وقال" يعني بناخدها منهم بـ24 ونبيعها بـ55 جنيها أكيد مستحيل، التجار بيبعهوها للبياعين بـ54 جنيها مش بـ 23 زي ما بيقولو"

يوافقه الرأي ربما عزت خلف 33. صاحب كشك بشارع ابن سندر والذي قال: إن ما يقولع التجار ظلم وافتراء ليس أكثر في محاولة لتبرير موقفهم لأن الجميع يعلم أنهم هم وراء الأزمة وليس أحد أخر.

مضيفًا "التجار إللي بيتهمونا أننا إحنا إللي بنرفعها على المواطن، ميعرفوش أننا في الشارع وأن التموين وحماية المستهلك كل يوم بتبقى عندنا، لكن هما اللي مستخبين وليهم ناس حمياهم وتعرف تخرجهم لكن إحنا غلابة"
مستطردا "مفيش علبة سجاير بتتباع في باب البحر أو أي منفذ تاني بتتباع بتمنها الرسمي يبيعوها ساعة قدام الحكومة ولما الحكومة تمشي يرجعوا يببعوهالنا بأضعاف تمنها".

السوق السوداء
بينما تؤكد شركة الشرقية للدخان أنها لم ترفع أسعار السجائر منذ الإعلان الرسمي في أبريل الماضي، أشار سامح مصطفى، بائع في كشك بمنطقة الدقي شارع ميشيل باخوم، إلى أنه يحصل على السجائر من السوق السوداء بسبب غياب مندوبي شركات السجائر خلال الفترة الأخير.
مضيفًا "في العادة المندوبين بيجوا كل يوم أو كل يومين ناخد منهم بالسعر الرسمي ونضيف عليه مكسبنا 2 أو 3 جنيه بالكتير، لكن من أكتر من شهر المندوب بيجي مرة في الأسبوع وساعات مرة كل أسبوعين.. وبدل ما كان بيديني كميات تغطي شغلي بقى بيقولي أنت ليك خرطوشة واحدة بس (10 علب) فأنا بشتري من السوق السوداء".

لعلها نفس الشكوي التي تطرق إليها أشرف عبد الحليم، بائع بأحدي أكشاك حي الزمالك والذي قال: أنة لجأ إلى السوق السوداء التي يبيع كل تاجر فيها بالسعر الذي يريده، وقال "الأسبوع اللي فات دفعت غرامة 3000 جنيه بعد تفتيش من الحكومة.. قولتلهم أنا شاري بالغالي وممكن أوديكم للتاجر اللي باعلي قالولي ملناش دعوة". ودفع البائع الغرامة لبيعه بسعر أعلى من السعر الرسمي.


ويرى أشرف أنه مجرد حلقة صغيرة من سلسلة طويلة على حد وصفة تبدأ من الشركة والتاجر وتنتهي لديه "أنا هعمل أي بشتري السجائر بالغالي ولازم أكسب عشان أجيب تمن الإيجار أولا ومصاريف بيتي ثانيًا والراجل إللي شغال معايا بياخد مرتب كل ده من الكشك اللي انت شايفه ده".
مستطردا "إحنا بنبقى مكسوفين من الناس بس هنعمل أي هما بقوا يشتروا فرط لأنهم مش حمل العلبة الكاملة، وإحنا حالنا وقف لأن أكبر سلعة عليها إقبال عند المصريين هي السجاير".

وعند سؤاله عن المصدر الذي يحصل من خلاله تجار السوق السوداء على السجائر قال "أكيد في تجار بتبيع ليهم، مهو بالعقل إزاي الكل مش لاقي سجاير وهما بس إللي عندهم"
وعند سؤاله عن الأسباب التي دفعت التجار لتوريط البائعين الصغار في تلك الأزمة واتهامهم بالوقوف خلف ارتفاع سعر علبة السجائر قال "عايزين يبعدوا الأنظار عنهم مش أكتر، بس الناس كلها عارفة أنهم هما اللي وراء الأزمة دي وفي تجار عملت مليارات من وراها زي مشمش والحوت وغيرهم".

يخبرنا محمد صابر، هو الآخر وهو أحد أصحاب أكشاك منطقة المطرية: أنه أضطر وعلى مضض للتعامل مع تجار السوق السوداء بعدما لم يجد بديلًا آخر أمامه، حيث أنه دوما يجد السجائر بوفره لديهم ولكن على حسب وصفة "البيع بمزاجهم"
مستطردا "السجاير في السوق محدش لاقيها وأحنا مضطرين نشتري من السوق السوداء إللي السبب وراها التجار الكبار، هما يبيعو لحبايبهم وأصحابهم وأصحابهم يبيعوها لينا بضعف تمنها وفي الآخر المستهلك هو اللي بيدفع التمن"
وعن حقيقة الاتهامات التي وجهت لهم من قبل التجار قال" كلام كدب، فين علبة السجائر إللي بيبعوها بتمنها الرسمي الكيلوباترا بنشتريهم منهم بـ54 مش بـ24 جنيها، دول عصابة وعايزين يهربوا بالمليارات إللي عملوها من دمنا ودم الناس الغلابة".

خبراء يجيبون

يبدوا الأمر معقدا بعض الشي، إتهامات تكال من قِبل ما يقال عنهم أنهم طرفي الأزمة فالتجار يبرئون ذمتهم من الأزمة والبائعين كذلك بات الأمر أشبه بخيوط عنكبوت ما أن تزيله يمينًا حتى يتفرع يسارًا ولكن الخبير الاقتصادي وأستاذ مادة القانون التجاري بكلية التجارة جامعة عين شمس شريف حمد النبي، يرى الأمر أبسط من ذلك ولا يحمل كل ذلك التعقيد فيقول: بإمكاننا حل هذه المعضلة بإرجاع الأزمة إلى مردها الأول وهي الشركة المنتجة لهذه الأنواع من السجائر باعتبارها المرفد الأول والأخير لهؤلاء التجار والباعة، عبر تشكيل جهات رقابية واستقصائية تشرف على الإنتاج اليومي للشركة مقياسًا بما يتم تداوله في الشارع من قبل هؤلاء التجار والباعة ونعرف من خلال تلك اللجان والجهات المعنية بالأمر حجم المنتج والموزع والمستهلك وحينها يمكننا كشف المتورط وراء تلك الأزمة ومحاسبتة.

مضيفًا لـ "فيتو" “أشد الأزمات شراسة في دول العالم تدار هكذا عبر إرجاع الأزمة إلى منبعها الأول، من هناك يمكننا اقتفاء أثر المشكلة وتتبع خيوطها”. 

بينما يقول أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة بني سويف سابقا عبد الرحمن أيوب: أننا هنا أمام أزمة اقتصادية متعلقة باحتياجات الفرد وهي أخطر أنواع الأزمات الاقتصادية سوء سمعة، وعلينا التعامل بحزم يصل حد التهديد بالحلول الأمنية لأننا أمام من يقفون أمام هيبة دولة بمؤسساتها وقدرتها علي ضبط السوق.

مضيفًا لـ "فيتو" “ في الأزمات خاصة المالية لا يؤخذ بمبدأ القيل والقال لأننا أمام تاجر محتكر أو ما سماة هو"اللص الأنيق" والذي يريد التربح من وراء الأزمة عبر احتكار هذة السلعة والإمساك عن تداولها، وأنما علي الدولة التحرك السريع وتشكيل جهات ولجان رقابية أكثر يقظة وإشراف أمني مكثف علي منافذ البيع وتدقيق أكثر علي منافذ البيع بالشارع فنحن أمام أمران أما أن تشتد تلك الأزمة وتستمر وهذا يعني انتصار عقلية المحتكر على هيبة الدولة أو أن تعمل كل تلك الجهات بما يتوافق مع ضميرها الوطني".

مضيفًا "ظاهرة السوق السوداء ترافق طرديا الأزمات خاصة المتعلقة بالسلع الأساسية وبما أن السجائر تحولت في أذهان البعض من رفاهية إلى أساس معيشي فالطبيعي أن تتبعها منافذ بيع غير شرعي".

وعن كيفية تفاديها أو تجفيف منابعها قال "أمران يمكننا أن نرجع إليهما وهما، أن يمسك المستهلك عن شراء تلك السلعة بعض من الوقت حتى يحدث عجز عندهم في مقدرة التوزيع وبالتالي يضطروا لتصفية تلك البضاعة خشية تلفها فينخفض السعر، أو أن تتولى الجهات الأمنية ذلك الملف، وتراقب سير عملية التداول والتوزيع عند التجار الرسميين ومعرفة الكميات التي سلمت لمن وهل هذا الشخص فعلًا لديه منفذ رسمي للبيع، أم مجرد متسلق أراد التربح من الأزمة ".

الجريدة الرسمية