ظاهرة خطيرة في غزة، زيادة معدلات التخلص من الحياة، الفقر والبطالة وغياب الأمان تؤدي إلى الاكتئاب
ظاهرة خطيرة أخذت في التفشي بين الشباب في قطاع غزة، وهي التخلص من الحياة، لعدد من الأسباب التي تدفع إلى الاكتئاب الحاد.
تزايدت معدلات تلك الحوادث في الفترة الأخيرة، وأرجع المراقبون ذلك إلى غياب الإحساس بالأمان، وتزايد معدلات الفقر المدقع، وقبلها ممارسات الاحتلال؛ الأمر الذي يؤدي إلى الاكتئاب، وهو المرحلة الأخيرة قبل الإقدام على التخلص من الحياة.
تعددت الأسباب والموت واحد.. فمؤخرا، لقي 3 شبان حتفهم خلال أقل من 24 ساعة في قطاع غزة نتيجة إقدامهم على التخلص من حياتهم؛ بسبب سوء الأوضاع المعيشية في القطاع.
أحدهم أقدم على إلقاء نفسه من الطابق الخامس، والثاني أطلق الرصاص على رأسه، داخل منزله بمنطقة أبراج الشيخ زايد في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، فيما قام الثالث بإحراق نفسه.
فيما سجلت محاولة انتحار لإحدى الفتيات بمدينة خان يونس جنوب القطاع، بسبب مشاكل عائلية، إثر تناولها حبوب دواء متنوع وأدوية خاصة بأمراض الاضطراب والقلق النفسي.
وحذرت الفصائل من تزايد معدلات الانتحار، في قطاع غزة الذي يئن من الفقر والجوع والقهر والعوز وغلاء المعيشة، وارتفاع معدلات البطالة.
إحدى الفصائل قالت إنه "لا يمكن السكوت على استمرار الوضع الكارثي والمؤلم في قطاع غزة، من ارتفاع نسب الفقر والبطالة والجوع، وانعدام الأمن الغذائي والوظيفي، والغلاء الفاحش وارتفاع الضرائب، وتأخر الرواتب واستمرار خصوماتها، وتردي الخدمات الصحية والتربوية".
مرض الاكتئاب
وفي وقت سابق، وبعد أن كتب الفلسطيني محمد النجار على صفحته في "فيسبوك" منشورًا جاء فيه "مضطر إلى مغادرة هذا العالم بعد أن استنفدت كل جهودي ومحاولاتي للشفاء من مرض الاكتئاب على مدار ثماني سنوات آخرها جلسات الكهرباء"، أمسك قنبلة يدوية وفجر نفسه.
وقد أثار خبر مقتل النجار موجة سخط واسعة بين سكان غزة، بخاصة أن الشاب كان مثقفًا، ولديه إصدارات شعرية ومشاركات ثقافية وسياسية، ولكنهم لعنوا الظروف التي جعلت الشباب يعانون الاكتئاب الحاد الذي يدفع للانتحار، وفي الوقت نفسه باشرت أجهزة الأمن بفتح تحقيقات للبحث عن ملابسات هذه الحوادث.
وقبل فجر السبت الماضي سجلت غزة ثلاث محاولات، اثنان منهما لقيا حتفهما وأنقذ آخر.. ومنذ بداية العام الحالي، رصدت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية) 23 حالة وفاة في ظروف غامضة، لكنها أشارت إلى أنه ليس بالضرورة أن تكون جميعها انتحارًا، وكان شهر مايو الأعلى مسجلًا 10 حالات.
وأعربت المؤسسات الحقوقية عن أسفها لتصاعد حالات التخلص من الحياة أو الشروع فيه، وتحوله إلى ظاهرة لا مجرد محاولات فردية، واعتبرت ذلك مؤشر قلق يتطلب من الجهات الحكومية حل عوامله التي ساعدت على تهيئة البيئة لتزايد تلك الحالات.
اقرأ للمزيد: دعوة مجتمعية لمناقشة قضية الانتحار في غزة
وأرجع الخبراء الاجتماعيون أسباب ذلك إلى الظروف الاقتصادية القاهرة بما فيها انعدام الأمن الغذائي وتفشي الفقر بشكل كبير، كما كان الحال قبل أسبوعين، مع شاب ثلاثيني تراكمت عليه الديون.
لكن هذه الأسباب ليست وحدها دوافع الانتحار، بل ظهرت عوامل أخرى تثير القلق لها علاقة بالصحة النفسية، وبحسب تتبع أبرز الحالات التي لقيت صدى في غزة، فتبين أن معظمهم كانوا يتمتعون باستقرار وظيفي، وكان بينهم محامٍ ومحاسبة وموظف بلدية.
وترجع دوافع التخلص من الحياة في غزة إلى تفشي الاكتئاب الحاد وبعض الأمراض النفسية الأخرى بين السكان، وهذا الأمر يستدعي من المسؤولين وقفة حقيقية ليأخذ الطب النفسي موقعه في ظل هشاشة الحياة النفسية داخل القطاع بفعل عمليات القتال المتلاحقة والحصار، بحسب متابعين.
من جانبها، تنفي السلطات في غزة أن يكون قتل النفس قد تحول إلى ظاهرة، وتعتبر أنه حالات فردية ولكل منها خصوصيتها، حيث قال النائب في المجلس التشريعي يحيى موسى في وقت سابق إن حالات الانتحار التي شهدها القطاع هي أحد أهم تداعيات الحصار، من دون أن ينفي أنها في تزايد مستمر.
ووفقا لسجلات محاولات الانتحار وفقًا لبيانات وزارة الصحة التابعة للحكومة الفلسطينية، فقد سجل عام،2022 25 حالة فيما حاول 553 آخرون إنهاء حياتهم.. وفي عام 2021 كان هناك نحو 22 حالة أدت للوفاة، ويقابل كل حالة انتحار فعلية نحو 21 محاولة.. وعام 2020 سجل 17 حالة من أصل 404، ومعظم المحاولات كانت من فئة الشباب.
طالع أيضا: ازدياد حالات الانتحار في غزة بسبب سوء الأوضاع المعيشية
وفي مواجهة نفي المؤسسات الرسمية للظاهرة، أكد مسؤول الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي، أن الإقدام على إنهاء الحياة ظاهرة، وتغيب عنها الجهات الحكومية وتنكرها، موضحًا أنهم لم يلمسوا أي إجراءات جدية تظهر إيلاء قضايا ومشكلات الشباب والمجتمع. وقال: "ما زالت مؤشرات الفقر والبطالة عالية، وتزايدت سياسات فرض الضرائب من الجهات الحكومية في القطاع وبات هناك غلاء في الأسعار، ونقص سياسات الحماية الاجتماعية، وتدني مستوى الخدمات، لا سيما خدمات الصحة النفسية".
على أية حال، فإن جميع المؤشرات تفيد بأن الأمراض النفسية أبرز مسببات الانتحار في غزة.. وأكد أحدث تقرير لمجلس العلاقات الدولية زيادة محاولات قتل النفس في القطاع بسبب الضغوط النفسية.. وأشار إلى أن 61 في المئة من أطفال غزة يعانون اضطرابات نفسية كالخوف والقلق، وهو ما ينذر بزيادة حالات الانتحار في فترة المراهقة.
اقرأ كذلك: غزة 2020: الظروف الاقتصادية الصعبة سبب رئيسي في ازدياد حالات الانتحار
وكشفت نتائج مسح البنك الدولي أن 71 في المئة من سكان غزة يعانون الاكتئاب، وسبعة في المئة مصابون باضطراب ما بعد الصدمة، وباقي المجتمع معرضون لاضطرابات الصحة النفسية الشائعة والتي لها علاقة طردية بالفقر المدقع.
وبدورها، وثقت منظمة الصحة العالمية أكثر من 210 آلاف حالة اضطراب نفسي في غزة، وذكرت أنه يوجد شخص من بين كل 10 في حاجة إلى علاج نفسي سريع، ونشرت وزارة الصحة في غزة تقرير جاء فيه أن الأمراض النفسية ارتفعت 62 في المئة، كان للاكتئاب النصيب الأكبر من الانتشار، تلته الاضطرابات النفسية، ثم مرض الفصام العقلي.
وإزاء هذه الأرقام المرتفعة، فإنه يوجد في غزة مستشفى وحيد للصحة النفسية وبسعة 50 سريرًا موزعة بين أقسام الرجال والنساء والأطفال، لخدمة 2.3 مليون مواطن، ويعمل فيه 39 كادرًا طبيًا، بينهم 26 أخصائيًا نفسيًا، ويستقبل في السنة نحو 90 ألف زيارة ومراجعة.
اقرأ أيضا: غزة تسجل حالة وفاة و159 إصابة جديدة بفيروس كورونا
ويرى المتخصص في علم النفس درداح الشاعر، أنه "بسبب الاكتئاب يفكر الشخص بالانتحار، ومعظم المصابين به يبدأون في التفكير بالتخلص من المشاعر السلبية من طريق الانتحار، لكن تنفيذ ذلك خطوة متقدمة، ومن الممكن أن تفشل ويعود إلى الحياة بمساعدة الآخرين".
ويقول الشاعر: إن الاكتئاب يمثل نسبة كبيرة جدًا من الاضطرابات النفسية والعقلية في غزة، لأن الأرضية النفسية التي يتحرك عليها الفرد ليست مريحة وتعزز عوامل هذا المرض ومن بينها الفقر وانعدام الغذاء وقلة فرص العمل وندرة السفر. ويضيف "الذين يصلون لمستشفيات الأمراض النفسية، هم من يعانون الكآبة في الحالات الشديدة، لكن كثيرًا ممن يعيشون بيننا ويشعرون بالاكتئاب يفكرون ليل نهار بالانتحار، وفي حال أنهم لم يجدوا المساعدة سيقدمون على هذه الخطوة، لأن المكتئب سينفذ ما يخطط له، ولن يبقي المسألة مجرد فكرة".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.