محمود درويش، شاعر الملايين الذي هزته ريتا الإسرائيلية، واعتذاره على علبة سجائر لأمه يتحول لأشهر أغنية عربية
الشاعر محمود درويش، شاعر جماهيري، لقب بشاعر الملايين من العرب، وضمير فلسطين، وهو أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب والعالميين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، ويعد أحد أهم من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإضافة الرمزية فيه، ولد عام 1941 بقرية بمدينة الجليل بالقرب من عكا، ورحل في مثل هذا اليوم 9 أغسطس عام 2008.
ولد الشاعر محمود درويش عام 1941 بقرية بمدينة الجليل بالقرب من عكا، وخرجت أسرته به من قريتهم مع اللاجئين الفلسطينيين عام 1947 إلى لبنان ثم عاد بعد عامين إلى قريته متسللا ليعيش في قلب إسرائيل.
درويش كاتبا في الأهرام
اعتقلته السلطات الإسرائيلية أكثر من مرة بسبب كتاباته السياسية، سافر الشاعر محمود درويش إلى الاتحاد السوفيتي للدراسة، ثم انتقل بعدها إلى القاهرة لاجئًا وسكن حي جاردن سيتى وأقام في فندق شبرد حيث عمل في جريدة الأهرام كاتبًا مقابل راتب 150 جنيهًا، وفي نفس الوقت التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية التي استقال منها اعتراضًا على توقيع المنظمة على اتفاقية أوسلو.
غادر محمود درويش مع الشاعر عبد الرحمن الأبنودي والصحفي رجاء النقاش إلى لبنان ليعمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير وأسس مجلة الكرمل، ورأس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
ضمير فلسطين
وحول تسميته بضمير فلسطين قال محمود درويش: هذا شرف كبير لي قد لا أستحقه وكل إنسان وكل شاعر يجب أن يرقى إلى مستوى أن يتشرف بهذا الشرف، لكن بدون أن تكون له أعباء جمالية بمعنى أن يبقى يذكر فلسطين في كل نص وتتحول إلى مؤرخ الحديث عن فلسطين، أما أن يكون الضمير بمعنى الممثل لجانب الإجماع الوطني الثقافي وأن يكون معبرًا عن روح هذا الشعب فهذا شرف كبير.
فتاة إسرائيلية
في بداية عمره أحب درويش فتاة يهودية وتكلم عنها في قصائده وأشعاره، وعندما كان يسأله أحد عنها أنكر وادعى أن شخصية ريتا ليست حقيقية، وبعد ذلك أعلن وجودها في الحقيقة، وأنها كانت فتاة إسرائيلية أحبها، لكن فرقتهما الحرب عندما انضمت إلى سلاح البحرية الإسرائيلي.
ولأن درويش كان يحب وطنه أكثر من أي شخص، فقد تخلى في سبيله عن حبيبته، وعُرف فيما بعد أن اسمها الحقيقي تمارا في فيلم وثائقي تحدث عن حياة محمود درويش.
ريتا في أشعار درويش
كان أول ظهور لـ"ريتـــا" في منجز درويش الشعري عام 1967، وأطلت بها على الجمهور في قصيدة "ريتا والبندقية"، ثم تابعها في قصائد "ريتا أحبيني"، و"تقاسيم على الماء" و"الحديقة النائمة". يتتبع الطراونة أثر "ريتــا" في منجز درويش فيقول: "تَكرر اسمُ ريتا في دواوين درويش: "آخر الليل"، و"العصافير تموت في الجليل"، و"حبيبتي تنهض من نومها"، و"أحبك أو لا أحبك"، و"أعراس". كما ظهرت أيضًا في قصيدة "شتاء ريتا الطويل" بديوانه (أحد عشر كوكبًا)، وظلت تتردد في أعماله النثرية حتى رحيله".
ريتا خارج القصيدة
أطلق جمهور الشاعر وأصدقاؤه أياديهم وراحوا يفتشون في دفتر أشعاره ويبحثون في يومياته ليحددوا هوية ريتا، فتعددت الروايات بشأنها. وبحسب الطراونة، منهم من أشار إلى أن ريتا هي الكاتبة اليسارية "تانيا رينهارت"، تلميذة عالم اللغويات الأمريكي المشهور نعوم تشومسكي، المولودة عام 1943، وخاضت المعارك في مواجهة احتلال فلسطين، وكانت واحدة من أبرع المحللين للسياسة الإجرامية التي تنتهجها حكومات إسرائيل المتعاقبة". وهو ما نفاه صديق هذه المرحلة الراحل سميح القاسم في تصريحات صحافية جاء فيها: "ريتا عابرة جدًّا في حياته، ومعرفته بها لم تتجاوز أشهرًا".
رواية أخرى أشارت إلى أن درويش أحب شاعرة يهودية، استنادًا إلى قوله، "والشاعرة الحسناء تبكي على قدميّ في الليل، وتدلُ الشرطةَ على آثار قدميّ في الصباح". وهي علاقة نفاها درويش شخصيًّا. هذه الأبيات أثارت بدورها علاقة درويش بالشاعرة الإسرائيلية "داليا ريبكوفتش" في الستينيات، وجعلت البعض يتكهن بأنها ريتا المقصودة في أشعاره، فهي يسارية، معروفة بمناصرتها للقضية الفلسطينية، ومناهضة للاحتلال، وداعية إلى السلام. ربما فتح شهية النميمة أنها سبق وكتبت مقالة، انتقدت فيها السلطات الإسرائيلية بسبب منعها درويش زيارة أهله في فلسطين عام 1948. و"ريبكوفتش" مولودة في عام 1939، ونشرت أشعارها في خمسينيات القرن العشرين، وفارقت الحياة منتحرة في منزلها بتل أبيب عام 2005.
هذه هي ريتا؟
كان جمهور محمود درويش على موعد مع ريتا ثالثة بعد نصف قرن من ذِكرها في أشعاره، بعدما فُتح الستار، وأعلنت نفسها في الفيلم الوثائقي "سجل أنا عربي" عام 2014، وكانت هذه المرة الراقصة اليهودية من أصل بولندي "تامار بن عامي"، المقيمة في برلين، وقالت: "بداية علاقتي بدرويش بدأت بعد رقصة أديتها في مقر الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي كان عضوًا فيه قبل استقالته، وكان عمري آنذاك 16 عامًا، لنفترق بعدما استدعيت إلى الخدمة العسكرية بسلاح البحرية الإسرائيلية".
تصريحات درويش بشأن ريتــا متضاربة؛ فمرة أعلن أنها مجرد اسم فني، وأخرى اعترف أنها اسم مستعار لشخصية حقيقية، وبين هذا وذاك كان يخشى تأويل قصائده الغرامية لريتا، على نحو ما وقع مع قصيدة "أنا عربي". إذ قال في حوار صحافي عام 2002: "أخشى أن يُؤول الحب بصورة عامة إلى موضوع من خارجه. أتعامل مع المرأة ككائن إنساني، وأُجري معها حوارًا شعريًّا إنسانيًّا متكافئًا بين كائنين إنسانيين. للأسف في ريتا تتداخل نساء عدة، صارت ما يشبه الشيفرة، لذلك أقلعت تمامًا عن الكتابة عنها لكي لا تتحول (سجل أنا عربي) عاطفية".
يخبرنا درويش، "أنه بحلول حرب يونيو 1967 انتهت القصة. فقد دخلت الحرب بين الجسدين بالمعنى المجازي، وأيقظت حساسية بين الطرفين، لم تكن واعية بها من قبل. تصوّر أن صديقتك جندية تعتقل بنات شعبك في نابلس مثلًا، أو حتى في القدس، ذلك لن يثقل فقط على القلب، ولكن على الوعي أيضًا. حرب 67 خلّفت قطيعة عاطفية في علاقة الشبان العرب والفتيات اليهوديات".
وحول علاقته بالقارئ والجمهور قال الشاعر محمود درويش: علاقتي بالقارئ جدلية وحرة وهو لا يشكل رقيبًا على عملي أثناء الكتابة لكنه موجود في أنا لأني أعي تمامًا أن كتابة بلا قارئ لا تحقق معنى، فالقارئ هو الذي يمنح النص حياته المتجددة، وأنا أفخر بإنجاز واحد حققته في مسيرتي الشعرية وهو اكتساب ثقة القارئ منذ شعرت بأن القارئ يصدقني بالرغم من أنه في العموم لست راضيًا عن شعري، وذلك لأني أكثر قلقًا من الاطمئنان إلى المحقق، ولأنى أنظر اليوم بعيون الغد.
وأضاف: الصورة التي أحافظ عليها ولا أريد أن أخدشها هي صورة سلوكي العام، هذه الصورة هي التي تقيدني إذ ليس من حقي أن أجلس على مقهى ولا أجرؤ على الذهاب إلى السوق إذ إن العيون الفضولية تحملق في محتويات سلتي لذلك أحيط نفسي بصورة غياب وعزلة ضرورية لتحاشي الخطأ الاجتماعي.
أحن الى خبز أمى
يحكى الشاعر محمود درويش تفاصيل واقعة حزينة في حياته فيقول: عندما كنت في السجن زارتني أمي وهي تحمل الفواكه والقهوة، ولا أنسى حزنها ودموعها عندما صادر السجان إبريق القهوة وسكبه على الأرض لذلك كتبت لها اعترافا شخصيا في زنزانتي على علبة سجائر أقول فيه: "أحنُ إلى خبز أمي.. وقهوة أمي.. ولمسة أمي.. وتكبر فيَ الطفولة.. يوما على صدر أمي.. وأعشق عمري لأني.. إذا مت.. أخجل من دمع أمي"، وكنت أظن أن هذا اعتذار شخصي من طفل إلى أمه، ولم أعرف أن هذا الكلام سيتحول إلى أغنية يغنيها ملايين الأطفال العرب لحنها وغناها الموسيقار مارسيل خليفة.
وردا على اتهامه بكثرة كتابته عن الموت والشهادة قال: إن كثرة الاستشهاد عندنا وكثرة الموت أصبحت تطغى على الضمير الشعري وعلى اللغة الشعرية لذلك أكتب عن الموت العادي، كأنه ليس من حق الفلسطيني ان يموت موتا عاديا بسبب مرض او حادث او شيخوخة، أما حين اكتب عن الشهيد فيفترض اننى اعرفه لانه هنا ليس فكرة، ويجب الا يتحول الانسان الى فكرة وانما يجب ان يظل كائنا بشريا، ولذلك لا اكتب الا عن شهداء اعرفهم شخصيا أو عن اصدقاء ماتوا ميتة عادية.
زيجتان ومات وحيدا
تزوج محمود درويش مرتين الأولى برنا قباني ابنة أخت الشاعر نزار قباني ثم طلقها بعد ثلاث سنوات، ثم تعرف على حياة الهيني وتزوجها ثم كان الطلاق أيضًا بعد ثلاث سنوات وخلال تلك المدة كتب قصيدته يطير الحمام التي طلب مارسيل خليفة أن يغنيها فرفض درويش في بداية الأمر كونها قصيدة شخصية ثم وافق بعد ذلك ليضرب بعد ذلك عن الزواج لأنه سيعطله عن مشروعه الثقافي ويقول: لا أريد أن أجلب لاجئا جديدا للبلاد.
عضو بحركة فتح
علاقته الشاعر محمود درويش بياسر عرفات كانت علاقة استثنائية فهي أبوية الأب للابن المتشيطن ـ كما وصفه رفاقه ـ ودائمًا ما كانت تحدث مشادات بينهما ثم يعود الوفاق، وقد اختاره عضوا في اللجنة التنفيذية لحركة فتح، حتى إنه كتب خطاب إعلان الدولة الفلسطينية بيده.
بداية الخلاف مع ياسر عرفات
وحين كان محمود درويش يعمل في مجلة شؤون الفلسطينية الصادرة عن مركز الدراسات الفلسطينية أمر ياسر عرفات قوة من حرسه الرئاسي أن يقتحم المركز الذي يعمل به درويش بسبب مقالة لإلياس خوري، وهو ما أغضب درويش حتى إنه استقال بعد ذلك، ويرجح كثيرون أن تلك الاستقالة كانت بسبب ضغوط على الشاعر الفلسطيني أن لا يهاجم زعيم حركة فتح،
وعندما رحل ياسر عرفات نعاه محمود درويش بقوله: ياسر عرفات في مشهد اهتز له العالم بقوله: عرفات سيبقى يحتل جزءًا حميميًّا من تاريخ فلسطين في كل واحد منا، تأخرت في الحزن قليلًا لأني كنت أدرك أن سيد النجاة سيعود لكن الزمن الجديد لن يهتم بشاعرية الأسطورة " بتلك الكلمات وقف الشاعر الكبير محمود درويش ينعي زعيم حركة فتح التاريخي ياسر عرفات، في مشهد اهتز له العالم أجمع في عام2004 ليرحل هو بعدها في مثل هذا اليوم عام 2008.
لاعب النرد قصيدة وداع
نعاه صديقه الشاعر عبد الرحمن الأبنودي بقوله: لم يحدث أن أجمع أحد في الأمة على سياسي أو أديب أو فنان، ذلك الإجماع الذي ناله محمود، لقد أوحت إليَّ قصيدته " لاعب النرد " بنوع من الوداع الذي لم يكتشفه أحد، وهو وداع مستتر وخفي لم يعرفه إلا من هم على صلة حميمة بمحمود، ومحمود بالنسبة لي هو من أعلى القيم الأدبية التي عرفتها في حياتي.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، كأس مصر، دوري القسم الثاني, دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.