حارة اليهود.. عاش فيها عبد الناصر وموشى ديان.. لافون دخلها متخفيا.. وكوهين عمل بها عطارا (فيديو وصور)
شيء ما ولدافع قد يبدو خفيا يجعل الإنسان يلتفت وراء ظهره للإمساك بخيوط الماضي، تائها في كتل ضباب لعصور تعرضت للنسيان، لعلة يزيل خيوط عنكبوت من على سنين خلت وأحداث تلت ووقائع كان لها صدى كبير وما كنا لها معاصرين.
"فيتو" تستعرض الجانب الخفي لأناس عاشوا بيننا ولكنهم اختاروا أن يغلقوا على أنفسهم في أزقة ودروب "حارة اليهود"
عليك أن تعلم أولا أن حارة اليهود ليست بذلك التعبير اللفظي الذي يسهل نطقه فهي ليست حارة كما يشاع بل حي بأكمله يضم شياختين ويتفرع منهما قرابة الـ 340 حارة وزقاق على شكل ممرات يتصل بعضها ببعض ولا يفصل الأولى عن الثانية إلا متر واحد وبحسب كتاب "يهود مصر من الإزدهار إلي الشتات" للدكتور محمد أبو الغار فإن الطبيعة الجغرافية والهندسية المعقدة للمكان ناسبت الميول النفسية لليهود والذين يميلون إلى الانعزال الإجتماعي والانغلاق الديني الشديد والعيش في "جيتوهات" أو أحياء مؤمنة جغرافيًا .
أما الآن فالحارة قد تحولت إلى ممر طويل وضيق مليء بالمحلات التجارية كمحلات لعب الأطفال وورش الصياغة ومحلات الجزارة والمطاعم ولم يبق من مجدها الغابر شئ سوي ثلاث معابد أشهرها معبد "موسي بن ميمون" ذلك الطبيب الذي طبب جراح صلاح الدين الأيوبي في حروبه وعلم ابنه الأفضل الفلسفة ومعبد "بار يوحاي" والذي يقع في شارع صقلية و"ابو حاييم كابوسي" في درب نصير.
عبد الناصر وديان
في حارة ضيقة للغاية تكاد لا تتسع لمرور شخصين متجاورين تسمي بحارة "خميس العدس" يطل منزل قديم للغاية لا تكاد الآن أن تقف أمام مهابته احترامًا يدعي منزل "شاموعيل القرائي" أشار الرجل الذي رافقني بيده إلى الدور الثاني وقال لي "هنا عاش جمال عبد الناصر" وقبل حتى أن أرفع رأسي لأرى أين ذهبت يديه ربت على كتفي وأشار إلى بيت مجاور وقال " أنظر هنا عاش موشي ديان" البيتان لا يفصلهما إلا مسافة المتر الواحد، أيعقل أن يترك التاريخ مسمار عجلة الدوران تلف إلى ذلك الحد بأن يجعل من "أبناء الحتة" الواحدة كما يحب أن يقال خصمان في معركة مفتوحة في الرمال، ولكن لم لا يذكر التاريخ واقعة مشابهة حينما أقدم شاب نمساوي لم يكمل العشرين من عمره علي بيع لوحة لشاب روسي جاء هرباء لـ"فينا" بتهمة التورط في اغتيال القيصر الروسي"نيقولا الثاني" وكان الشاب والرجل هما "هتلر وستالين" وبرغم أن موشي دايان نفسه ينفي في مذكراته أنه عاش في مصر أو دخلها إلا سنة 1967 ولكن قصة أن جمال عبد الناصر كان جارا لموشي ديان تحظي في حارة اليهود بتصديق يصل حد الإيمان.
اقتدني مرافقي وهو رجل ثمانيني يدعي العم"جورج" ويحب مناداته بالقديس جورج إلي منعطفات ودروب متداخلة حتي اوقفني أمام ممر قديم وضيق، لم يبق منه الا سلم خشبي وقال" هنأ اتقبض علي اليهود إلي كانو بيعملوا عمليات إرهابية في مصر بعد الثورة...بس عبد الناصر الله يرحمه جابهم" من خلال البحث في وقائع التاريخ نجد أن ما قاله الرجل يتناسب فيما سيعرف لاحقًا في وثائق المخابرات المصرية ب" فضيحة لافون ' وفي المخابرات الإسرائيلية ب"العملية سوزانا" وهي مجموعة عمليات تخريبية كانت من المفترض أن تحدث داخل مصر وتحت رعاية وزير الدفاع الإسرائيلي بنحاس لافون وهدفها استهداف مطاعم ومقاهي تجمعات الجاليات الأجنبية في مصر بهدف إضعافها دوليًا.
وبحسب كتاب"يهود مصر بارونات وبؤساء" ل "عرفة عبدة علىي" الصادر عن دار ايترارك للنشر فإن حارة اليهود في مصر كانت قاعدة انطلاق لتلك الهجمات التخريبية فأغلب المنفذين كانو يهود مصريون عىي دارية تامة بالطبيعة الأمنية والجغرافية في مصر وعلى رأسهم مارسيل نينو، فيليب ناتاسون مائير يوسف زعفران،روبير نسيم داسا.
وبحسب كتابه هو "كنت خادما لجيش الدفاع" فإن إسحاق لافون لا ينكر إشرافه الرسمي على تلك العملية ويتفاخر بكونه قدم إلى القاهرة واستقر بها أسبوعين دون انكشاف أمره من قبل السلطات المصرية والتقاؤه بمنفذي الهجمات في أكثر الأحياء قداسة إليهم"حارة اليهود"
أيضا ثمة أحاديث تقال بداخل الحارة خاصة من أكثر سكانها قدما على أنها كانت الموطن الذي نشأ وتربى فيه الجاسوس الإسرائيلي الأكثر شهرة على الإطلاق"إيلي كوهين" والمعروف في الوثائق السورية بـ "كامل أمين ثابت" فعلي مقربة من شارع صقلية والمعروف حاليا بشارع الصاغة وفي بيت قديم يحمل الرقم 26 يقال إنه ولد وعاش بدخله وأنه كان يعمل بمحل عطارة في طفولته في أحد حوانيت شارع ايستر والمعروف حاليًا بشارع "الفرارجية".
مشاهير عاشوا بالحارة
لم تكن الحارة موطنًا للجواسيس والمؤامرات السياسية فقط بل كانت أيضا حاضنة لأدباء وفنانين يهود عاشوا بداخلها وأزهروا الفن والأدب المصري طيلة مسيرتهم فعاشت أستر شطاح وبهيجة المهدي وفيكتوريا كوهين وسرينا إبراهيم وتوجو مزراحي بداخل أزقة الحارة كما عاشت أشهر العائلات اليهودية في بداية نشأتها بداخل دروبها فكانت عائلة قطاوي والتي أسست معامل لتكرير السكر تعيش في شارع الباروقية.
التدليس الإسرائيلي
في عام 1948 وقت قيام دولة إسرائيل كان تعداد اليهود في مصر 90 ألف نسمة وفي آخر إحصائية سنة 2003 كان عددهم لا يتجاوز الـ 5680 كانوا يعيشون في القاهرة والإسكندرية والفيوم وفي 2011 اصبح عددهم لا يتجاوز الـ30 فردا جميعهم من كبار السن أما الآن فبإمكانك أن ترفع يد واحدة من يداك لتحصي عددهم.
وفق أقاويل إسرائيلية فإن خروج اليهود من مصر كان خوفهم من أن يلقوا على يد عبدالناصر نفس المصير الذي لقاه يهود أوروبا "الاشكيناز" على يد النازية وهو ما وصفه الدكتور مكرم عبد الوهاب أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالحماقة التاريخية حيث قال: إن عملية جلاء اليهود من مصر تمت قبل 1948 بكثير وليست لأغراض سياسية فقط بل كان منها لأغراض اجتماعية كالبحث عن وسائل معيشة أفضل أو الهجرة إلى الدول الأوربية المنتصرة في الحرب العالمية الثانية والاطمئنان إلى زوال النازية للأبد وهو الخطر الوحيد الذي كان يهدد وجودهم البيولوجي على الأرض
مضيفًا" ما يقال عن أن هجرة اليهود في مصر كانت بسبب رهاب سياسي من نظام عبد الناصر خطأ وتدليس، الخروج الثاني لليهود من مصر لم يبدأ من ذلك التاريخ ولكنه زاد حدته فقط".
يهود لكن طيبون
في كتابه "اليهود في مصر" لقاسم عبده قاسم الصادر عن دار الشروق للنشر يقول الكاتب: إن اليهود وعلى مر الأزمنة كانوا يمتازون بالذكاء الاجتماعي والذي يوفر لهم كيفية التعايش مع محيطهم المعيشي كأفراد والجغرافي كبيئة والثقافي كتقبل لعادات الغير ودينه وطقوسه، ربما لجأ يهود مصر إلى تلك الحيلة لكسب ثقة وحب المصريين لدرجة أن بعض من التقينا بهم أعربوا كم كانوا يودون أن يعيشوا تلك الحقبة بجوار اليهود وعن أسفهم لرحليهم وعن الحنين لزمن لم يروه ولكن الأجداد لا زالوا يثلجون صدورهم بالحديث عنه.
"كانو طيبين جدا ومحدش بيسمع ليهم صوت، كانو أحسن من الناس اللي عايشة دلوقت ياريت يرجعوا تاني يعيشوا وسطنا" هكذا قال "وليد محمد عبد الحكيم" أحد سكان حارة اليهود والذي أخبره جده أن اليهود الذين عاشوا في تلك الحارة لم يكونوا بنفس البشاعة التي يروج لها وأنهم كانو مسلمين ولكن بعقيدة يهودية مردفا " من ساعة ما مشيوا وحارة اليهود تحس أنها ماتت كانو مديلها نفس وروح".
بينما الحاج "كرم "62 عاما يقول هو الآخر: إن يهود مصر كانوا يحبون مصر جدآ ويحترمون عاداتها وكانوا أقرب للمسلمين والمسيحيين من أهلهم وأحن إليهم منهم" مضيفًا "كانوا مبيفوتوش واجب لمسلم أو مسيحي، وفي حالهم وملهمش دعوة بحد والي تقصده في حاجة يحط رقبته قدامك... أبويا وأمي حكولي كدا".
"أنا عاشرتهم قبل ما يمشوا في 56 كانوا بيحبوا مصر وعيطوا وهما ماشين وسيبينها...كان على عينهم يسيبوها" هكذا قالت الحاجة" زينب" 82 عاما وهي من أقدم سكان حارة اليهود
بينما قال الحاج "رشاد يوسف" 58 عاما هو الآخر: إن يهود حارة اليهود كانوا من أطيب الذين سكنوا هذة الحارة مضيفًا" محدش هيجي زي الناس دي في معاملتهم واحترامهم وادبهم وضميرهم في صنعتهم"
الأمر يحتاج إلي نظرة علمية أكثر منها شعورية يجيبنا الدكتور " سامي أنور حسن" أستاذ علم نفس الاجتماع بجامعة الإسكندرية فيقول: إن اليهودي بطبيعة الفطرية قادر على التجانس بمن حوله بل والتطبع على سجاياه بحيث إنه يصبغ بلونه حتى يتمكن من الاستمرار بالعيش بجانبه مضيفًا" المصريين بطبيعتهم رومانسيون ويتأثرون بأقل الأشياء وتترك في نفوسهم ذكرى وجرح معا، ولعل تلك المشاعر سببها أن اليهود عرفوا كعادتهم أن يلعبوا على وتر العاطفة في نفوس الشعوب ".
نقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.