الاحتفال باليوم العالمي للشعوب الأصلية في 9 أغسطس.. يبلغ عددهم 370 مليونًا.. والدراسات تؤكد أنهم يعانون من تغيير المناخ والتمييز العرقي والتهميش
يحتفل العالم يوم 9 أغسطس 2013 باليوم العالمي للشعوب الأصلية تحت شعار "بناء تحالفات الشعوب الأصلية - تشريف المعاهدات والاتفاقات وغيرها من الترتيبات البناءة".
ويهدف موضوع هذا العام إلى تسليط الضوء على أهمية تكريم الترتيبات بين الشعوب الأصلية والدول ومواطنيها، اللواتي اختيرت للاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية في أراضيها ووضع إطار للعيش في القرب والدخول في علاقات اقتصادية.
وترسم الاتفاقات أيضا الخطوط العريضة لرؤية سياسية للشعوب ذات سيادة مختلفة يعيشون معا على نفس الأرض وفقا لمبادئ الصداقة والتعاون والسلام.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت الاحتفال باليوم الدولي للشعوب الأصلية في العالم في 9 أغسطس لأول مرة في ديسمبر 1994، على أن يحتفل به سنويا في أثناء العقد الدولي الأول للشعوب الأصلية (من 1995 إلى 2004).
وفي عام 2004، أعلنت الجمعية العامة العقد الدولي الثاني للشعوب الأصلية في العالم، الذي يمتد من 2005 إلى 2015، وموضوعه هو ’’عقد للعمل والكرامة‘‘.
وأشارت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو في رسالتها بهذه المناسبة إلى أن الاحتفال باليوم الدولي للشعوب الأصلية في العالم تأتي بأهمية التحالفات البناءة والاتفاقات المجدية والترتيبات الكفيلة بحماية حقوق الشعوب الأصلية.
وفي عالم يشهد تغيرا بيئيا سريعا وتعيش مجتمعاته تحولات عميقة يجب أن يكون التضامن - الذي يتجلى عبر عقد تحالفات بين جماعات السكان الأصليين وشركاء من غير السكان الأصليين - المبدأ الرئيسي الذي نسترشد به لصون وحماية ما تنفرد به هذه الشعوب من هويات ولغات ونظم معرفية ورؤى للعالم، ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة إذ نحن بصدد تحديد ملامح خطة التنمية العالمية الجديدة لما بعد عام 2015.
وذكرت بوكوفا أن اليونسكو ترى أن الاستدامة العالمية يجب أن تقوم على ركائز محلية تعبر عن رؤى واحتياجات المجتمعات المحلية بما فيها رؤى واحتياجات الشعوب الأصلية.
وأضافت: "ولهذا السبب فإننا نسعى إلى إدماج الثقافة في صميم عملية التنمية - بوصفها منبعا يعزز الشعور بالهوية والتماسك ومصدرا للإبداع والتجديد، فلا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر بدون ثقافة - وعلى ذلك لا يمكن لأي تنمية أن تكون مستدامة بدونها، وهو أمر تعرفه الشعوب الأصلية أكثر من سواها فهى تقوم بدور الحارس الأمين للثراء اللغوي والتنوع الثقافي، وتملك معارف فريدة من نوعها بشأن أنماط العيش المستدام واحترام التنوع البيولوجي".
وأكدت بوكوفا أننا بحاجة إلى تحالفات جديدة تروج هذه الرؤية - على نطاق منظومة الأمم المتحدة وفي الدول الأعضاء وداخل المجتمعات وفيما بينها، ولهذا السبب تسعى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) سعيا حثيثا إلى التعاون مع الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية.
وتتولى اليونسكو عن طريق برنامجها المعني بنظم المعارف المحلية ومعارف الشعوب الأصلية، قيادة الجهود المشتركة بين الوكالات لإدراج معارف الشعوب الأصلية، شأنها شأن العلوم الأخرى في التقرير التقييمي الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الذي سيصدر في عام 2014 والمعنون "آثار تغير المناخ وأشكال التكيف معه ومدى التأثر به".
وبالمثل، يسلم المنبر الدولي الحكومي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES) المنشأ حديثا بأهمية التنوع البيولوجي بالنسبة للسكان الأصليين وبإسهامهم الحيوي في صونه.
وتقود اليونسكو بالنيابة عن أمانة المنبر الجهود الرامية إلى وضع اتفاقات بناءة وذات منفعة مشتركة مع الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية.
ويسلم إعلان الأمم المتحدة لعام 2007 بشأن حقوق الشعوب الأصلية بأن "احترام معارف الشعوب الأصلية وثقافاتها وممارساتها التقليدية يساهم في تحقيق تنمية مستدامة ومنصفة للبيئة وفي حسن إدارتها".
وانطلاقا من هذه الرؤية وبغية حماية حقوق جميع الشعوب الأصلية، نحن بحاجة إلى عقد تحالفات واتفاقات وترتيبات جديدة لتحقيق الاستدامة العالمية، وهذا هو التعهد الذي تقطعه اليونسكو على نفسها بمناسبة اليوم الدولي للشعوب الأصلية في العالم.
وتؤثر التغيرات المناخية تأثيرا كبيرا على الشعوب الأصلية بشكل خاص، حيث لا تزال نسبة كبيرة من السكان الأصليين تعيش في تناغم مع الطبيعة، سواء في المنطقة القطبية الشمالية أو الغابات الاستوائية أو المناطق الساحلية النائية والمناطق الجبلية.
لكن تبعات التغير المناخي تؤثر بشكل خاص على هذه الشعوب، ولا يعتبر هذا السبب الوحيد للتركيز عليهم في النقاش الدائر حول المناخ، فالعديد من المناطق التي يعيشون فيها وخصوصا الغابات، تتمتع بأهمية خاصة في سياق حماية المناخ العالمي، فالتغيرات المناخية والتصحر والتلوث وخفض الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات قضايا تقع على رأس أولويات الشعوب الأصلية، خصوصا أن العوامل الطبيعية تسببت في هجرة 42 مليون شخص وتشردهم في آسيا خلال عامي 2010 و2011، بحسب تقرير بنك التنمية الآسيوي.
فالشعوب الأصلية معرضة بشدة للآثار الناجمة عن تغير المناخ، كون الأغلبية تعيش في مناطق لها طابع بيئي حساس مثل المنطقة القطبية الشمالية والغابات الاستوائية والمناطق الساحلية والجبال والصحاري.
وأشارت اللجنة الدولية للمناخ (IPCC) في آخر تقرير لها، إلى أن الشعوب الأصلية تتأثر وتعاني بشكل خاص من تغير المناخ.
ويرجع هذا أساسا إلى أنهم يعيشون غالبا في مناطق تتميز بنظم بيئية هشة تقع في مناطق من العالم لا يمكن الوصول إليها بسهولة، وللمفارقة، فإن هذه العزلة الطويلة هي التي ساهمت في حماية مناطقهم من التدخلات الخارجية.
لكن مع الطلب الكبير على المواد الخام في بداية العصر الصناعي، أصبحت صحراء أفريقيا ومنطقة التندرا في القطب الشمالي وأيضا الغابات الاستوائية المطيرة في الأمازون محط أنظار جهات خارجية، وترتب على ذلك عواقب وخيمة في بعض الأحيان، ولا سيما بالنسبة لمناطق الغابات التي تعاني من القطع الجائر للأشجار، كما أن ما يصل إلى خمسة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميا تنتج عن إزالة الغابات، وذلك بحسب دراسة أجرتها الجمعية الألمانية للتعاون الدولي.
ونظرا إلى أن الكثير من الشعوب الأصلية تعيش في الغابات وتعتمد عليها في الغذاء فقد تم في مؤتمر المناخ العالمي في بالي عام 2007، اعتماد برنامج يتضمن مجموعة متنوعة من المشاريع الدولية تهدف في مجملها إلى الحد من الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدميرها، ويدخل أيضا بيع شهادات الانبعاثات وحماية المناطق الحرجية في صلب ذلك البرنامج.
ومع ذلك، فإن المنظمات المهتمة بالشعوب الأصلية، مثل شبكة البيئة الأصلية تنتظر منذ وقت طويل مشاركة ممثلين عن تلك الشعوب بشكل مباشر في المفاوضات الجارية حول المناخ.
وتخشى هذه المنظمات من أن الأموال التي يمكن أن يدرها الإتجار في شهادات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ستؤدي إلى تزايد الرغبة في الاستفادة من الموارد المتوفرة في المناطق التي يسكنها السكان الأصليون.
وعلى أية حال نادرا ما أنشأت دولة ما منطقة محمية من أجل سكانها الأصليين، ولم يتغير الوضع بصدور إعلان الأمم المتحدة عام 2007 بهذا الخصوص.
وفي مؤتمر التنمية المستدامة في ريو دي جانيرو "ريو +20"، دعت منظمات السكان الأصليين إلى بناء مشاركتها في حماية المناخ على أساس سليم من الناحية القانونية.
ولكن لم يتم الاستجابة إلى تلك الدعوات فالحكومات تولي اهتماما أكبر للأزمة المالية يفوق اهتمامها بحل قضايا البيئية والاجتماعية، بحسب ممثلي السكان الأصليين الذين أعربوا عن معارضتهم للبيان الختامي الرسمي لمؤتمر ريو 20.
وطالما لايبدو هناك استعداد لحماية أراضي السكان الأصليين من التلوث ولمنع الاستيلاء على الأراضي من قبل المستوطنين وشركات الأخشاب والتعدين فلدى الكثير من الشعوب أيضا مخاوف أخرى بخلاف وضع المناخ العالمي.
ويعمل ديونيس زنك مع جمعية "الهنود الحمر وحقوق الإنسان"، من أجل حصول الشعوب الأصلية في أمريكا الشمالية على حقوقها، وشهد بنفسه، كيف تمت التضحية بمبادرته التي كونها من أجل حماية الغابات والحياة البرية - من أجل المصالح الاقتصادية لكندا، وتسبب تدمير الغابات بدوره في تدمير البيئة التقليدية لحياة السكان الأصليين.
وتشير دراسة أعدتها الجمعية الألمانية للتعاون الدولي والتي حملت عنوان "الشعوب الأصلية وتغير المناخ"، إلى أن حماية ثقافة السكان الأصليين تعود بالفائدة على الجميع، ومن الأهمية بمكان أن تتم موائمة المشاريع الإقليمية بحيث تتناسب مع احتياجات السكان المحليين.
وهناك بالفعل عدد كبير من المشاريع الصغيرة التي أنشئت خصيصا من أجل فائدة السكان المحليين، كهنود "الساتري- ماوي" الذين يسكنون في غابات الأمازون، وهم على سبيل المثال يديرون جمعية لتجارة الأعشاب الطبية مثل الغوارنا وزيت خشب الورد والكرز.
وفي هذا السياق، تتمثل الشروط الأكثر أهمية في بيع هذه المنتجات بسعر مناسب واتباع أساليب مستدامة في الزراعة والتوزيع.
وتقدم منظمات التجارة العادلة بتوفير وسائل بديلة لتوزيع المنتجات خارج منطقة الأمازون بأسعار عادلة.
وتعمل شعوب أخرى على نحو مماثل، مثال على ذلك شبكة إنقاذ التايغا، وهى المنظمة التي تمثل شعب "الخانتي" في مستنقعات وغابات غرب سيبيريا ومناطق السامي والنرويج والسويد وفنلندا وتدعم تلك الشبكة الاستغلال التقليدي للغابات البكر.
وعلى النقيض من الاستغلال الحديث للغابات، يمكن لشعوب التايغا الحصول على الغذاء والدواء وأشياء أخرى ضرورية للحياة دون التدخل في الدورة الطبيعية أي دون قطع الأشجار.
وتشكل التجارة في ثمار التوت واللحوم والفطر والنباتات الطبية عاملا اقتصاديا هاما لشعوب التايغا، والذين تقدم لهم الحكومات المعنية حماية كافية. وهذا في الواقع وضع مربح للجانبين فمن يحمي الثقافات الأصلية، يحقق فائدة ذاتية.
وكما يقول ديونيس زنك، فإن الشعوب الأصلية يمكن أن تقدم حلولا بشأن كيفية تحقيق الفائدة الاقتصادية مع وضع عامل الاستدامة في الاعتبار، فالشعوب الأصلية قامت بتغذية حضارات بأكملها، دون اللجوء إلى الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية والنفط.
وتفيد التقديرات بأن عدد السكان الأصليين في العالم يبلغ 370 مليونا، مما يمثل نحو 5 % من مجموع سكان العالم، ويصل عدد لغات الشعوب الأصلية إلى أكثر من 5000 لغة في ما يزيد على 70 بلدا منتشرة في قارات العالم الست؛ كما أن من المعتقد أن 75% تقريبا من جميع اللغات مازالت باقية.
وفي حالات كثيرة، فإن ممارسات هؤلاء السكان التي تحرص على استدامة البيئة تعمل على حماية جزء مهم من التنوع الحيوي في العالم.
وعلى الرغم من تكريس الأمم المتحدة عقدين للشعوب الأصلية، فإن هذه المجموعة من الشعوب ما زالت تواجه مظاهر تمييز خطيرة فيما يتعلق بالانتفاع بالخدمات الاجتماعية الأساسية، بما فيها التعليم والرعاية الصحية.
ويعاني عدد كبير من هذه الشعوب من أوضاع معيشية مهمشة وغير مستقرة، ويعود ذلك عادة إلى عمليات النزوح الإجبارية والآثار الناجمة عن العولمة وتغير المناخ.