الصراع على الكعكة الصفراء في النيجر، فرنسا تخسر منجم اليورانيوم المجاني في نيامي، ولعبة موت بين روسيا والغرب بحديقة باريس الأفريقية
فور عزل رئيس النيجر محمد بازوم في انقلاب نفذه الحرس الرئاسي وأيده الجيش في الـ26 من يوليو الماضي، كان ذلك إيذانا بتفجر الأوضاع وعلى الفور، لم تتردد قوى عالمية بارزة في الدخول على خط الأزمة، مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، وغيرها، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة خلف ذلك.
الهوس الدولي بالوضع في النيجر
يفسر البعض سبب هذا الهوس الدولي بالوضع في النيجر بأنها مركز للعمليات الغربية ضد المتطرفين في منطقة الساحل الأفريقي، وهي عمليات تقودها فرنسا، لكن الأمر أعمق من ذلك، بحسب متخصصين في الشأن السياسي، حيث يرون أن ثروة البلاد من اليورانيوم تشكل محركًا أساسيًا للأحداث في نيامي، حيث سارع الانقلابيون إلى وقف تصدير هذه المادة إلى فرنسا في أول قراراتهم.
ويطلق كثيرون اسم "الكعك الأصفر" على اليورانيوم النيجري، وهو من شأنه أن ينتشل البلاد من مأزقها الاقتصادي، لكن طيلة السنوات الماضية لم يتحقق ذلك، ولا تزال عجلة التنمية متعثرة ويستمر الوضع الاقتصادي في التردي.
"الكعك الأصفر"
رغم الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحت وطأتها النيجر، فإن هذا البلد يتمتع بثروة مهمة من اليورانيوم مكنته من أن يكون محط أنظار قوى عالمية بارزة، إذ تشير الرابطة النووية العالمية إلى أن "النيجر تعد سابع منتج لليورانيوم في العالم".
طالع أيضا: الموارد الاقتصادية للنيجر.. تمتلك احتياطيا كبيرا من اليورانيوم والذهب والبترول.. وسيناريوهات صعبة لنيامي بسبب الانقلاب
ويستخدم اليورانيوم في توليد الكهرباء من الطاقة النووية، وتعد النيجر من أكبر موردي هذه المادة إلى أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص، وتستعمل دول القارة العجوز اليورانيوم في علاجات السرطان، وللدفع البحري، وفي الأسلحة النووية.
أرقام رسمية نشرتها الرابطة النووية العالمية، تقول إن النيجر زودت دول التكتل الأوروبي بنحو 25 في المئة من إمدادات اليورانيوم، وأنتجت البلاد عام 2022 نحو خمسة في المئة من إنتاج التعدين العالمي.
من جانبه، يقول الباحث السياسي المتخصص في الشأن الدولي نزار مقني: إن "أرض النيجر تنتج كعكًا أصفر يوفر 35 في المئة من الوقود النووي لفرنسا، و25 في المئة من كهرباء التدفئة لأوروبا. ويشكل اليورانيوم ثروة مطلوبة جدًا دوليًا، وهو ما يجعل منه عنصرًا رئيسًا من عناصر الأزمة الراهنة في البلاد".
وأشار مقني إلى أنه "على رغم التراجع النسبي لأهمية الطاقة النووية في أوروبا خلال العشرية الماضية (خصوصًا بعد حادثة تفجر مفاعل فوكوشيما الياباني)، فإن أهميته بدأت في التزايد مع حرب الطاقة التي اندلعت مع دخول أول دبابة روسية للأراضي الأوكرانية في فبراير 2022".
اكتشاف أول مناجم اليورانيوم
وكشف مقني أن "الانقلاب قد يجعل المصالح الفرنسية مهددة بشكل فعلي، فبيضة القبان التي تستغلها باريس منذ عام 1971 – تاريخ اكتشاف أول مناجم اليورانيوم – بثمن بخس لا يوفر إلا 1.2 في المئة من المساهمة في ميزانية النيجر".
ولم تتردد فرنسا منذ البداية في إدانة الانقلاب الذي قام به قائد الحرس الرئاسي في النيجر عبدالرحمن تياني، وذلك فيما تحتفظ باريس بـ1500 جندي في قاعدة نيامي العسكرية، في حين تدير شركة "أورانو" الفرنسية عملية تعدين لليورانيوم في شمال النيجر، بينما أغلقت الشركة منجمًا كانت تستغله عام 2021، وتعمل الآن على تطوير منجم آخر.
محطات الطاقة النووية الفرنسية
وكان لافتًا بيان نشرته الشركة الفرنسية قالت فيه إنها تواصل التعدين على رغم الأحداث الأمنية الجارية في النيجر، كاشفة عن أن "محطات الطاقة النووية الفرنسية استحوذت على أقل من 10 في المئة من إنتاج الشركة من اليورانيوم في النيجر".
وقد بدأت شركة "أورانو" تعدين اليورانيوم فعليًا في النيجر عام 1970، وعززت مكاسبها مع نجاح باريس في تكريس البلاد كحليف قوي لها في المنطقة، لكن يبدو أن الرياح تسير بعكس مصالح البلاد.
وتتمتع النيجر بعديد من المواقع والمناجم التي يتم استغلالها لاستخراج اليورانيوم، لكن هناك مناجم أخرى تعطل بدء العمل فيها بسبب كارثة فوكوشيما التي حدثت عام 2011، ففي مدينة أرليت الواقعة جنوب البلاد، كان من المحتمل أن يتم البدء العمل في موقع تعدين "إيمورارين" الذي قدرت احتياطاته بـ200 ألف طن عام 2015، لكن انخفاض أسعار اليورانيوم أدى إلى تجميد هذا المشروع إلى حين تحسن الأسعار قبل استغلاله.
اقرأ للمزيد: النيجر تعلق تصدير اليورانيوم.. كيف ستردّ فرنسا؟
وبدورها، تدير شركة "أورانو" مع شركة "سومير" المملوكة للدولة النيجرية أنشطة استخراج واستكشاف اليورانيوم في البلاد، وتقع معظم المناجم والمواقع بالقرب من مدينة أرليت.
"أكوتا لليورانيوم"
ومن أبرز المناجم نجد "أكوتا لليورانيوم"، وهو منجم تحت الأرض ويقع غرب أرليت، وكان ينتج نحو 75 ألف طن من اليورانيوم منذ عام 1978 قبل أن يتم إغلاقه في مارس عام 2021 بسبب استنفاد احتياطاته من الخام.
وفي السابق، قبل الانقلاب، كانت الشركة الفرنسية تركز جهودها على زيادة استثماراتها في النيجر من 100 مليون يورو إلى 150 مليون يورو كقروض ومنح، لكن هذه الاستثمارات الهائلة، والتي توفر لفرنسا إمكانات ضخمة، تواجه انتقادات حادة، سواء على مستوى تداعياتها على البيئة أو عائداتها، حيث يغرق السكان في النيجر في الفقر المدقع على رغم هذه الثروات.
وأعلنت اللجنة المستقلة للبحوث والمعلومات حول النشاط الإشعاعي التي تتخذ من فرنسا مقرًا، إنه "بعد إغلاق منجم أكوتا لليورانيوم، ترك للسكان المحليين 20 مليون طن من المواد المشعة في موقع المنجم لكي يتعايشوا معها".
ولم تتوقف أوساط سياسية معارضة ومنظمات غير حكومية في النيجر عن انتقاد ما يصفونه باستغلال فرنسا لثروات البلاد من اليورانيوم من دون تحقيق فوائد تذكر على الحياة اليومية للسكان.
الغموض يخيم على الوضع، وفي ظل التراشق بالاتهامات بين فرنسا والانقلابيين في النيجر، وتلويح باريس برد فوري في حال الهجوم على مصالحها، من غير الواضح ما إذا سيهدي القادة الجدد في نيامي "الكعك الأصفر" النيجري إلى روسيا على حساب فرنسا التي لا تزال تحتفظ بقوات عسكرية لها على الأرض، لكنها تبدو عاجزة بشكل كبير على وضع حد لتدهور الوضع على نحو لا يخدم مصالحها.
واستطرد نزار مقني: "صحيح أن الأطماع تتمحور حول اليورانيوم، لكن النيجر ككل منطقة واعدة اليوم، خصوصًا في الشرق والمثلث الحدودي مع مالي وبوركينافاسو، حيث توجد مناجم من الذهب، تحتوي على ثروات أخرى تستعمل في الطاقات المتجددة مثل الليثيوم الخام".
مخاوف دول الاتحاد الأوروبي
أثار الانقلاب العسكري مخاوف في دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في فرنسا، بشأن تأثيره المحتمل على استيراد اليورانيوم لتشغيل محطات الطاقة النووية.
والنيجر، البلد الذي يقع في منطقة الساحل الصحراوية، ويبلغ عدد سكانه 20 مليون نسمة، أنتج 2020 طنا في عام 2022، وهو ما يعادل أكثر من 4 في المئة من الناتج العالمي، وفق الجمعية النووية العالمية (WNA)، وهي منظمة دولية معنية بتعزيز الطاقة النووية ومقرها بريطانيا.
وتتضح أهمية هذا البلد الأفريقي بالنسبة للاتحاد الأوروبي باعتباره موردا رئيسيا لليورانيوم. وقالت وكالة الطاقة النووية في الاتحاد الأوروبي "يوراتوم" إن النيجر كانت ثاني أكبر مورد لليورانيوم إلى الكتلة، العام الماضي، إذ تسلمت منه 2975 طنا، وهو ما يعادل 25.4 في المئة من إمدادات الاتحاد منه، وفق رويترز.
ثالث مورد لليورانيوم لفرنسا
وطوال الفترة الممتدة من 2005 إلى 2020، كانت النيجر ثالث مورد لليورانيوم لفرنسا، إذ ساهمت في تأمين إمداداتها بنسبة 19 في المئة منه، بعد كازاخستان وأستراليا، وفقا لوكالة الطاقة النووية في الاتحاد الأوروبي "يوراتوم".
وتعليقا على أهيمة اليورانيوم، قالت صحيفة واشنطن بوست: إنه أدى على مر السنين إلى وضع النيجر في دائرة الضوء العالمية. واتضح هذا الأمر في عام 2003، عندما تحدثت معلومات استخباراتية عن محاول نظام الرئيس العراقي صدام حسين شراء 500 طن من اليورانيوم من النيجر.
وبعد الانقلاب الأخير، قرر الاتحاد الأوروبي وقف دعمه المالي للنيجر، وهددت الولايات المتحدة بفعل الشيء ذاته.
فيما قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في بيان: "بالإضافة إلى وقف دعم الميزانية فورا، جرى تعليق جميع إجراءات التعاون في مجال الأمن لأجل غير مسمى وبأثر فوري".
أما "أورانو"، الشركة المتخصصة في دورة الوقود النووي، التي توظف 900 شخص في البلاد، معظمهم من الموظفين المحليين، الخميس الماضي، فذكرت إنها تراقب عن كثب وضع مناجم اليورانيوم.
ثم في بيان لاحق، أعلنت الشركة التي تعمل في البلاد منذ ما يقرب من 50 عاما أن أنشطتها لم تتأثر بسبب الوضع السياسي.
من جانبه، يرى آلان أنتيل، مدير مركز أفريقيا جنوب الصحراء في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، في تصريحات لفرانس برس أن النيجر بالنسبة لهذا المعدن "لم تعد الشريك الاستراتيجي لباريس كما كانت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي".
وقد سارعت الحكومة الفرنسية وخبراء الطاقة في التأكيد على أن التوترات لن يكون لها أي تأثير فوري على احتياجات فرنسا من اليورانيوم، إذ يستمر استخراج المعدن، وفي حالة توقفه، يمكن أن تغطي المخزونات الحالية ما يقرب من عامين.
اقرأ أيضا: عسكر النيجر يخسرون حرب "اليورانيوم" قبل المعركة
والاثنين الماضي، أشار بيان صادر عن وزارة الخارجية الفرنسية إلى أن انخفاض اليورانيوم سيكون له تأثير ضئيل لأن "إمداداتنا متنوعة للغاية".
وضع اليورانيوم
فيما قال إيمانويل جريجوا، مدير الأبحاث في معهد أبحاث التنمية، وهو وكالة حكومية فرنسية، لصحيفة لوموند إنه يستبعد تغير الوضع الراهن بالنسبة لليورانيوم، مشيرا إلى أنه بعد انقلاب عام 1974، الذي أطاح أول حكومة ما بعد الاستعمار في البلاد، جرت مفاوضات بشأن شروط العقود، لكن لم يكن هناك أي رغبة في طردهم".
وترى واشنطن بوست أنه من غير الواضح ما إذا كان الانقلاب سيؤثر على الإنتاج، ولكن جميع الدول الأخرى التي شهدت انقلابات عسكرية في السنوات الأخيرة كانت غنية بالموارد، ولم تشهد سوى القليل من الاضطرابات في عمليات التعدين على الرغم من التغييرات في السلطة.
إلا أن الصحيفة تشير أيضا إلى أنه بالنظر لحالة عدم اليقين في الوضع الحالي، "هناك أسئلة جديدة تحيط بصناعة اليورانيوم في النيجر: ماذا سيحدث لمصالح فرنسا؟ وهل ستحصل الدول الأخرى، خاصة روسيا، على تنازلات من المجلس العسكري وامتيازات في الموارد الطبيعية؟".
وتكشف الصحيفة أيضا عن مشكلات بيئية تجعل اليورانيوم قضية مهمة، بعد أن وثق مراقبون بيئيون حوادث إهمال تركت مستويات خطيرة من النفايات المشعة بين السكان المحليين، الذين يعيشون بالقرب من المناجم.
مخزونات كافية من اليورانيوم
من جانبها، قالت المفوضية الأوروبية إن الكتلة المكونة من 27 دولة لديها "مخزونات كافية من اليورانيوم للتخفيف من أي مخاطر إمدادات قصيرة الأجل".
إلا أن الانقلاب، وفق بولتيكو، قد يمثل تحديا لأوروبا من ناحية تأمين احتياجاتها من اليورانيوم على المدى الطويل، على غرار محاولتها التخلص التدريجي من الاعتماد على روسيا، وهي مورد رئيسي آخر لليورانيوم المستخدم في المحطات النووية الأوروبية.
ومن شأن التوترات في النيجر أن تثني الاتحاد الأوروبي عن تبني عقوبات ضد روسيا في القطاع النووي، وفقا لفوك فينه نجوين، خبير الطاقة في معهد جاك ديلور في باريس، نقلا عن فرانس برس.
من جانبه، قال نجوين: "الطاقة النووية بشكل عام لاتزال غير خاضعة للعقوبات. إذا ساء الوضع في النيجر، فإن هذا سيعقد بالتأكيد تبني عقوبات على اليورانيوم الروسي على المدى القصير".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.