رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تُغير مصر منظومة العلاقات الدولية (2)


كان استهداف الولايات المتحدة بما وصفته بـ"الخطر الإسلامي الأخضر"، مُتماشياً مع استراتيجية خطط لها الغرب قبل سنوات من سقوط "الإمبراطورية العُثمانية". فلقد شكلت تلك الدولة أو ما سبقها في الأندلس، تهديداً حقيقياً لأوروبا في فترة ما، تجسدت نهايته الحربية سواءً في معركة "بلاط الشهداء" في الغرب الأوروبي ببواتييه بفرنسا في أكتوبر عام 732 م بين مسلمين تحت لواء الدولة الأموية وفرنجة فرنسا، أو من الناحية الشرقية لأوروبا في معركة "حصار فيينا" في سبتمبر 1683 بين الدولة العُثمانية وقوات أوروبية.

لذا، كان مُهماً أن يتم تقويض قوة الدولة العُثمانية للأبد وبالذات مع بدء انهيارها مع عقدها اتفاقية "كيتشوك كاينارجي" مع روسيا سنة 1774، بحيث لا تضر بمصلحة أوروبا في المستقبل القريب أو البعيد. وقد كان المفتاح الرئيسي لفعل هذا، هو القيام بتشويه الهوية التي تسببت في كل تلك الغزوات من تلك الدولة، بحيث يتم عرقلة التنمية فيها نهائياً. بل كان أهم ما قامت عليه تلك الاستراتيجية، هو قلب تلك الهوية الإسلامية، ليكون لها آثر مُضاد. وكان أساس عمل ذلك، هو أن تكون هناك مؤسسة مسئولة عن ذاك الفعل، تعمل بحمل الفكرة وكأنها "الشركة" المسئولة عن هذا المشروع.

وهكذا نشأت "جماعة الإخوان المسلمين" برعاية بريطانية، وكان هدفها الأساس هو شيطنة الإسلام، وتجسيد الجماعة لذاك المخلوق الجديد بحيث ينقلب إلى دين "إرهابي" والعياذ بالله، ويُصبح الشكل مختلف عن المضمون. وكان من أهداف الإخوان دوماً، التفريق الدائم بين الهوية الدينية والوطنية والقومية للمواطنين في مصر أو أي دولة يكونون فيها، وأن يُمارسوا الإرهاب بها أو يكون لهم وكلاء يقومون بذلك وقد ثبُت أن تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية، لعبا دور التنظيم السري للإخوان لفترات، إلى جانب تنظيمات إرهابية أُخرى انبثقت عن الجماعة.

لقد شهدت الفترة المُمتدة ما بين العام 1928 وحتى وقت قريب، الصراع المُستمر ما بين الهويات الثلاث الأساسية في الكثير من دول المنطقة العربية، وصار لكل هوية مريدين ورؤساء مُمثلين لها في تاريخ تلك الدول، بحيث أصبح الصراع له مُعسكرات، دونما أن تتوقف الدولة لتحسم هذا الأمر وتؤكد على هويتها الجامعة!!

ولذا وعندما نشأ الصراع المصري السعودي وتعرض الرئيس عبد الناصر للملك سعود في منتصف الخمسينات، نصح الأمريكيون السعوديين، بأن يلجأوا إلى "القومية الإسلامية" لمواجهة "القومية العربية" التي كان عبد الناصر هو قائدها. وبالتالي بدأت السعودية تلعب على هذا الخط، للتصدي للهجوم الناصري عليها، واستضافت في سبيل ذلك جماعة الإخوان، التي سرعان ما انقلبت على السعودية!!

وقد تطور الأمر، ليُصبح حرباً بين مصر والسعودية على أرض اليمن في إطار ثورة الأخيرة، ولكن هذا الصراع انتهى بهزيمة يونيو 1967. ومع تلك الهزيمة حل مؤتمر القمة العربية في الخرطوم، وكان القرار بالدعم المالي للمجهود الحربي من كل من الكويت والسعودية لدول المواجهة. ثم كان أن خرجت منظمة المؤتمر الإسلامي للوجود سنة 1969، لتُعلن نصر القومية الإسلامية على تلك العربية، بقوة الأولى على المستوى السياسي والشعبي حينها (نظراً لهزيمة يونيو وتوجه الناس وقتها أكثر لله) ولتدخل السعودية مصر بثقافتها من أوسع الأبواب.

وهكذا كانت الساحة مُعدة في السبعينات، الذي كان عقد المُتأسلمين باقتدار. فأفرج السادات عن الإخوان في مصر واغتيل منهم وتم حصار الحرم المكي من متطرفين سعوديين في 1979 وأخرجوا بمواجهات مُسلحة وحدثت الثورة الإسلامية في إيران في 1979 أيضاً والغزو الروسي لأفغانستان وما كان من توريد مُتأسلمين للحرب فيها، بإدارة أمريكية، لإبعادهم عن إسرائيل ولمواجهة الروس بالوكالة، وظن القادة العرب بذا، أنهم تخلصوا من المُتطرفين، ولكنها كانت البداية الحقيقية للاستهداف!!

وللحديث بقية،
تحيا مصر
الجريدة الرسمية