البحث عن مرشد.. هذا ما فعلته 9 سنوات في جماعة الإخوان.. القصة الكاملة للصراع بين أجنحة لندن وإسطنبول ومصر وحكاية المرشد المجهول لإخوان البنا
حالة من الصراع تشهدها جماعة الإخوان المسلمين منذ الإطاحة بحكم الجماعة كنتيجة مباشرة لثورة 30 يونيو، فقد تبع نجاح الثورة والإطاحة بحكم الإخوان القبض على قادة الجماعة ومرشدها الدكتور محمد بديع، وأصبح منصب المرشد شاغرا وفقا للائحة الجماعة، ومنذ ذلك الحين تحولت الجماعة إلى عدة جماعات لكل جماعة نهج وقيادة منفصلة.
فعلى أرض الواقع تحولت جماعة الإخوان حاليا إلى 5 أجنحة متصارعة يمكن القول إن لكل جناح مرشدا خاصا به، فهناك إخوان لندن الذين اختاروا قائما بأعمال المرشد في مارس الماضي، وهناك إخوان إسطنبول الذين رفضوا اجتماع لندن وقراراته واختاروا قائما باعمال المرشد، وهناك الإخوان في السجون الذين مازالت بيعتهم للدكتور محمد بديع قائمة، وهناك إخوان مصر الذين اختاروا أيضا قائما بأعمال المرشد، إضافة إلى إخوان الكويت الذين يرفضون جميع هذه الخيارات ويريدون انتخاب مرشد عام جديد للجماعة.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط كل هذه الصراعات: هل هذا الصراع جديد أم له سوابق تاريخية؟.. الإجابة على هذا السؤال قد تكون مرعبة لأنصار الجماعة.. فرغم أن هذا الصراع على منصب المرشد كان موجودا منذ اللحظة الأولى لتأسيس الجماعة إلا أن الانفجار الذي أحدثته ثورة 30 يونيو في صفوف التنظيم هو الأقوى والأعنف.
أحمد السكري وحسن البنا
منذ الوهلة الأولى لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 بدا أن هناك صراعا داخليا على منصب المرشد العام بين حسن البنا وأحمد السكري، وهو الصراع الذي بلغ أشده في عام 1946، حينما اتهمت الجماعة أحمد السكري بقضية التحرش الشهيرة، وفي عام 1947 صدر قرار بفصل أحمد السكري على خلفية هذا النزاع رغم أنه المؤسس الحقيقي وصاحب الفكرة.
صراع ما بعد البنا
بعد مقتل حسن البنا في 1949م ظلت الجماعة سنتين تبحث عن مرشد، وكان النزاع بين 3 مجموعات، الأولى هي كتلة الأزهرية والتي كان يتزعمها الشيخ محمد الغزالي وسيد سابق والشيخ أحمد حسن الباقوري الذي كان الأقرب لتولي منصب المرشد وقتها، وهذه الكتلة كانت ترى ضرورة أن يقود الإخوان شيخ أزهري لأنها جماعة دعوية.
والكتلة الثانية كانت ممثلة في المجموعة التي تلقت تعليما مدنيا والتي كانت تصارع لتنصيب عبد القادر عودة أو منير الدلة أو عمر التلمساني باعتبارهم رجال قانون، وانضم للصراع مجموعة ثالثة ممثلة في التنظيم الخاص الذي كان يري أن عبد الرحمن السندي هو الأصلح لمنصب المرشد.
وظل الصراع فترة بين المجموعات الثلاث حتى جاءوا بالمستشار حسن الهضيبي لأنه كان مقربا من حسن البنا والملك فاروق في نفس الوقت، وكانت الجماعة تحتاج لدعم حكومي، خاصة بعدما وقعت في خلافات مع الحكومة وحزب الوفد، إضافة إلى الاتهامات التي وجهت لها بالمسئولية عن عدة وقائع اغتيالات حينها.
جاءوا بالهضيبي وأقنعوه بالأمر، وتم ذلك في اجتماع بالإسكندرية حضره محمود عبد الحليم وعمر التلمساني وعبد القادر عودة.
صراع الأجنحة والمرشد السري في عصر السادات
بعد خروج الإخوان من السجون في بداية حكم الرئيس محمد أنور السادات كانت هناك رغبة من التنظيم الخاص وعلى رأسهم مصطفى مشهور بالانفراد بالسيطرة على منصب المرشد وفي نفس الوقت لم يلقَ هذا الكلام قبولا من السادات الذي كان متداخلا وقتها في هذا الأمر عن طريق عثمان أحمد عثمان ومحمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط الإخواني، واللذين أبلغا مشهور ورفاقه أنه من الصعب أن يكون مرشد الجماعة من أفراد التنظيم الخاص، لأن السادات أعاد الجماعة إلى كونها دعوية فقط.
الإخوان اضطروا وقتها لتعيين مرشد سري هو حلمي عبد المجيد -وهو ما أشار له القيادي الإخواني السابق ثروت الخرباوي في كتابه قلب الإخوان- وظل حلمي عبد المجيد مرشدا بشكل سري، وأخذت البيعة له بشكل سري، لكن لخداع السادات قامت الجماعة بتعيين متحدث رسمي باسم الإخوان وهو عمر التلمساني.
واختار مصطفى مشهور، الذي كان يحاول السيطرة على التنظيم، عمر التلمساني باعتباره يستطيع الحديث للرأي العام بشكل جيد رغم ملاحظاتهم عليه، ومنها شربه للسجائر وحبه للفن وسماعه للأغاني، وكان متحدثا رسميا في عام 1974.
أصبح حلمي عبد المجيد هو المرشد الفعلي والسري وأعيد تشكيل مكتب الإرشاد فأصبح أعضاء التنظيم الخاص أعضاء مكتب الإرشاد.
وحاول عمر التلمساني أن ينال رخصة حكومية فجلس مع السادات الذي اشترط عليه تخلص الجماعة من أفراد التنظيم الخاص وقال له السادات: “لا أعترف بالحلول الوسطى وأنا عرفت أنكم اخترتم مرشدا سريا وأنت مجرد صورة وأنا لا أقبل هذه الأمور، لكن إن كنتم تريدون رخصة حكومية فعليكم التخلص من أفراد التنظيم الخاص”.
ولما عاد التلمساني للجماعة وأخبرهم برد الرئيس السادات اضطروا لاختيار التلمساني مرشدا عاما بشكل رسمي في 1977.
صراع عمر التلمساني ومصطفى مشهور
ولكن رغم هذا كان المرشد الحقيقي الذي يدير الجماعة هو مصطفى مشهور وكان عمر التلمساني مجرد واجهة لذلك، وكانت هناك خلافات بين الطرفين، وقتها طلب التلمساني من مأمون الهضيبي أن يعود من السعودية لتعيينه عضوا في مكتب الإرشاد إلا أن الهضيبي انحاز لمصطفى مشهور، وطلب التلمساني كذلك من سليم العوا العودة من الخارج، إلا أن التلمساني وجد أن هناك رفضا من الجماعة لوجود العوا فتراجع عن ضمه لمكتب الإرشاد واختاره مسؤولا عن اللجنة القانونية، وفي البداية انحاز العوا للتلمساني، ولما استشعر الآخرون أن العوا يساند التلمساني فرضوا عليه أن يكون صلاح شادي رئيسا للجنة القانونية والعوا عضوا بها، وبذلك تم تحجيم دور العوا وتعظيم دور رجال مصطفى مشهور والتنظيم الخاص.
وفاة عمر التلمساني واختيار محمد حامد أبو النصر
بعد وفاة التلمساني أراد مأمون الهضيبي أن يساند مصطفى مشهور لمنصب المرشد، لكن كان هناك جناح معارض لمشهور وهم تلاميذ التلمساني، فاستدعى التنظيم محمد حامد أبو النصر ليكون واجهة في منصب المرشد العام ويديرها من الخفاء مصطفى مشهور المرشد الفعلي إلى أن توفي حامد أبو النصر عام 1996، فتمت بيعة المقابر على يد مأمون الهضيبي، حيث وقف في المقابر وبايع مصطفى مشهور وتلقى مشهور البيعة من بعض الأقسام واللجان، ولكن لم تتم البيعة كاملة إلا بعد ستة أشهر.
صراع مهدي عاكف ومحمد حبيب
بعد وفاة مأمون الهضيبي الذي أصبح مرشدا بعد مصطفى مشهور تم اختيار محمد هلال مرشدا مؤقتا، وكانت الأمور تتجه لاختيار محمد حبيب، ولكن خيرت الشاطر منع وصول محمد حبيب للمرشد، وتم التصويت لمهدي عاكف حتى يتمكن خيرت الشاطر ومحمود عزت من إدارة التنظيم، في حين يكون عاكف هو الواجهة التي تشغل الرأي العام بالمعارك اللفظية، نظرا لأنه شخصية مثيرة للجدل دائما، وهو نفس الأمر الذي تكرر وقت اختيار محمد بديع مرشدا، حيث تمت الإطاحة بمحمد حبيب، وأصبحت كل الجماعة تحت سيطرة خيرت الشاطر ومحمود عزت والتنظيم الخاص.
الصراع الأكبر وانشطار الجماعة
رغم كل هذه السوابق التاريخية إلا أن الصراع الحالي داخل جماعة الإخوان هو الأشرس على الإطلاق.
فما زال محمد بديع المرشد الحقيقي الرسمي على قيد الحياة، ولم يتم إسقاط منصبه، رغم أن اللائحة تنص على أنه إذا حدثت أمور حالت بين المرشد وبين القيام بمهام منصبه كأن يكون مريضا مرضا عضالا لا يرجى الشفاء منه أو مسجونا سجنا طويلا، ففي هذه الحالة يسقط منصبه، لكن لابد أن يأخذ مكتب الإرشاد قرارا بذلك الأمر، ولكن عند سجن محمد بديع اجتمع مكتب الإرشاد واختار قائما بأعمال المرشد، وليس مرشدا وهذه نقطة خلافية، فالبعض يريد استمرار منصب القائم بأعمال المرشد والبعض يريد إعلان مرشد جديد.
وبعد القبض على بديع كان هناك محمود عزت ما زال بالخارج، وقتها تم اختياره قائما بالأعمال، وبعد القبض عليه تم اختيار إبراهيم منير، وبعد وفاة إبراهيم منير اشتعل صراع الأجنحة.
إخوان لندن والدكتور صلاح عبد الحق
أعلن إخوان لندن في مارس الماضي اختيار الدكتور صلاح عبد الحق قائما بأعمال المرشد، وتضاربت المعلومات المتاحة حول الرجل، ففي حين يقدمه الإخوان كونه طبيب أمراض جلدية، قالت مصادر وثيقة الصلة بالتنظيم إنه طبيب أطفال مبتسرين، وكان رئيس قسم الأطفال بمستشفى المطرية التعليمي، وكان من الشخصيات المشهورة داخل التنظيم والمجهولة خارجها، وكان له دور في إعداد حضانات الأطفال المبتسرين في مستشفيات مصر، ومن خلال الحضانات تعامل مع الآباء والأمهات، وقدم صورة وردية عن الإخوان، وقام بتجنيد أعداد كبيرة للانضمام للجماعة على مدار أعوام طويلة، وكانت المستشفيات الحكومية والجامعية ضمن عمله.
من هو الدكتور صلاح عبد الحق؟
الدكتور صلاح عبد الحق هو ابن الدكتور الصيدلي عبد الحق صلاح الذي كان أحد قيادات الرعيل الأول للإخوان، ضم أبناءه وهم: صلاح عبد الحق، والدكتور عبد الحق عبد الحق صلاح الذي كان يعتمد على الأدوية التركيب، وكان يتفق مع إحدى سلاسل الصيدليات الشهيرة على هذه الأدوية، وكانت عيادته تعمل من الواحدة ظهرا حتى الرابعة فجرا، وكان يعالج أطفال الإخوان مجانا، وكان يتردد على عيادته يوميا المئات، وتوفي عبد الحق عبد الحق صلاح مصابا بسرطان في الدم.
صلاح عبد الحق الذي أصبح قائما بأعمال المرشد بدأ في الكتابة على المواقع الإخوانية منذ وصول الجماعة للحكم، وحاليا مقيم في لندن بعد أن ترك مصر بعد نجاح ثورة 30 يونيو.
إخوان إسطنبول ومحمود حسين وإخوان مصر
رغم إعلان إخوان لندن رسميا اختيار عبد الحق قائما بأعمال المرشد إلا أنه هناك في تركيا يعتبر محمود حسين نفسه قائما بأعمال المرشد.
وفي مصر هناك شخص مجهول قائم بأعمال المرشد وقرر الإخوان في مصر أن يغلقوا على أنفسهم خاصة بعد الكشف عن عمليه اغتيال النائب العام هشام بركات واتهام جمال حشمت ويحيى موسى بالضلوع في هذه العملية.
وبعد هذه العملية بعام قرر إخوان مصر أن يغلقوا على أنفسهم، وأن يهتموا بالتنظيم، فأصبح للجماعة قائم بأعمال مرشد مجهول في مصر، إضافة إلى أن صلاح عبد الحق يعد مجهولا هو الآخر، ويتعامل مع القيادات فقط ولا يعرفه إلا مجموعة من أطباء الإخوان.
قيادي سابق بالإخوان: ثورة 30 يونيو بركان انفجر داخل الجماعة
من جانبه يرى إبراهيم ربيع القيادي الإخواني السابق والباحث في الحركات الإسلامية أن ثورة 30 من يونيو 2013 كانت بمثابة بركان انفجر في مركز التنظيم أصابه بالتشظي، وأدى إلى تفكيك القمة والقاعدة في آن واحد، وتفتيت الكتلة الصلبة لتنظيم الإجرام الإخواني.
ويضيف ربيع: عقب ضبط محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم وتعيين إبراهيم منير خلفا له كان من أبرز تعليقات أعضاء التنظيم على هذا الحدث ما قاله عصام تليمة المقيم بين قطر وتركيا، حيث قال نصا: هل يوجد خونة بيننا؟ مشيرا إلى أن محمود حسين هو من أخرج عزت من مخبئه.
ويقول ربيع: جاءت أحداث يناير 2011 وكشف التنظيم عن حقيقته التآمرية وتخلى عن التقية السياسية التي ظل يمارسها طوال 90 عاما من التستر خلف الدين والمزايدة على الشعب وتمكن التنظيم من رأس الدولة المصرية وأصابه السعار في التمكين من مفاصل الدولة، ثم جاء زلزال 30 يونيو 2013 الذي ضرب مركز التنظيم في مصر، وأصاب التنظيم بالتصدع والتشظي وتحولت المعركة مع الشعب المصري، وهنا جاء العد التنازلي لنهاية التنظيم، وأصبح التنظيم محاصرا وتفرغ إلى الداخل التنظيمي العفن، وتفجرت المشكلات الواحدة تلو الأخرى.
وتابع: هناك تواريخ لا يمكن نسيانها ففي مارس 2017، اعترف المرشد العام السابق للجماعة محمد بديع، ضمن رسالة قام بتوجيهها من السجن إلى أنصاره، بأن الجماعة باتت تعاني من انشقاقات أساسية، وفي 2019 حدثان فارقان، فقد تسلمت السلطات المصرية المدعو محمد عبد الحفيظ، وتجددت مخاوف بعض القواعد التنظيمية من التعرض لنفس مصير عبد الحفيظ، واتهموا جبهة حسين وعزت ومنير صراحة بتسليمه إلى السلطات المصرية.
وأوضح أن الحدث الثاني كان في يوليو 2019 تم تسريب تسجيل صوتي، لأحد أعضاء مجلس شورى الجماعة، ويدعى أمير بسام، تحدث فيه بشكل صريح، عن وقائع فساد مالي ارتكبتها أكبر قيادات جماعة الإخوان في تركيا، وتحديدًا كل من محمود عزت وإبراهيم منير ومحمد البحيري، ثم جاءت الضربة القاصمة، وتمثلت في القبض على ثعلب التنظيم القطبي عزت في مخبئة، وتبادل أعضاء التنظيم وخاصة من الشباب المسؤولية عن تسليم عزت، ولكن تم الإعلان عن مرشدها الجديد لطمنأة قواعد التنظيم، وبهدف إرسال رسائل إلى الداعمين والممولين لها، للتأكيد على قدرتها على الصمود والاستمرار.
وقال ربيع: الضربات الأمنية المتلاحقة أحدثت تصدعا بين محاور إدارة التظيم (أنجلوأمريكية – تركية – قطرية) على القيادة الشاملة لهياكل التنظيم ورسم خطابه الإعلامي، وهذه الضربات أدت إلى شلل عقل الجماعة، وبات جسم الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان بلا رأس حقيقية، وأصبح ما يسمى بالقيادات التاريخية للتنظيم رهائن (لإرادات أنجلوأمريكية أو تركية أو قطرية)، وأصبح التنظيم بمثابة مجموعات متناحرة، وما زال البحث جاريا عن مرشد للتنظيم.
ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.