أزمة الدين العام أمس واليوم (2)
تشير بيانات الإنفاق العام المستهدف في الموازنة العامة الجديدة للعام المالى المقبل 2023/ 2024 إلى استحواذ خدمة الدين العام على النصيب الأكبر من الإنفاق العام بإجمالى بلغ نحو 2436 مليار جنيه تعادل نحو (78.9 مليار دولار) مقابل 1741 مليار جنيه (56.3 مليار دولار) خلال العام المالي الحالي وبنسبة زيادة بلغت 40%.
وتشير بيانات الموازنة المعتمدة من البرلمان مؤخرا إلى أن تلك الأعباء تتضمن قيمة فوائد الدين العام المحلي والخارجي الواجب سدادها خلال العام القادم بنحو 1120 مليار جنيه (36.3 مليار دولار) مقابل 775.2 مليار جنيه (25.1 مليار دولار) في العام المالي الحالي، بنسبة زيادة بلغت 44.5%، بينما تصل قيمة الأقساط الواجب سدادها من الدين العام المحلي والخارجي عن العام نفسه 1316 مليار جنيه (42.6 مليار دولار) مقابل 965.5 مليار جنيه (31.3 مليار دولار) في العام المالي الحالي بنسبة زيادة بلغت 36.3%.
وفى حين تشير بيانات الموازنة إلى استهداف تحقيق نحو 3 تريليون جنيه من الإيرادات العامة في العام المقبل تمثل الإيرادات من الضرائب والرسوم منها الجانب الأكبر بنسبة تصل إلى 70% فإن أعباء خدمة الدين العام المحلى والخارجى تتجاوز 114% من حجم الإيرادات العامة المستهدفة وهو مؤشر بالغ الخطورة ويتجاوز حاجز الأمان المتعارف عليه دوليا للاقتصاديات الناشئة ومنها مصر والمقدر أن لا تتجاوز أعباء خدمة الدين العام نسبة 60% فقط من جملة الإيرادات.
تقييد الاقتراض الخارجي
ومن تلك الأرقام يتضح أن أم الأزمات ومصدر كل المشكلات الاقتصادية التى تواجهنا حاليا سببها الرئيسى انفجار ارقام الدين العام وتصاعدها الصاروخى بما تشكله من ضغوط غير مسبوقة سواء على أبواب الإنفاق العام الأخرى المحدودة بطبيعتها، من أجور ودعم وتعليم وصحة ومرافق واستثمارات وصيانة لأصول الثروة القومية وخلافه.
كما تشكل ضغوط أكثر خطورة على حياة ومعيشة الناس متمثلة في إرباك سوق النقد والتأثير على سياسات الاستيراد والتصدير والاقتراض في ضوء محدودية مصادر النقد الأجنبى للاقتصاد المصرى وتأثر أهم مصادرها سلبا والمتمثل فى تحويلات العاملين بالخارج باضطراب أسواق النقد المحلية وتصاعد حجم السوق الموازية (السوداء).
إذا ما هو الحل.. لا سبيل للمواجهة إلا بتقييد الاقتراض الخارجى وقصره على مشروعات إنتاجية تدر عائد بالعملة الصعبة، كما حدث في نهاية الألفية الماضية بقرار حازم اتخذته الدكتورة فايزة أبو النجا وقتها، محددة سقف الاقتراض السنوى وقتها بنحو 1,2 مليار دولار حجمت فيه الانفلات الحكومى في الاقتراض الخارجى لتمويل مشروعات بنية تحتية او أساسية لا تدر عوائد، كما لعب الدكتور مدحت حسانين أيضا دور مهم فى تقييد الاقتراض الخارجى.
وأيضا قروض القطاع الخاص المضمونة من الحكومة وكذا تبنى برنامج لهيكلة الدين العام والسيطرة على نفقات تسيير دولاب العمل الحكومى وصيانة أصول الثروة القومية عبر تبنى برنامج شامل للتكويد وإدارة مخازن الهيئات والوحدات العامة، وأيضا التوسع في تطبيقات موازنة البرامج والأداء وربط النفقة العامة بتحقيق أهداف تنموية مستدامة.
الأمر الذى يسهم في السيطرة على أرقام الدين العام وأعباء خدمته عند الحدود الآمنة بنسبة 58% للدين العام و23% لاعباء خدمته مما سمح لمن جاءوا بعده في تحقيق أعلى معدلات نمو للاقتصاد المصرى بعد حقبة الستينات والمعدل بلغ نحو 7,6%.
وعليه آن الأوان لوقفة حازمة للسيطرة على أرقام الدين العام وأعباء خدمته وإدارته وفق المعايير الاقتصادية المتعارف عليها دوليا ووفق مبادئ الشمول المالي للإيرادات والمصروفات العامة، ولا سبيل لذلك إلا بتغيير وزارى عاجل للمجموعة الوزارية الاقتصادية والاستعانة بخبرات اقتصادية واعية بحدود الأزمة ومخاطرها على الاقتصاد والناس وتملك حلول من خارج الصندوق لآثار الأزمة التى تمددت لكل جوانب الحياة الاقتصادية وقبلها تملك التكليف والصلاحيات.. والله المستعان.