الرحلة الأخيرة.. حكاية هروب لاجئي الروهينجا من الإبادة إلى الموت غرقا.. البحر يبتلع المئات قبل الوصول إلى شاطئ الأمان
العام الماضي 2022، كان الأشد فتكًا بالنسبة إلى لاجئي الروهينجا الذين يحاولون الفرار من القتل عبر رحلات خطرة في البحر بحثًا عن الأمان، فيما حذرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن المزيد سيموتون في أعالي البحار في غياب وسائل الحماية والأمان وسط التجاهل الدولي.
وفقًا للوكالة الأممية، حاول أكثر من 3500 من الروهينجا اليائسين عبور البحر عام 2022، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 360 في المائة عن 2021، حيث توفي أو فقد أكثر من 348 شخصًا، وهو أكبر عدد للقتلى منذ 2014.
ووصفت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الأزمة الحالية في خليج البنغال وبحر أندامان بأنها "أزمة تضامن".
للمزيد: مسؤول دولي: مأساة الروهينجا تحمل بصمات حكومة ميانمار والمجتمع الدولي
وقالت المتحدثة باسم المفوضية شابيا مانتو: "إن الدعوات التي وجهتها المفوضية إلى السلطات البحرية في المنطقة لإنقاذ وإنزال الأشخاص المنكوبين قد ذهبت أدراج الرياح مع بقاء العديد من القوارب عالقة في البحر لأسابيع".
وقبل أيام، حطمت الأمواج العاتية في أعالي البحار قاربا كان على متنه امرأة، كانت تصرخ من شدة الرعب عبر المحمول: "لقد غرق قاربنا.. نصف القارب فقط لا يزال طافيا".
المرأة تدعى سيتيرا بيجوم، بينما كانت العاصفة توشك على ابتلاعها، ضمن 180 من الهاربين في البحر، جنوب بنجلادش.
وبينما كانت هي تصارع الموت، كان زوجها على الطرف الآخر من الخط على بعد مئات الأميال في ماليزيا، ورد الزوج ويدعى محمد راشد على المحمول.
ولم يكن الزوج قد التقى عائلته منذ 11 عاما، وعلم قبل أيام فقط أن زوجته ومعها ابنتيه تمكنّ من الفرار من العنف المتصاعد في مخيمات اللاجئين الروهينجا في بنجلاديش.
ورغم مناشدات سيتيرا، فإنها لم تتلق أي مساعدة لها، أو للأطفال والحوامل، الذين كانوا على متن القارب أيضا.
استمع راشد إلى صوت زوجته المرتعش وهي في حالة من الذعر، حيث صرخت باكية عبر الهاتف: "الأمواج ستغرقنا، هناك عاصفة ستغرق القارب"، ثم انقطع الاتصال.
حاول راشد معاودة الاتصال أكثر من مئة مرة، ورن هاتف القمر الصناعي على متن القارب، ولكن لم يرد أحد.
شعب لا يريده أحد
عاشت هذه الأقلية المسلمة، التي يئست من الحصول على أي جنسية، عقودا من المعاناة والاضطهاد في موطنها، ميانمار، ولطالما نظرت إليها الأغلبية البوذية هناك على أنها فئة متطفلة، بحسب ما أوردت وكالة "أسوشيتد برس".
وقد فر نحو مليون شخص منهم عبر الحدود إلى بنجلادش ليجدوا أنفسهم محاصرين لسنوات في مخيمات بائسة، ومحتجزين كرهائن بسبب سياسات الهجرة التي لا تمنحهم أي مخرج.
إنقاذ تلك الأرواح يكاد يكون أمرا مستحيلا لأنه ببساطة ليس هناك من يسعى إلى ذلك، بل يصل الأمر غالبا للتخلي عن الروهينجا وتركهم يموتون غرقا في البحر، كما هو الحال تماما في البر.
القوارب المأزومة
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنه حتى عندما كان المسؤولون يعرفون مواقع القوارب المأزومة في الأشهر الماضية، فقد قوبلت مناشداتها المتكررة للسلطات البحرية لإنقاذ قوارب "بالتجاهل".
ولم يعد هناك أي أمل في مخيمات اللاجئين ببنجلاديش منذ فترة طويلة، وأصبح اللاجئون يشعرون بالحزن والخوف.
"إبادة جماعية"
وقد فر معظم الروهينجا إلى هذه المخيمات في "إبادة جماعية" في ميانمار عام 2017.
ومع ذلك شاعت في السنوات الماضية عمليات القتل الوحشية على يد عصابات وجماعات مسلحة متحاربة – معظمها في وضح النهار.
القارب كان أصغر من أن يحمل 180 شخصا ويبحر بهم بأمان لمسافة 1800 كيلومتر إلى إندونيسيا، التي كانت وجهة القبطان، ومن هناك، كان معظم الركاب يخططون لشق طريقهم إلى وجهتهم النهائية، ماليزيا.
ذهبت سيتيرا في أواخر نوفمبر الماضي إلى والدها وطلبت منه يأذن لها بالصعود على متن القارب ومعها ابنتاها، 18 و15 عاما.
اقرأ: شعب الروهينجا يعيش في حالة نسيان في مخيماته ببنجلادش
في أقصى جنوب البر الرئيسي لبنجلادش، هناك شاطئ تجتاحه الرياح وتحده من الشرق الغابات والجبال ومن الغرب خليج البنغال.
يبدو الشاطئ رماديا قاحلا، لكن هناك عدد قليل من قوارب الصيد الخشبية وجيوش من السرطانات الحمراء الزاهية التي تختبئ في الحفر عندما يقترب أي إنسان. ومن هنا بدأ القارب الصغير رحلته.
"مكدسين كالحيوانات"
في ساعة متأخرة من الليل، وحتى حوالي الساعة الرابعة من صباح اليوم التالي، اتصل عدد كبير من ركاب "قارب جمال" بأفراد عائلاتهم القلقين، وعندها فقط أخبرت سيتيرا زوجها أنها وابنتيه في الطريق إليه.
انطلق مركب آخر إلى إندونيسيا بعد يوم واحد من تحرك قارب "جمال"، وكان على متن هذا القارب 104 أشخاص، على رأسهم رجل يدعى "كفاية الله".
يقول "كفاية الله" إنه بعد وقت من بدء رحلته، رصد قاربا متوقفا من بعيد، ومع الاقتراب منه أدرك أنه قارب جمال، وأنه في مأزق.
أخبره جمال أن محركه به بعض المشكلات، استعار بعض الأسلاك الكهربائية من قارب كفاية الله، ثم عمل على إصلاح العطل. ووصف الرجل الركاب في مركب جمال بأنهم "كانوا مكدسين كالحيوانات".
عندما انتهى جمال من إصلاح المحرك، انطلق من جديد وتبعه كفاية الله، لكن بعد أربعة أيام، هبت عاصفة قوية، وتحطم القاربان وسط أمواج متلاطمة.
بكى ركاب قارب كفاية الله المذعورون مع تساقط الأمطار. بدأت المياه تملأ قارب كفاية الله، وأعد الركاب أنفسهم للموت.
وفي جنح الظلام، أمكن رؤية نور يشع على متن قارب جمال، كان القارب لا يزال فوق الماء. لكن هذا لم يستمر طويلا.
المكالمة الأخيرة
في هذا الوقت، أجرت "سيتيرا" مكالمتها الأخيرة مع راشد، التي استمرت 44 ثانية. قالت: "قاربنا يغرق، نصفه فقط لا يزال طافيا! أرجوك صلِّ من أجلنا، وأخبر والدي بما حدث".
هنا سألها راشد "أين أنت؟"، ردت: "نحن على وشك الوصول إلى إندونيسيا". ثم استمع إلى جملة صعقته: "لقد غرق قاربنا! لقد غرق قاربنا!".
وسمعها تقول: "يارب، لقد أغرقت الأمواج القارب، لقد أغرقت العاصفة القارب!"
وصف كفاية الله، كيف انحدر قارب جمال بشكل حاد وسط الأمواج، ثم انقلب. ويقول إنه لم يستطع رؤية أي شخص في الماء، كان يسمع صراخهم فقط.
"رأيت القارب يغرق"
وأنهى حديثه: "رأيت القارب يغرق بأم عيني".
في غضون ساعات انتشر تسجيل استغاثة سيتيرا في أنحاء مخيم (بلوك إتش)، وبدأت عائلات الركاب في الصراخ والعويل.
اقرأ أيضا: الروهينجا: أي مستقبل ينتظر طفلا لاجئا ولد أثناء فرار والديه من ميانمار؟
كان الناجون الوحيدون المعروفون من تلك الليلة هم كفاية الله وركابه، وانجرف قاربهم لمدة عشرة أيام في البحر، تحطم المحرك ونفد الطعام والماء.
وبينما كانوا يتضورون من العطش والجوع، اكتشفوا زورقا سريعا من بعيد ولوحوا بملابسهم بشكل محموم.
قامت عناصر من البحرية السريلانكية بسحب قارب كفاية الله إلى الشاطئ، وقال كفاية الله من ملجأ في كولومبو "لقد منحني الله حياة جديدة".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
