المنسيون، إذاعة القرآن الكريم تتجاهل القراء القدامى من أجل التمكين للجدد والفضائيات الدينية على خُطى روتانا سينما
عجيبٌ جدًا أمر إذاعة القرآن الكريم، أقدم إذاعة دينية وُضعت للناس في الأرض؛ حيث تُفرِّط في شعبيتها مع سبق الإصرار والترصُد، وتتحدى مُستمعيها الذين تربوا وعاشوا في كنفها؛ عندما كانت واحة للقرآن الكريم، وليس منفذًا إعلانيًا، وقبل أن تحيد عن مسارها الذي وُضع لها عندما تم إنشاؤها في مارس العام 1964.
كان الهدف الأسمى من إنشاء إذاعة القرآن الكريم هو الحفاظ على المصحف الشريف من أي تحريف أو تخريف، حيث سبق إنشاءها ظهور نسخ فاخرة غير مصرية لكتاب الله تنطوي على تحريف مقصود، فكان الحل هو تكليف الشيخ محمود خليل الحصري بالتسجيل الصوتي للقرآن الكريم برواية حفص عن عاصم، وتوزيعه مجانًا في جميع المراكز الإسلامية، وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله - ﷺ - أبي بكر الصديق، ما يكشف بجلاء الدور الحضاري لمصر في هذه الفترة!
سبب إنشاء إذاعة القرآن الكريم
رغم وجاهة هذه الخطوة إلا إنها لم تؤتِ كل ثمارها المرجوة وأهدافها المنشودة؛ نظرًا لعجز القدرات والإمكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأسطوانات على نطاق شعبي، فضلًا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل ستينيات القرن الماضي، وحينئذ ارتأت وزارة الثقافة والإرشاد القومي؛ باعتبارها المسئولة عن الإعلام في ذلك الوقت، وكان وزيرها هو الدكتور عبد القادر حاتم أن تُخصص موجة قصيرة، وأخرى متوسطة لإذاعة المصحف المرتل بصوت الشيخ محمود خليل الحصري، قبل أن تتعدد النسخ بأصوات قراء آخرين.
وبعد موافقة الرئيس جمال عبد الناصر بدأ إرسال "إذاعة القرآن الكريم" في الساعة السادسة صباح الأربعاء الموافق 25 مارس لسنة 1964م، بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميًّا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحًا، ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساءً على موجتين: إحداهما قصيرة وطولها 30.75 كيلوهرتز، والأخرى متوسطة طولها 259.8 كيلو هرتز؛ لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملًا كما نزل به أمين الوحي جبريل عليه السلام على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت أنجح وسيلة لتحقيق هدف حفظ القرآن الكريم من المحاولات المكتوبة لتحريفه؛ حيث يصل إرسالها إلى الملايين من المسلمين في الدول العربية والإسلامية في آسيا وشمال أفريقيا، وكانت أجهزة الراديو وسيلة لالتقاط إرسالها.
نجوم دولة التلاوة المصرية
كانت الإذاعة المصرية انطلقت في العام 1934، واعتمدت عددًا كبيرًا من أصحاب الأصوات القرآنية الخالدة بدءًا من الشيخ على محمود والشيخ محمد رفعت والشيخ عبد العظيم زاهر والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، وصولًا إلى الخمسة الكبار: "مصطفى إسماعيل، محمود خليل الحصري، عبد الباسط عبد الصمد، محمود علي البنا ومحمد صديق المنشاوي"، وآخرين.. رحم الله الجميع.
ومن نافلة القول هنا التذكير بأن الشيخ محمد صديق المنشاوي يُعتبر أحدث هؤلاء الخمسة انضمامًا للإذاعة وكان ذلك في العام 1953، وهو ما يعني أن الإذاعة لم تعتمد أحدًا في شهرة هذه اللآليء القرآنية منذ 70 عامًا؛ لأن جميع من أتوا بعدهم دونهم شهرة وتألقًا وتميزًا؛ ويكفي أن المستمعين لا يزالون متعلقين بأصواتهم حتى الآن.
إهمال قراء بارزين ومنع تسجيلاتهم
ورغم أن أصواتًا عديدة تم اعتمادها سواء قبل إنشاء إذاعة الكريم أو بعد إنشائها، عندما كانت اللجان المختصة تتشدد في اختباراتها، ويستحيل أن تعتمد قارئًا مجاملة لمسؤول أيًا كان منصبه -بعكس ما حدث في العقدين الأخيرين- إلا إن كثيرًا من هذه الأصوات التي كان أصحابها خير سفراء للقرآن الكريم حول العالم تم إهمالهم وتهميشهم تدريجيًا، واختفت أصواتهم في إذاعة وطنهم، بمبررات واهية مردود عليها!
أقرأ أيضا:
قائمة المنسيين في إذاعة القرآن الكريم تضم أمواتًا وأحياءً، بل إن بعضهم يعتبرون آباءً لدولة التلاوة المصرية مثل: الشيخ محمد حسن النادي الذي رحل في العام 1961، وكان يوصف بأنه الامتداد المثالي والتطور الطبيعي للشيخين على محمود 1943، والشيخ محمد رفعت 1950.
كما تضم قائمة المنسيين من الراحلين أيضًا الشيخ هاشم هيبة، الشيخ عبد الرحمن الدروي، الشيخ محمد فريد السنديوني، وآخرين ممن طافوا العالم، وكان خير سفراء للقرآن الكريم، بل إن كثيرًا منهم كانوا أعظم من مجرد قراء مجيدين متقنين، حيث كانوا أيضًا علماء بارزين في القراءات وفنون التلاوة، ومحاضرين في الجامعات المختلفة.
المبرر الجاهز دائمًا وأبدًا عند مسؤولي إذاعة القرآن الكريم هو أنهم لا يمتلكون تسجيلات كثيرة لهؤلاء القراء، وهذا -إن صح- مردود عليه؛ بدليل إن أبناء ذوي بعض هؤلاء الراحلين تحدثوا مع "فيتو"، مؤكدين أنهم قدموا للإذاعة تسجيلات تضم تلاوت طويلة وقصيرة، ولكن تم إهمالها أيضًا.
أحياء مهمشون
أمَّا قائمة المنسيين فتضم أسماء أخرى عديدة مثل: الشيخ محمود الطوخي والشيخ علي نجم عساكر والشيخ أحمد حسن الدشناوي والطبيب أحمد الزارع والشيخ محمود أبو الحجاج المناعي وآخرين، ما دفع بعضهم إلى الهجرة خارج مصر مثل: "الطوخي" الذي ابتعد إلى الإمارات العربية، و"الزارع" الذي هاجر إلى الولايات المتحدة ؛ بحثًا عن فرصة جادة، ومنهم من انزوى إلى ركن بعيد واستسلم لتهميشه واضطهاده؛ بسبب ظروف السن والمرض مثل: "عساكر" و"الدشناوي" كما أفصحوا لـ"فيتو".
سيناريو روتانا يتجدد
المؤسف هنا..أن الفضائيات القرآنية الخليجية استحوزت على تسجيلات عديدة لهؤلاء القراء، سواء الراحلين أو الأحياء، وتذيعها بانتظام على شاشاتها، كما فعلت قنوات روتانا سينما في وقت سابق عندما تمكنت من الحصول على جانب كبير من التراث السينمائي المصري، واستأثرت به لنفسها، وحرمت التليفزيون المصري منه، في وقائع لا تخفى ملابساتها عن أحد، بل إن هذه الفضائيات ومعها محطات إذاعية إسلامية استعانت بتراث قراء مصريين غير معتمدين إذاعيًا، ولكن مشهود لهم بالكفاءة والإتقان مثل: الشيخ عبده عبد الراضي، الشيخ عبد الجواد المنياوي، والشيخ محمود حسنين الكلحي..رحمهم الله تعالى؛ ولعل ذلك يأتي تماهيًا مع المقولة التاريخية: “إن القرآن الكريم نزل بمكة، وقُريء بمصر”!
طبقة القراء الجدد
وبين هؤلاء وهؤلاء ظهرت طبقة جديدة من القراء الجدد، تسللت إلى الإذاعة في العقدين الأخيرين، بعدما تخلت لجان الاستماع الموحدة عن الاضطلاع بمسؤوليتها، وخضعت لأوامر فوقية، وتهاونت بحق القرآن الكريم، فأطلقت الحبل على الغارب، فكان ما كان!
رغم أن هؤلاء القراء، بشهادتي نقيبيهم السابقين: الشيخ أبو العينين شعيشع والشيخ محمد محمود الطبلاوي، محدودو الموهبة، متشابهو الأصوات، إلا إنهم -وفي غفلة من الزمن- توغلوا في إذاعة القرآن الكريم، واستأثروا بالبث المباشر مثل: قرآني الجمعة والفجر، واحتكروا خريطة إذاعة القرآن الكريم، بعدما تمت الإطاحة -كما ذكرنا سلفًا- ببعض الآباء المؤسسين وأسلافهم من المُجيدين المُتقنين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أمرين:
أولهما: إن كان بعض هؤلاء القراء دون المستوى، بشهادة أهل العلم والاختصاص، فإن منهم من يعتبر امتدادًا للجيل القديم، مثل القاريء الشاب ياسر الشرقاوي.
ثانيهما: إن إذاعة القرآن الكريم أنشئت في الأساس-كما أوضحنا- للحفاظ على القرآن الكريم من التحريف، ومن ثم لا يصح التمكين لقاريء غير حافظ لكتاب الله، وغير ملم بأحكامه، ولا يميز بين الحاء والعين مثلًا؛ لأن هذا هو عين التحريف، وقد شهدت الأيام الأخيرة وقائع مشيئة على الهواء مباشرة، من خلط الآيات ببعضها أو من لحن في نطق بعض الكلمات أو ارتباك في الأحكام.
وختامًا.. فإن الكرة الآن في ملعب رئيس الإذاعة محمد نوار، ورئيس شبكة القرآن الكريم من أجل تصويب المسار، والتوقف عن رفع شعار: "ليس في الإمكان أكثر مما كان، وإعادة النظر في القراء المهمشين والمنسيين؛ من أجل إثراء خريطة إذاعة القرآن الكريم والارتقاء بها، واستعادة عصرها الذهبي عندما كانت شريكًا لعموم المصريين في بيوتهم ومتاجرهم؛ حُبًا للقرآن الكريم وتبركًا به.. فهل أنتم فاعلون؟
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة.