الشيخ محمد حسن النادي الثمرة الناضجة في شجرة التلاوة المصرية، أبدع قارئًا ومبتهلًا وموسيقيًا وغادر في ريعان الشباب
وُلِد كفيفًا وعاش قليلًا وسطَّر تاريخًا لا يزال خالدًا رغم رحيله قبل أكثر من ستة عقود. حباهُ الله موهبة متدفقة، وصوتًا نديا خاشعًا، وقبولًا لا يُقاوَم.. إنه القارئ الشيخ محمد حسن النادي الذي تحلُّ ذكرى وفاته الثانية والستون اليوم، ويحتفل بها ذووه ومحبوه في رحاب المسجد الزينبي بالقاهرة مساء الليلة.
لم يكن "النادي"، الذي خرج إلى الدنيا في العام 1923 قارئًا عابرًا في تاريخ دولة التلاوة المصرية التي مرَّ عليها مئات القراء، ولكنه كان قارئًا ذا سمت خاص، وشخصية متفردة، وطريقة مُثلى، وأداء استثنائي.
في سورة "يوسف" التي تبارى قراء أكابر في تلاوتها تجويدًا.. يقف "النادي" بأدائه مختلفًا ومتميزًا، حتى يُشعرك وأنت تتابع تنقلاته الخاطفة بين آياتها كأنك ترى مشاهد محاولة إغواء "يوسف" وحديث النسوة عنها وإدخاله السجن ظُلمًا رأي العين، ولا تملك حينئذ إلا أن تقف مشدوهًا وتقول: سبحان الله!
تحدى العمى بحفظ القرآن الكريم
الفتى الضرير ابن محافظة الشرقية لم يستسلم لـ"مصيبة العمى"، بل استقبلها في رضا تام، وتعامل كأن الأصل أن يعيش الإنسان دون عينين مبصرتين، وشقَ طريقه في حفظ وإتقان تلاوة القرآن الكريم قبل أن يتم عامه الثاني عشر على يد الشيخ محمد متولي سامي، ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره رحل إلى "التلين" بالشرقية، حيث أمضى عامين في تلقي علوم القراءات على يد الشيخ "إبراهيم بكر"، وطبَّقت شهرته آفاق محافظته ومحافظات القناة.
اقرأ أيضًا:
ما تيسر من سيرة الشيخ "النادي"
ماذا فعل الملك فاروق عندما استمع إليه؟
في عام 1945.. كان "النادي" قد أتمَّ عامه الثاني والعشرين، فرحل من الشرقية إلى الإسكندرية، وعُينَ قارئًا بالمسجد العباسي، وذات جُمعة.. حضر الملك فاروق شعائر الصلاة واستمع إلى صوت القاريء الشاب فأعجب به أيَّما إعجاب، ووجَّه باعتماده بالإذاعة، وكان ذلك في العام 1948، وكان "النادي" ابن 25 عامًا؛ ليكون واحدًا من أصغر القراء اعتمادًا في تاريخ الإذاعة المصرية التي احتفلت بعيدها التاسع والثمانين أمس.
من الإنصاف هنا أن ننوِّه إلى الذوق الرفيع لملك مصر السابق في انتقاء المواهب القرآنية، فهو من تعهد أيضًا القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل أحد الأعمدة الرئيسية والراسخة لدولة التلاوة المصرية، وتعهده برعايته واهتمامه.
"النادي" ينتقل إلى القاهرة
ظل القارئ الشاب بالإسكندرية خمس سنوات، قبل أن ينتقل إلى القاهرة، ويكمل مسيرته الخاطفة التي اشتملت إلى جانب تجويد وترتيل القرآن الكريم على الابتهالات والتواشيح الدينية، فتم تعيينه قارئًا للسورة بمسجد السيدة “نفيسة” رضي الله عنها وأرضاها بمدينة القاهرة، تزامنًا مع إبداعه الموسيقى الذي قاده إلى أن يكون عضوًا بمجلس إدارة المعهد العالي للموسيقى العربية.
كان "محمد حسن النادي" امتدادًا طبيعيًا للقارئين الكفيفين الشيخ على محمود والشيخ محمد رفعت، وكل منهما كان أيقونة متعددة المواهب، وكأن يؤمل فيه أن يكمل مسيرته نحو الإبداع والتألق إلا أن الموت اختطفه دون سابق إنذار عن عُمر ناهز 38 عامًا فقط.
سلسلة القراء العُميان في تاريخ دولة التلاوة المصرية تضم أسماء أخرى لامعة مثل: محمود محمد رمضان، عبد العزيز على فرج، أحمد أبو المعاطي ومحمد عبد العزيز حصَّان وآخرين، ولكلٍّ منهما قصة جديرة بالحَكي والتعلُّم.
خلال سنواته القليلة نسبيًا.. سجَّل الشيخ "محمد حسن النادي" عددًا لا بأس به من التلاوات القرآنية التي تذاع عبر الشبكات الإذاعية المحلية، فضلًا عن الإذاعات العربية، منذ وفاته قبل 63 عامًا وحتى يومنا هذا، وتحمل في ثناياها ملامح وصوت وبصمة قارئ استثنائي ومختلف وعظيم. أداؤه في تلاوة سورتي: يوسف ومريم وغيرهما يضعه في مصاف القراء العظام عن جدارة واستحقاق.
وكما أصبح من الأسماء المعدودة في عالم تلاوة القرآن الكريم ترتيلًا وتجويدًا في زمانه.. أبدع "النادي" أيضًا في إنشاد القصة النبوية والقصائد الدينية، وكذلك غناء الأدوار والموشحات.
أبدع "النادي" في إنشاده قصيدة: "قلبي سواك ما عبد" التي تقول بعض كلماتها: قلبي سواك ما عبد/ وجهي لنورك سجد/ أنت الإله الأحد"، وقصائد وموشحات أخرى عديدة، وفيها تلمس دليلًا دامغًا على عبقريته الفنية المتفردة.
تفاصيل علاقة "النادي" وزكريا أحمد
لعب شيخ الملحنين زكريا أحمد دورًا مؤثرًا في حياة القارئ الضرير، حيث افتتن بموهبته الفنية في الغناء والإنشاد، فتعهده بالرعاية والنصح والإرشاد والإشادة به في كل المحافل والمناسبات الفنية التي كان يحضرها.
يقول "أمين فهمي" في كتابه: "شيخ الملحنين الشيخ زكريا أحمد" إن الشيخ "زكريا أحمد" أخذ على عاتقه الاهتمام بـ"النادي"، واستمر في تعهده له برعايته والإرشاد وانتهاز كل فرصة للشهادة بموهبته وعبقريته واقتداره، إلى أن أصبح الأخير -بشهادة كبار الملحنين والموسيقيين- هو الأول -بلا منازع- بين ذوي الأصوات المعدودين في البلاد، وأصبح له جمهور كبير من المعجبين به سواء في ترتيل القرآن الكريم وإنشاد القصة النبوية والقصائد الدينية أو في غناء الأدوار والموشحات بمصاحبة الآلات الموسيقية، مضيفًا: "كم كان سرور الشيخ زكريا عظيمًا وهو يتتبع تقدم تلميذه النابغة، ويرى الإقبال الشديد على سماعه يزداد يومًا بعد يوم".
تقدير غائب من الإذاعة والتليفزيون
ورغم التاريخ المميز لـ"النادي" إلا أنه لا يلقى التقدير الكافي من وسائل الإعلام المختلفة، لا سيما إذاعة القرآن الكريم التي اكتفت اليوم بإذاعة تلاوتين فقط له تزامنًا مع ذكرى وفاته، في الوقت الذي تخصص فيه أكثر من 10 تلاوات لقراء آخرين أقل منه في كل شيء في ذكرى وفاتهم.
يتحجج مسئولو إذاعة القرآن الكريم بأنهم لا يملكون عددًا وافرًا من تسجيلات "النادي" القرآنية، وهو كلام يفتقد إلى المصداقية؛ فضلًا عن أن هناك فضائيات دينية خليجية تذيع له عشرات التلاوات.
"عبد الرؤوف النادي" شقيق القارئ الراحل يناشد دائمًا عبر الفضاء الإلكتروني والاتصالات الهاتفية مسؤولي إذاعة القرآن الكريم بشكل مستمر إنصاف شقيقه وإذاعة تسجيلاته بشكل منتظم إلا أنهم يصرون على موقفهم غير المبرر منه.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الأدبية والفنية والثقافية.