رئيس التحرير
عصام كامل

من برعنخ لـ المجلس الأعلى، التعليم عنوان الدولة القوية في مصر ومفتاح النهضة والتقدم على مر التاريخ

لجنة التعليم الحوار
لجنة التعليم الحوار الوطني، فيتو

ينتظر المهتمون بملف التعليم في مصر بصورة لافتة، نتائج مناقشات الحوار الوطني واستعراضه مشروع القانون المُحال من مجلس الوزراء بشأن إنشاء المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب، استجابة لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وجه بضرورة مناقشة مشروع القانون في أروقة الحوار الوطني، قبل عرضه على مجلس النواب.

الجلسة المخصصة لمناقشة قانون المجلس الأعلى للتعليم والتدريب 

 

ويبدو لافتا حشد الدولة المصرية أغلب مسئوليها النافذين في جميع المجالات لخدمة مشروع قانون المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب، وتخصيصها اجتماعات دورية وأجندة عمل واضحة، ما يعيد لهذا الملف الحيوي تأثيره المفقود منذ عقود ماضية، حال العمل وفق الضوابط المعلنة، لهذا تستعرض «فيتو» المحطات التاريخية للتعليم في مصر، وكيف جرى الاشتباك مع الملف، الذي انعكست نظرة الدولة له على نهضة البلاد وتطورها وتمدنها وتحضرها أو العكس.    

 

برعنخ ـ بيت الحياة، أول مدرسة ومكتبة في تاريخ الإنسانية 

لايحتاج المصريون الحديث عن تاريخهم، إذ تدون كل الوثائق المعترف بها الجذور الراسخة للمصريين في تاريخ الإنسانية وإنجازاتهم بها، وعلى رأسها التعليم، حيث ساهم المصريون في اختراع الكتابة؛ وسجلوا اللغة المصرية القديمة بالكتابة الهيروغليفية.

 

تطور التعليم في مصر القديم، وجرى إنشاء «بر عنخ» أو بيت الحياة، التي سجلت كأول مدرسة ومكتبة في تاريخ الإنسانية، وكان عبارة عن مبنى ملحق في المعابد الكبرى لتعلم الكتابة وتخريج الكتبة، كما جرى اعتماده ليصبح مثل الكليات في شكلها الحديث لدراسة باقى العلوم، وفي «بر عنخ» تطورت علوم الفلسفة والطب والفلك والرياضيات، كما أصبح أول أكاديمية لتعليم الفنون، وأول مكتبة للدارسين واستمر كذلك حتى دخول المسيحية مصر. 

 

الكاتب في مصر القديمة، 

 

مصر المسيحية، المدرسة اللاهوتية بيت العلم والحكمة في العالم 

كما هو مدون تاريخيا، عرفت مصر المسيحية عام 60م، ومع تطور الممارسات الدينية، كان لابد من تغيير التعليم، وأنشئت المدرسة اللاهوتية بالإسكندرية، والتي واكبت حضور مارمرقس إلى مصر، كاتب السفر الثاني من العهد الجديد ـ إنجيل مرقس ـ  والذي يعتبر في التقليد الكنسي الإسكندري البطريرك الأول للكنيسة القبطية. 

كانت الإسكندرية في هذا التوقيت، مركزًا هامًا للثقافة العالمية ولاسيما مكتبتها الشهيرة مكتبة الإسكندرية، التي تخرَّج منها عدد كبير من فلاسفة وعلماء هذا الزمان، لهذا استخدم مارمرقس معرفته بعدد من اللغات مثل العبرية واللاتينية واليونانية في إنشاء مدرسة لاهوتية مسيحية في الإسكندرية عين لرئاستها العلامة يسطس. 

أحد اللوحات الشهيرة التي خلدت مكتبة الإسكندرية في شكلها القديم 

 

اهتمت المدرسة اللاهوتية بالفلسفة والعلوم ودراسة الثقافات المختلفة، كما أدخلت علوم الطب والكيمياء والطبيعة والحساب والهندسة والفلك والجغرافيا والتاريخ والموسيقى واللغات.

 

مصر الإسلامية ما قبل الدولة الحديثة، الأزهر منارة العلوم والثقافة والفلسفة 

بعد دخول الإسلام وانتشاره في مصر، ظهرت المدارس الملحقة بالمساجد، وكان جامع عمرو بن العاص أول مقر لعقد حلقات الدروس التطوعية في مصر خلال العصر الإسلامي، وفي فترة لاحقة واكبت تأسيس الجامع الأزهر، تطور ملف التعليم تماما، وظهر دور الدولة في توجيه التعليم وفق أسس واضحة، حيث كانت تعقد فيه الدروس بتكليف من أعلى مراكز صنع القرار، ولاسيما خلال عهد الدولة الفاطمية والأيوبية والمملوكية. 

 

درس الطلبة في الأزهر بجانب الدين، اللغة والمنطق والفلك، كما اهتم الفاطميون على وجه التحديد بالدراسات الفلسفية وقت أن كان حكام هذه الدولة ينخرطون بشدة في الأنشطة الفلسفية.

 

حلقات العلم في الأزهر خلال الأزمنة القديمة

في عهد المماليك، اتجهت الدولة لجعل التعليم المصري ممثلا في الأزهر مركز الثقافة الإسلامية، لهذا كان التعليم المصري الأزهري يجذب أغلب علماء العالم الإسلامي للنهل منه وعلى رأس هؤلاء ابن خلدون، واستمر التعليم المصري منارة المسلمين في العالم أجمع مع أفول دولة المماليك وسيطرة الدولة العثمانية على العالم الإسلامي، حيث قرر السلطان سليم الأول العثماني ترحيل عدد من علماء الأزهر إلى الأستانة، عاصمة الدولة العثمانية، وجرى تعيينهم هناك لتدريس  المذاهب السنية الأربعة. 

 

محمد على باشا، العصر الذهبي للتعليم المصري 

بعد تولي محمد علي باشا حكم مصر، صمم الحاكم التاريخي للدولة الحديثة في مصر قواعد حكمه وجعل التعليم في القلب منه، وخصص جزءًا كبيرًا من جهوده لإحياء العلوم والآداب في البلاد، ونشر المدارس على اختلاف درجاتها، وإرسال البعثات العلمية إلى أوربا، واتبع نفس الرؤية في إنشاء الجيش والأسطول.

 

نقل محمد على آخر ما وصلت إليه الحضارة الأوروبية الحديثة وخلق منها توجه الدولة الرسمي التي اهتم بالتعليم على اختلاف درجاته من عال إلى ثانوي إلى ابتدائي، ويتبين من مقارنة تاريخ المنشات العلمية أنه عنى أولا بتاسيس المدارس العالية وايفاد البعثات، ثم وجه نظره إلى التعليم الابتدائي واهتم به بشدة، إذ كان يريد نشر التعليم بين طبقات الشعب، حتى يحوز الغالبية قسطا من الثقافة، بما يفرز المؤهل منهم لتفهم دروس المدارس العالية في مصر أو في أوروبا. 

 

محمد على باشا 

 

وخلال عقود قليلة حصدت البلاد ثمار هذا التوجه بالوفرة الشديدة في المتعلمين والعلماء والأدباء والمفكرين ونشأت نهضة كبرى كانت أساس تقدم مصر العلمي الحديث لما يقرب من 100 عام لاحقة.

 

التعليم في العهد الجمهوري، مجانية كل المراحل أساس النهضة والعدالة الاجتماعية

بعد تصفية الحكم الملكي، وإعلان الجمهورية، عملت ثورة يوليو 1952 على الاهتمام بتعميم التعليم ونشره باعتباره من عناصر قوة الدولة الناشئة أنذاك التي سعت للعدالة والكرامة الإنسانية لجميع أبناء الطبقات وخاصة الفقيرة التي عانت كثيرا في العصور السابقة.

 

وثقت الثورة مجانية التعليم من خلال القانون رقم 210 لسنة 1953،الذي قسم الدراسة في المرحلة الثانوية إلى: عامة ونسوية وصناعية وزراعية وتجارية، كما انشأت الدولة المدارس التجريبية والنموذجية بالمرحلتين الإعدادية والثانوية بداية من عام 1956، وفي نفس العام أنشأت الدولة مدرسة للمتفوقين بالقاهرة، يلتحق بها الخمسة الأوائل في الشهادة الإعدادية.

 

اهتمت دولة يوليو بالتعليم الفني واعتبرته قاطرة النهضة، ولهذا أعيد دراسة وضع المدرسة الابتدائية الراقية، وتم ضمها إلى التعليم الإعدادي باسم «المدرسة الإعدادية العملية» وكانت تجمع بين الإعداد الثقافي والإعداد المهني ووضعت تحت التجربة اعتبارًا من عام 1957، وأنشئت جامعة أسيوط  في نفس العام، لتكون بذلك أول جامعة تقام في صعيد مصر. 

 

مع وضوح أركان التجربة الناصرية، أعاد الرئيس جمال عبد الناصر صياغة رؤيته التعليم ودشن القانون رقم 68 لسنة 1968، ليشمل جميع قوانين التعليم السابقة وليؤكد من جديد على مجانية التعليم العام ويقر تنظيمه وكيفية الانتقال من مرحلة لأخرى، كما أكد على مجانية التعليم الجامعي وتطوير الأزهر وتحويله إلى جامعة عصرية تدرس فيها العلوم الطبيعية المدنية بجانب العلوم الدينية.

 

الرئيس الراحل جمال عبد الناصر 

 

أنشأ عبد الناصر أيضا مدينة البعوث الإسلامية لتحتضن آلاف الطلاب القادمين من الدول الإسلامية للتعلم في الأزهر، وتوالى بعد ذلك إنشاء الجامعات في عهد الرؤساء اللاحقين، قبل أن يتردى الحال بسبب عدم وجود سياسات تضع التعليم على رأس اهتمامات الحكم.

 

تراجع التعليم المصري بشدة واحتل مؤخرة التصنيفات الدولية المعترف بها، في انحدار غير مسبوق في التاريخ، قبل أن تتحسن مؤشرات التعليم خلال السنوات الأخيرة، حيث وضعت الدولة منذ عام 2017 تحديدا عنوانا لها في هذا الملف: «إعادة إنتاج شخصية طالب قادر على التعلم، وإعادة الجودة للمنتج المصري».

 

ظهرت ملامح هذه السياسة الجديدة رغم الكثير من العقبات ومشكلات التطبيق أيضا، واحتلت مصر المركز الـ 39 عالميا ضمن افضل الدول في التعليم لعام 2021 م، كما أصبحت بين أفضل 78 دولة صعودا حسب موقع الـU.S.NEWS الأمريكي وفقا لاستطلاع عالمي اعتمد عدة سمات منها وجود نظام تعليم عام متطور جيدًا، وما إذا كان الناس يفكرون في الالتحاق بالجامعة هناك، وما إذا كانت تلك الدولة توفر تعليمًا عالي الجودة.

 

والآن يعول الكثيريين على دعوة الرئيس السيسي لإعادة التعليم المصري لمساره التاريخي، من خلال إنشاء المجلس الأعلى للتعليم والتدريب، ما يساهم في توحيد سياسات التعليم والتدريب بكافة أنواعه وجميع مراحله وتحقيق التكامل بينها، والإشراف على تنفيذها بما يحقق ربط مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل المحلي والدولي، والعمل على النهوض بالبحث العلمي.

 

الرئيس السيسي 

 

ونقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار ، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية