كبار الصحابة.. وتعدد الزوجات
كثير من الرجال يتحدثون عن حقهم فى تعدد الزوجات، وحجتهم فى ذلك أن التعدد سُنَّة، ويستدلون بكبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تزوجوا ثانية وثالثة ورابعة فى عهده صلى الله عليه وسلم ولم يُنكر عليهم هذا!
بداية لابد أن أذكر كباحث أن النبى صلى الله عليه وسلم عاش قصة حب حقيقية رائعة مع السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، وهو فى الخامسة والعشرين من عمره، ودامت العِشرة الطيبة بينهما خمسًا وعشرين سنة ولم يتزوج غيرها، وبعد وفاتها والهجرة الشريفة إلى المدينة المنورة، كانت بداية تأسيس الدولة الإسلامية، وظهرت هناك مجموعة من الأسباب الاجتماعية والتشريعية أدت إلى حاجة النبى صلى الله عليه وسلم إلى الزواج والتعدد للمساهمة فى بناء المجتمع الجديد..
ولظهور أسباب معينة يستلزم معها الزواج بكل زوجة من الزوجات، مثل إلغاء التبنى أو إطلاق سراح أسرى أو تكريم زوجة شهيد، والدليل على ذلك أن كل من تزوجهن المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد السيدة خديجة أرامل أو سبق لهن الزواج، ما عدا السيدة عائشة رضى الله عنها فهى البكر الوحيدة.
لم يرد أمر فى القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة لمن تزوج واحدة بأن يتزوج أخرى، وذلك لأن تعدد الزوجات ليس مقصودًا لذاته وإنما لأسباب: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”.. لا توجد دعوة مفتوحة صريحة للتعدد دون تلك القيود، وبدليل أنه مع فجر البشرية خُلق آدم وله زوجة واحدة ولم يُعدد، فأصل الخلقة واحدة، وفى التشريع أباح ولم يأمر، وشتان بين أن يكون الإسلام أمر بالتعدد وأن يكون قد أباحه.
وعلى الجانب الآخر لابد أن نقر أن غالبية كبار الصحابة حتى الخلفاء الراشدين الأربعة كان لكل منهم أكثر من زوجة، لكن كان ذلك لأسباب عديدة بخلاف المتعة الجنسية، مثل كثرة الحروب والغزوات التى نتج عنها موت الكثير من الرجال، وقد تركوا خلفهم أرامل ويتامى، فكان الصحابى يتزوج من هذه الأرملة ليعولها هى وأولادها حتى لا يُتركوا ضياعًا بغير عائل، فكان التعدد تحملًا للمسئولية وعبئًا جديدًا يُضاف إلى أعباء الزواج وليس بحثًا عن زيادة شهوة ولذة.
ومن أسباب ذلك أيضًا الرغبة فى كثرة النسل والذرية فى بيئة كانت تنظر إلى هذا الأمر بعين الاعتبار، كذلك من أجل الاستمتاع بالحلال المباح الطيب، خاصة أن بعض القبائل كانت ترغب فى شرف النسب من بعض الصحابة، فكانوا يعرضون بناتهم للزواج من التقى الصالح، ومثال ذلك كثرة زواج حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على رضى الله عنه رغبة من القبائل فى الحصول على النَّسب الشريف إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
ولابد ألا نغفل أن أمر الزواج والطلاق كان لدى الصحابة منضبطًا بقواعد الشرع وأصوله، فلم يكن هناك ظلم أو أذى أو اعتداء على الحرمات وتشهير بأعراض كما نسمع الآن فى المجتمعات العربية من أهوال وشتائم وفضائح وكشف للأسرار عند وقوع الطلاق فى كثير من الحالات، لأنهم كانوا ينظرون إلى الزواج على أنه من المباحات التى أقرها الشرع ولم يفرض إلزامًا واجبًا، فكانت حياتهم بسيطة على الفطرة، يلتقون ويتعاشرون بالمعروف، ويطلقون بإحسان كما أمر الله سبحانه وتعالى: "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ".
ورغم كل ما ذكرناه، فهناك من علماء الإسلام من يرون أن تعدد الزوجات حق أصيل للرجل بلا قيد ولا شرط ولا أسباب، ومن حق أى رجل منا أن يلتزم بهذا الحق لأنه سُنَّة اتبعها الخلفاء الراشدون والعشرة المبشرون بالجنة، وكبار الصحابة، والصفوة المختارة من المسلمين الأوائل، وسلوك هؤلاء تشريع مثله مثل النصوص، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتهم اهتديتم"، وبالتالى من حقنا كرجال تجاوز قيد الأربعة لو رغبنا ذلك.
قائمة بأسماء زوجات الخلفاء الراشدين
وهذه قائمة بأسماء زوجات الخلفاء الراشدين:
أبو بكر الصديق.. تزوج أربع نساء هن: قتيلة أو قتلة من بنى عامر، وهى أم عبد الله أكبر أولاده الذكور، وأم أسماء أكبر بناته، وأم رومان بنت الحارث أم ولده عبدالرحمن وأم عائشة، وأسماء بنت عميس أم ولده محمد، وحبيبة بنت خارجة.
عمر بن الخطاب.. تزوج من زينب بنت مظعون أم عبدالله، وعبدالرحمن، وحفصة زوجة الرسول، وتزوج من أم كلثوم بنت على بن أبى طالب أم زيد الأكبر ورقية، وتزوج من جميلة بنت عاصم، ومليكة بنت جرول الخزاعية، ولُهية، وعاتكة بنت زيد، وفكيهة، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة (تسع زوجات).
عثمان بن عفان.. تزوج أم كلثوم بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد سُمى عثمان ذو النورين لأنه تزوج من اثنتين من بنات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ورقية بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأم عبد الله الأصغر، وتزوج فاطمة بنت غزوان، وبنت جندب بن الأزد، وفاطمة بنت الوليد، وأم البنين بنت حصن، ورملة بنت شيبة بن ربيعة، ونائلة بنت الفرافصة بن الأحوص (أسلمت إلا أن أباها كان نصرانيًا) وأم ولد.. (عدد زوجات عثمان بن عفان تسع).
على بن أبى طالب (تزوج تسعًا أيضًا) هن: فاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وخولة بنت إياس، وليلى بنت مسعود، وأم البنين بنت حزام بن خالد الوحيدية، وأم محمد الأصغر، وأسماء بنت عميس، وأم حبيب الصهباء، وأمامة بنت أبى العاص، وأم سعد بنت عروة بن مسعود الثقفى.
وتعالوا إلى العشرة المبشرين بالجنة: طلحة بن عبيد الله (تزوج تسع نساء)، الزبير بن العوام (ست نساء)، عبدالرحمن بن عوف (عشرين امرأة)، سعد بن أبى وقاص (إحدى عشرة امرأة)، سعيد بن زيد (لم يُذكر عدد زوجاته لكنه أنجب واحدًا وثلاثين منهم ثلاثة عشر ذكرًا والباقى إناث)، أبو عبيدة بن الجراح من القلة الذين أعرضوا عن الدنيا وتزوج بواحدة هى هند بنت جابر.
وكل ما ذكرتهن من زوجات كبار الصحابة (على سبيل المثال لا الحصر) لأن معظم كبار الصحابة والسلف الصالح تزوجوا أكثر من زوجة، لأن التعدد كان أمرًا مألوفًا، لكن الإسلام أباح للرجل تعدد الزوجات ولم يفرض عليه هذا الأمر فرضًا واجبًا، والمباح يظل فى دائرة الاختيار وليس الجبر والإكراه، مصداقًا لقوله تعالى: “فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ”.
أسباب تعدد الزوجات
ومن الأسباب العامة لتعدد الزوجات (كما الواقع الآن) انتشار ظاهرة العنوسة، وفى المجتمع بنات على درجة عالية من الجمال والعلم تخطى سنهن الثلاثين ولم يتقدم إليهن أحد، ثم زيادة عددهن على الرجال.. أليس من الأفضل أن نُجبر خاطرهن.. (جبر الخواطر على الله).
ومن الأسباب الخاصة سوء طباع الزوجة وحدتها، لقد زرت معظم دول العالم، رأيت (على سبيل المثال لا الحصر): الزوجة اللبنانية تلبى أى طلب ولو بسيطًا لزوجها بهذا العبارة: (على راسى)، والسورية تدلل زوجها بـ تقبرنى، وتُدخل عليه الفرح والبهجة والسرور، فى حين شريحة كبيرة من المصريات نكديات∪ وعصبيات، فى حين أن الزوجة المصرية زمان كان زوجها هو كل حياتها وتحاول إرضاءه بكل الطرق والوسائل، وفى مقدمتها الابتسامة الحلوة، والتى أصبحت نادرة في زيجات هذا العصر!
وكما رأيت فى طبقة رجال المال والأعمال، الكثيرين منهم يفتح علاقات غير شرعية، والمتدين منهم يقيم زواجًا عُرفيًا، بل البعض منهم يشترط أن تكون نسختا عقد الزواج العُرفى معه، ويدفعون أرقامًا فلكية مقابل هذا الاتفاق الثنائى الذى يصل إلى ملايين الجنيهات أو إهداء سيارات فارهة، أوشبكة باهظة من الألماس.. أليس من الأفضل توفير كل هذه الأموال الطائلة والزواج الشرعى من ثانية.. أو ثالثة؟!
والمدهش أن الكثيرات من النساء يتمسكن حرفيًا بهذه الآية الكريمة ويحذرون الرجل منها: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)، وأقول وأرد عليهن: إذا فشل الرجل فى تحقيق العدل بين نسائه، هل سيحاسبه سبحانه (هو.. أى الرجل).. أم باقى نسائه؟!
المنافسة هنا ستكون فى النهاية لصالح الزوجة الأطيب، والسلوك الأقوم، والتى ستُدخل السعادة والبهجة على قلب الرجل، فكل واحدة بشطارتها والقادرة على تلبية رغبات زوجها!
وعجبى من امرأة تزوج زوجها بأخرى عليها، ولها الحق فى فسخ عقد النكاح معها، ورفع أمرها للقاضى لفسخه لإحساسها بتحقيق الضرر عليها من زواجه بثانية، لكنها لا تفعل ذلك مكتفية بالعويل والصراخ ولطم الخدود أمام أسرته ومجتمعه وجيرانه وزملائه.. تجنبى كل هذه المشاكل.. كونى حضارية واخلعيه شرعًا وقانونًا.. أليس ذلك أفضل جدًا؟!
ونصيحتى للزوجة الجديدة: طبطبى عليه.. احتويه.. لا تكونى أنتى والزمن ومراته عليه!