معركة الصلاة على النبي تفتح الملف، هل حان وقت الصعود الصوفي بعد فشل الإسلام السياسي، وما علاقة الظروف الاقتصادية؟
هل ودَّع المصريون "الأخونة" و"السلفنة"، وأصبحوا الآن على باقة "الصوفية"؟ هل يتم التفكير حاليًا في التمكين لتيار الصوفية وتصعيد رموزه على حساب الشيوخ الكلاسيكيين الذين يتبنوَن خطابًا تجاوزه الزمن؟ هل يتم تهيئة الأجواء لذلك فعلًا على الأرض؟ هل تم منح الضوء الأخضر لتنفيذ ذلك؟ لماذا وقع الاختيار الآن على الصوفية تحديدًا؟ هل وراءه مغزى سياسي أو اقتصادي؟ هل يجب أن يبقى الدين مكونًا أساسيًا في التوجه الرسمي العام؟ هل فشل مُخطط ما يُسمى "تجديد الخطاب الديني"، ومَن السبب وراء فشله أو إفشاله؟ هل المصريون مُهيأون للتعاطي مع الصوفية؟ وما هو تاريخ الصوفية في مصر؟
هذه الأسئلة وغيرها فرضت نفسها بقوة مؤخرًا؛على خلفية بعض المظاهر والتصرفات الدينية غير المعتادة، ربما كان آخرها قرار وزارة الأوقاف بالصلاة على النبي الكريم عقب صلاة الجمعة الماضية، وما أثاره من جدل وانشقاق، وهذا أمر غير مسبوق ولا يتطلب قرارًا رسميًا، فالمصريون لا يتوقفون عن الصلاة على نبيهم، وما سبقه من الاجتماع في مسجد الحسين وختم القرآن الكريم في يوم ونصف اليوم، والأهم من ذلك كله: تمكين بعض دعاة الصوفية ورموزها القدامي والجدد من الظهور الإعلامي على التليفزيون الرسمي والتمهيد لخطاب صوفي يتجاوز في مظاهره ومضامينه كثيرًا من الثوابت الدينية التي اتفق عليها المصريون، وهو خطاب في مُجمله مُتسامح إلى حد كبير، ويقفز فوق إشكالية: "الحلال والحرام"، ويزهد في الحياة الدنيا ويتطلع إلى الآخرة، ويتباسط في كثير من الأمور..التقرير التالي يُلقي الضوء على الظاهرة الصوفية المصرية ومستقبلها السياسي.
تاريخ الصوفية في مصر
تاريخيًا.. تمثل الطرق الصوفية في مصر أحد أهم التيارات الإسلامية المعتدلة، التي اعتاد أي نظام سياسي التعويل عليها لمواجهة التطرف الديني، وهم دائمًا جاهزون ومستعدون لتنفيذ المهام المطلوبة منهم دون قيد أو شرط، وبعيدًا عن الانتهازية السياسية التي تشوب أداء التيارات الدينية الأخرى التي أفسدت البلاد والعباد في فترات سابقة!
الصوفية من حيث القوة العددية لا يُستهان بهم، حيث يمثلون ما لا يقل عن 10% من عدد سكان مصر، وهذا تقدير مرشح للزيادة قد يصل إلى 15% وربما أكثر، ولا شك أن هذه الكتلة الكبيرة هي التي دفعت القوى السياسية في الانتخابات الرئاسية السابقة إلى مغازلتها والسعي إلى الحصول على دعمها، وهو -كما ذكرنا آنفًا- دعم غير مشروط!
رغم أن بشائر الصوفية في مصر بدأت في القرنين الثالث والرابع من الهجرة، إلا إنها اتخذت شكلًا أكثر تنظيمًا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وأصبحت أكثر انتشارًا في المجتمع المصري، ولم يعد الانضمام تحت لواء الصوفية قاصرًا على الفقراء، بل امتد في أحيان كثيرة إلى النخبة وأصحاب الكرافتات الشيك والثروات الضخمة والسيارات الفارهة؛ ربما كان من أسباب ذلك هو بقاء الصوفيين طوال الوقت في المنطقة الخضراء "سياسيًا" والآمنة "أمنيًا" والمطمئنة "اقتصاديًا"!
في هذا السياق يمكن النظر إلى جلسات الدكتور على جمعة والطبيب الجراح الصاعد بسرعة الصاروخ يسري جبر، والمثير للجدل دائمًا جابر بغدادي، وهي تعصف بالصورة النمطية لجلسات الصوفية!
لم تعد جلسات الصوفية تضم الفقراء والمعدمين وذوي الملابس الرثة والدراويش والمجاذيب، ولم يعد الخطاب الصوفي في هذه الجلسات خطابًا عدميًا، وإن حافظ في جوهره على الجانب السلوكي والأخلاقي المتمثل في: المقامات والأحوال. المقامات تشمل: التوبة والصبر والرضا واليقين والمحبة والتوكل، أما الأحوال فتشمل: القبض والبسط والفناء والهيبة، وهذه كلها فضائل وأحوال نفسية وأخلاقية بحتة. والقاسم المشترك في هذه الدروس والجلسات هو الابتعاد عن الإسقاطات السياسية أو الاشتباك مع الحكومة أو النظام السياسي أو ما يجلب على أصحابه عواقب وخيمة!
المجلس الأعلى للطرق الصوفية
تضم الطرق الصوفية في مصر أكثر من 77 طريقة أبرزها: الطريقة الرفاعية التي أسسها الإمام أحمد الرفاعي، والطريقة الشاذلية التي أقام صرحها أبو الحسن الشاذلي، والطريقة القنائية التي أنشأها عبد الرحيم القنائي بمحافظة قنا، والطريقة الدسوقية نسبة إلى الشيخ إبراهيم الدسوقي، ومسجده بكفر الشيخ من أبرز المزارات الدينية في مصر.
توصيف الهيكل التنظيمي للطرق الصوفية المصرية على المستوى العام في الوقت الراهن يأتي على قمته وفقًا للقانون رقم 118 لسنة 1976: المجلس الأعلى للطرق الصوفية الذي يتكون من ستة عشر عضوًا، ويسيطر على جميع القرارات المتعلقة بجميع الطرق الصوفية المعترف بها وفقًا للقانون. وبحسب القانون..تجرى انتخابات عضوية هذا المجلس كل ثلاث سنوات لاختيار عشرة أعضاء بالانتخاب، بينما يتم اختيار الخمسة الباقين بالتعيين من قبل وزارات: التنمية المحلية والثقافة والأوقاف والداخلية والأزهر الشريف، وهم موزعون على النحو التالي:
-شيخ مشايخ الطرق الصوفية رئيسًا، ويتم تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية!
-عشرة أعضاء من مشايخ الطرق تختارهم الجمعية العمومية لمشايخ الطرق الصوفية في شتى أنحاء مصر.
-ممثل عن الأزهر، يختاره شيخ الأزهر الشريف.
-ممثل عن الداخلية، يختاره وزير الداخلية!
ممثل لوزارة التنمية المحلية، يختاره وزير التنمية المحلية.
ممثل عن وزارة الثقافة، يختاره وزير الثقافة.
-ممثل عن وزارة الأوقاف يختاره وزير الأوقاف
بيانات "القصبي"
رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية عبد الهادي القصبي يستثمر أي واقعة أو حادث طاريء لإعلان دعم الصوفيين للسلطة الحالية، حتى وإن كان الأمر لا يحتمل ذلك.
"القصبي" من رجال "نظام مبارك"، ولكن استطاع الحفاظ على حظوظه والاستمرار حتى الآن في المشهد السياسي من خلال حضوره البرلماني القوي، و"أشياء أخرى".
وفي مقابل بيانات "القصبي"..يرى مراقبون أنها "انتهازية"، ولا هدف لها سوى تحقيق "مكاسب شخصية" له وقيادات الطرق الصوفية، وليس عموم الصوفية.
نظرة الصوفيين لـ"الإسلام السياسي"!
شيخ الطريقة العزمية الشيخ محمد علاء الدين أبو العزائم في تصريحات صحفية سابقة وصف الإخوان والسلفيين بأنهم "وجهان لعُملة واحدة"، وانتهازيون واستغلاليون، على النقيض من الصوفيين، معترفًا في الوقت نفسه بأن نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك استخدم الصوفيين سياسيًا مرات كثيرة!
وهنا نذكر أن التوظيف السياسي للصوفيين أقدم من نظام مبارك، حيث يتم توظيفهم منذ عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر والتاريخ لا ينسى.
الشيخ علاء الدين أبو العزايم
نظرة السلفيين إلى الصوفية!
في المقابل ينظر السلفيون إلى الصوفية نظرة سلبية، ويعتبرونهم مع الشيعة وجهين لعُملة واحدة، بحسب تصريحات سابقة للقيادي السلفي الصافي سعد الله، الذي يرى أن العقيدة الصوفية تتقاطع مع المذهب الشيعي في مسألة الغلو في آل البيت والصالحين والأولياء!
يزعم "سعد الله" أن "الطرق الصوفية عابرة للقارات، وتسعى إلى تحقيق الفوضى الخلاقة وتحركهم الولايات المتحدة، كما يستمدون أموالهم من إيران، قاطعًا بأن الطرق الصوفية أدنى من أن تضطلع بدور سياسي فعّال؛ لأنها لا تمتلك وطنية السلفيين!
البديل الآمن لتيارات الإسلام السياسي
في وقت سابق..توقع الباحث في شؤون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية الدكتور أبو الفضل الإسناوي دورًا سياسيًا أكبر للصوفيين، متوقعًا أن يتم التمكين لهم إعلاميًا وسياسيًا وتقديمهم للرأي العام باعتبارهم البديل الديني الآمن؟
يبدو أن نبوءة "الإسناوي" تحققت مؤخرًا من خلال عدم التضييق على إنشاء طرق صوفية جديدة؛ حيث تم السماح في 2018 بإنشاء طريقة جديدة هي: "الصديقية الشاذلية"، يقودها المفتي الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور على جمعة وهو أكثر العلماء ظهورًا في وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية. كما شهد شهر رمضان الماضي مثلًا ظهورًا إعلاميًا مريبًا للصوفي المثير للجدل "جابر بغدادي"، على حساب المساحات التي كانت مخصصة لإمام الدعاة إلى الله الشيخ محمد متولي الشعراوي.
الظروف الاقتصادية والصوفية
هل تلعب الظروف الاقتصادية التي تمر بها خلال السنوات الأخيرة دورًا إيجابيًا في توطيد العلاقة بين النظام والصوفية؟
الإجابة الأقرب للصواب قد تكون: "نعم"؛ ففي مثل هذه الظروف الطاحنة التي ترتفع فيه الأسعار بوتيرة متسارعة..يُهرع المصريون إلى مساجد آل البيت والأولياء الصالحين؛ طلبًا للبركة والفرج، وتلك عادة قديمة متوارثة؛ حيث يعتبرونها ملاذات آمنة يلجأون إليها ويتبركون بها، وهو ما تراه الجهات الرسمية أسلوبًا آمنًا وهادئًا ولا ضرر من ورائه، فتشجعهم عليه، سواء من خلال عدم التضييق عليهم، أو من خلال إظهار الاهتمام بهذه المساجد، أو إصدار قرارات تكتسب صفة الرسمية تغازلهم مثل: قرار وزارة الأوقاف بالصلاة على النبي بعد صلاة الجمعة الماضية، دون النظر إلى عواقب مثل هذه الأمور التي تبدو بعيدة عن الدراسة.
مغازلة الأنظمة المختلفة للطرق الصوفية يأتي من خلال نقل احتفالاتهم عبر قنوات التليفزيون الرسمي، وحرص القيادة السياسية على إرسال مندوب عنه لتهنئة المتصوفة بذكرى ميلاد شيوخهم، الأمر الذي يظهر الخيار الصوفي أمام الرأي العام بديلًا آمنًا جدًا لصاحبه ويبقيه دائمًا بعيدًا عد دوائر الخطر، فلم يسمع أحد من قبل أن إرهابيًا أو متطرفًا أو متشددًا خرج من صفوف المتصوفة!
العقلية الصوفية..هل تتغير؟
تاريخيًا..لا يمتلك الصوفيون خططًا مستقبلية؛ ربما لأن هذا جزء أصيل من عقيدتهم.. ولكن هل تستمر هذه السمة، أم تتغير بتغير العقول والإحساس بالأمان الكامل في كنف السلطة ورضاها المخملي عنهم والرفاهية المادية غير المعتادة، هلي يبقى العقل الصوفي على خموله واستسلامه وزهده وعفافه وترفعه ويظل في دور "عبده المأمور"، أم يعيد حساباته في ظل اختلاف المعادلة السياسية فيطلب تمكينًا أوسع، وهل يتراجع الخطاب الديني الكلاسيكي ويختفي أصحابه تدريجيًا من المشهد على وقع الجملة الرئاسية الشهيرة: "أتعبتني يا فضيلة الإمام"، في مقابل تعظيم الخطاب الصوفي وإبرازه على نطاق كبير؛ باعتباره صاحب الخطاب الديني المثالي؛ حتى يؤتي ثماره المرجوة، ثم يكون لكل حادث حديث؟
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية.
