خبراء اقتصاد وسياسة عن أزمة اللحوم: الأزمة في رقبة الحكومة.. أحمد بهاء الدين شعبان: الأسر البسيطة والمتوسطة امتنعت عن تناول اللحوم.. وجنون الأسعار يؤثر على صحة الأجيال القادمة
لا أحد يتحمل مسئولية الارتفاع الجنوني فى أسعار اللحوم إلا الحكومة الراهنة، السياسات ليست على مستوى الأزمة، والمستقبل ليس مضمونا فى ظل عدم وضوح الرؤية والتباطؤ فى اتباع روشتة احترافية لتجاوز الأزمات الراهنة، هكذا يرى خبراء اقتصاديون وساسة، خلال تعليقهم على أسباب ارتفاع أسعار اللحوم ورؤيتهم للأداء الحكومى فى الملف وتوقعاتهم للمستقبل القريب.
يقول الدكتور علاء رزق الخبير الاقتصادى ومدير مركز الاستراتيجى للتنمية الاقتصادية، إن الجهود الحكومية التى بذل خلال الفترة الماضية حاولت تغطيه احتياجات المصريين من اللحوم الحمراء وتقليل العجز وتحقيق سعر عادل يقبله المستهلك ويتناسب مع الأوضاع المالية والاقتصادية للمواطنين، خاصة أن مصر تحتل المرتبة العاشرة عالميا فى استهلاك اللحوم.
وأضاف: الحكومة تعاقدت مع مزارع ضخمة فى بلاد أفريقية تحديدا فى دولة تشاد لاستيراد اللحوم البلدية وطرحها بالأسواق ومنافذ للبيع التى وصلت إلى أكثر من 39 ألف منفذ حكومى فى ربوع مصر بالكامل، مؤكدا أنها خطوه مهمة لخفض الأسعار فى السوق المحلى.
وأشار رزق إلى أن أحد أسباب ارتفاع سعر اللحوم تكلفه الإنتاج وزيادة أسعار الأعلاف بشكل مبالغ فيه، لافتا إلى أن المرحلة الحالية تحتاج تكاتف الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى لإنهاء الأزمة.
وطالب الخبير الاقتصادى المربين بالاعتماد على الأعلاف المزروعة والمصنعة محليا والتربح دون إهدار فرص تحقيق العدالة والحوكمة الرشيدة، مؤكدا أهمية تدخل الدولة لإحداث التوازن المطلوب عبر استيراد الكميات المناسبة لسد الفجوة بين إنتاج اللحوم واستهلاكها، وحماية القدرة الشرائية للمصريين، خاصة فى ظل ارتفاع معدلات التضخم بصوره غير مسبوقة، والتى وصلت لأكثر من 40% حسب تقارير البنك المركزى المصرى الأخير.
وأشار إلى ضرورة تفعيل الحق القانونى للدولة المصرية بالتدخل لتصحيح الوضع المعكوس وتسقيف الأسعار لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، وهو أمر قد يؤدى إلى نجاح مفهوم الدولة التنموية، التى برعت فيها مصر، خاصة فى ظل الأزمات المتعاقبة وعلى رأسها أزمة جائحة كورونا.
وأشار رزق إلى أهمية سرعة الإفراج عن البضائع فى المواني لزيادة المعروض من اللحوم الحمراء فى الأسواق وتقليل العجز فيها الذى بلغ أكثر من 40%، مضيفا: يجب ضمان وجود ما لا يقل عن 3 ملايين رأس ماشية، ومليون من الأغنام والماعز بجانب المتاح أو الرصيد الفعلى الموجود فى مصر والمقدر بـ 8 ملايين رأس ماشيه، و3 ملايين من الأغنام والماعز والجمال.
وأشار الخبير الاقتصادى إلى ضرورة الاهتمام بالدواجن وتوفير معروض سينتهى بتخفيض أسعار اللحوم الحمراء، مع معالجة أزمة ضعف المعروض من الأسماك وهو أمر يثير الحيرة والجدل، لا سيما أن مصر تملك ثروة سمكية ضخمة، فالبلاد تذخر بالبحيرات الكبيرة، ولديها بحرين، وأسطول من أكبر أساطيل العالم فى الصيد، ورغم ذلك هناك عجز كبير جدا فى إنتاج وصناعة وتعبئة الأسماك.
وتابع: بحيرة ناصر وحدها تستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتى من البروتين لـ110 ملايين مصرى ومصرية، مطالبا بفتح تحقيق فى هذا الملف ومحاسبة المخطئ لأنه يضر عمدا بالأمن القومى الاقتصادى الاجتماعى لمصر.
أما الدكتورة هدى أبو رميلة، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأهرام الكندية، فأكدت أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات لضبط أسعار اللحوم، عبر استيراد اللحوم التشادية والبرازيلية والسودانية، ولكنها لم تحقق الهدف المنشود.
وأوضحت أن مشكلة شح الدولار انتهت إلى تفاقم أسعار العلف بالتزامن مع أزمة الحرب فى السودان ما جعل اللحوم الحمراء حكرًا على موائد الأثرياء دون غيرهم.
وأضافت: مصر تعتمد على السوق السودانى كمصدر أساسى للوفاء باحتياجات السوق المحلى، موضحة أن اللحوم السودانية تمثل ٦٠٪ من التبادل التجارى بين البلدين واندلاع الحرب هناك انعكس علينا بشدة.
واستكملت: إجمالى حجم واردات مصر من اللحوم الحمراء بلغ ١,٤ مليار دولار عام ٢٠٢٢، منها ٢٠٠ مليون دولار واردات لحوم من السودان، من بينها الحية والمبردة، إضافة إلى اللحم الجملى، والأخير سيشهد تأثرا أكبر من باقى الأنواع الأخرى، حيث لا بديل عن السودان كمصدر أساسى له، بينما الأنواع الأخرى يمكن توفير بدائل لها من تشاد والصومال، بجانب دول أمريكا اللاتينية على شاكلة البرازيل وأوروجواى.
وأضافت: أسعار اللحوم الحمراء متوسطها حوالي ٣٤٠ جنيهًا بزيادة لا تقل عن 140%، والأسباب قد تكون معروفة لكن يمكن تلخيصها فى قلة وجود مراعٍ طبيعية فى مصر، مما أدى إلى اعتماد المزارعين والمربين على الأعلاف المزروعة أو المصنعة عالية التكاليف، ودخول فصل الشتاء وارتفاع أغلب المنتجات الغذائية عالميًّا ومحليًّا بالإضافة إلى حلول أعياد الإخوة المسيحيين الذين يتزايد تناولهم للحوم فى فترة الأعياد.
وأشارت إلى صعوبة وارتباك عمليات الاستيراد من المناشئ الأكبر مثل البرازيل والهند اللتين تستحوذان على أكثر من 60% من واردات اللحوم سنويًّا، موضحة أن مصر تستهلك مليون طن من اللحوم سنويًّا، منها 550 ألف طن محلى، والباقى مستورد، مما يجعل نصيب الفرد حوالى 9 كيلو من اللحوم الحمراء و20 كيلو من الدواجن.
وأكدت أستاذ الاقتصاد أن ارتفاع أسعار الأعلاف من 6000 جنيه إلى 20000 جنيه أي بزيادة أكثر من 300% مع ارتفاع أسعار طن الذرة من 6000 جنيه إلى 14 ألف جنيه وفول الصويا من 8000 إلى 25 ألف جنيه أسهم فى زيادة أسعار اللحوم الحمراء بصورة غير مسبوقة وهذه الزيادة متوقع لها الارتفاع أيضًا خلال الفترة المقبلة.
وأشارت أبو رميلة إلى أن تراجع أسعار سعر الجنيه المصرى أمام الدولار أيضًا من أسباب زيادة أسعار اللحوم داخل مصر، بجانب خروج صغار المزارعين من منظومة إنتاج اللحوم فى مصر وتحكم المزارعين الكبار فى العملية برمتها، مما يجعلنا على أعتاب شبح احتكار فى إنتاج اللحوم بمصر.
وعن كيفية عبور أزمة ارتفاع أسعار اللحوم، أكدت أستاذة الاقتصاد أهمية تدخل الدولة لإحداث التوازن المطلوب واستيراد الكميات المناسبة لسد الفجوة بين إنتاج اللحوم واستهلاكها مع حماية للقدرة الشرائية للمصريين مع إلغاء ضريبة القيمة المضافة على هذه السلع مع الإفراج عن البضائع فى الموانئ.
وشددت على ضرورة استيراد رءوس ماشية لمواجهة ارتفاع الأسعار عبر توجه وزارة الزراعة نحو دولة السودان الشقيقة وتشاد حيث المراعى الطبيعية، موضحة أن الأسعار هناك أقل من الدول الأخرى، لافتة إلى ضرورة توفير الأعلاف لمدة لا تقل عن 45 يومًا لهذه الماشية بعدها يتم طرحها فى الأسواق بما يضمن زيادة المعروض منها وحال اتخاذ هذه الإجراءات، توقعت انخفاض الأسعار من 30 إلى 40% على الأقل.
وأشارت أبو رميلة، إلى أن حجم الاستثمارات فى صناعة الدواجن داخل مصر، لا يقل عن 100 مليار جنيه، حيث يعمل بالقطاع نحو 3 ملايين عامل مصرى عبر عدد من المنشآت الداجنة تبلع حوالى 40 ألف منشأة فى مصر، مضيفة: مطلوب إزالة كل العراقيل والبيروقراطية التى تمنع من زيادة حجم الاستثمارات فى هذا القطاع تحديدًا، كما تمنع دخول التكنولوجيا لزيادة حجم الإنتاج بما يسد الفجوة الغذائية فى إنتاج اللحوم سواء كانت حمراء أو بيضاء.
من ناحيته، يرى المهندس أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكى المصرى، أن الحكومة لم تفعل شى لحل أزمة اللحوم الحمراء والدليل أن أسعار اللحوم لم تنخفض بل زادت بشكل غير مسبوق فى المجتمع المصرى، وأصبحت عبء ليس على محدودى الدخل فقط، وإنما على الطبقة المتوسطة أيضًا، لدرجة أن اللحوم أصبحت خارج ميزانية الأسرة.
ويؤكد بهاء الدين شعبان أن الحكومة أكدت عدة مرات أن استيراد اللحوم التشادية والسودانية والبرازيلية سيخفض الأسعار ولم يحدث، بل على العكس، واصلت الارتفاع وتابع: الحكومة فشلت فى وقف جنون الأسعار والسيطرة على الأسعار، ما أطلق يد التجار فى تحديد الأسعار التى تضمن أرباح تفوق ٢٠٠% بينما جهاز حماية المستهلك لا يشعر به أحد، وليس له دور فى التصدى لجنون الأسعار.
وحذر بهاء الدين شعبان من أن جنون الأسعار سيؤثر على الحالة الصحية للأجيال القادمة نتيجة نقص اللحوم والفيتامينات الكالسيوم، مؤكدا أن السياسات الاقتصادية تحتاج إلى إعادة نظر، على حد قوله.