رئيس التحرير
عصام كامل

ما حكم الدعوة إلى الاجتماع للصلاة والسلام على سيدنا النبي يوم الجمعة؟ الإفتاء تجيب

دار الافتاء،فيتو
دار الافتاء،فيتو

حكم الدعوة إلى الاجتماع للصلاة على النبي، ورد إلى  دار الإفتاء سؤال يقول ما حكم الدعوة إلى الاجتماع للصلاة والسلام على سيدنا النبي يوم الجمعة؟ حيث إن هناك من يقول بأن ذلك بدعة.
 

فضل الصلاة على النبي 

ومن جانبها عددت دار الإفتاء فضل الصلاة والسلام على سيدنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وأنها من أقرب القربات، وأفضل الذكر الطاعات؛ فقد فقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» أخرجه مسلم.

 

حث الشرع على الاجتماع للذكر والأدلة على ذلك

وتابعت الدار عبر موقعها الرسمي أن المقرر شرعًا أنَّ ذِكر الله تعالى والصلاة والسلام على نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم من العبادات التي ورد الأمر بها مطلقًا من دون تقييد؛ فتصح على كل هيئة، وفي كل حال؛ فتجوز سرًّا وجهرًا فرادى وجماعات بكل لفظ وصيغة توافق الشرع، والاجتماع على الذكر هو اجتماع على الخير وفعل البر؛ فهو من المشاركة والمعاونة على البر والتقوى؛ يقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2].

وقد جاءت الأدلة من القرآن الكريم والسُّنة المطهرة متضافرة في الحثِّ على مجالس الذكر؛ قال تعالى مخاطبًا نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28].

وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأٍ ذَكَرْتُهُ فِي ملأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ».

وورد في الحديث عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» رواه مسلم.

قال الحافظ السيوطي في "نتيجة الفكر في الجهر بالذكر" المطبوع ضمن "الحاوي للفتاوي" (1/ 376، ط. دار الكتب العلمية): [والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر] اهـ.

 

 

الرد على الأثر الذي يُفيد النهي عن الجهر ورفع الصوت بالذِّكر

وقد يحتجُّ بعض الناس على عدم مشروعية الذِّكر الجماعي بما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ممَّا قد يُفيد النهي عن رفع الصوت بالذِّكر، ويُردّ على ذلك بأمرين:

الأول: أنه قد ذكر غير واحد من الحُفَّاظ والشُّراح أنَّ هذا الأثر مما لا يصح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأنه قد روي من فعله رضي الله عنه ما يخالف ذلك القول:

قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/ 177، ط. المكتبة الإسلامية): [وأما ما نُقل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى قومًا يُهلّلون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد؛ فلم يصح عنه بل لم يَرِد] اهـ.

وقال العلامة المناوي في "فيض القدير" (1/ 457، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [وأما ما نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه من أنه رأى قومًا يٌهلّلون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين وأمر بإخراجهم- فغير ثابت. وبفرض ثبوته يعارضه ما في كتاب "الزهد" لأحمد عن شفيق بن أبي وائل قال: هؤلاء الذين يزعمون أن عبد الله كان ينهى عن الذكر، ما جالسته مجلسًا قط إلا ذكَر الله] اهـ.

والثاني: أن هذا الأثر يخالف إجماع العلماء سلفًا وخلفًا، ومن المقرر أنَّ الإجماع حجة ومصدر من مصادر التشريع، بخلاف قول الصحابي.

جاء في حاشية الطحطاوي على "مراقي الفلاح" (ص: 318، ط. دار الكتب العلمية): [وأجمع العلماء سلفًا وخلفًا على استحباب ذكر الله تعالى جماعةً في المساجد وغيرها من غير نكير، إلَّا أن يشوش جهرهم بالذكر على نائم أو مصلٍّ أو قارئ قرآن] اهـ.

 

أقوال الفقهاء في استحسان الذكر الجماعي بعد الصلاة

في استحسان الذكر الجماعي وعموم نفعه وأثره تواردت نصوص الفقهاء:

قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (6/ 398، ط. دار الفكر): [وقد شبَّه الإمام الغزالي ذِكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد، وأذان الجماعة؛ قال: فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد، كذلك ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرًا في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص واحد] اهـ.

وإيقاع تلك العبادة جهرًا بعد أي صلاة مكتوبة -فضلًا عن كونها صلاة جمعة- أمر مشروع ولا حرج فيه؛ فقد توارت النصوص في استحسان الذِّكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا ٱللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: 103]، والْمُطْلَق يُؤْخَذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّده في الشرع.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".

الرد على من يدعي أن الاجتماع للصلاة والسلام على سيدنا النبي يوم الجمعة بدعة
ما قد يدَّعيه البعض من إشكالية تخصيص أوقات معينة للعبادات ويُعدُّ ذلك من أبواب البدع، فهذا وهم وغلط في الفهم؛ فقد نصَّ أهل العلم على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 69، ط. دار المعرفة) في شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي مسجد قباء كلَّ سبتٍ ماشيًا وراكبًا": [وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك] اهـ.

ولا حجة عقلية ولا شرعية لمن ينهى عن تخصيص المسلمين لوقت من الأوقات لذكر الله تعالى وعبادته، وهم مع ذلك لا ينهون ولا يعترضون عن تخصيص بعض الأوقات لغير ذلك من الأفعال الدينية أو غير ذلك.

والذي يتضح من خلال ما سبق: أن من يتَّهم المسلمين في فعلهم ذلك بالبدعة، هو للبدعة أقرب وأولى؛ لأنه تحجَّر واسعًا وضيَّق على المسلمين أمرًا جعل الشرع لهم فيه سَعةً؛ حيث إن الإسلام حثَّ حثًّا مطلقًا على الذكر، والأمر المطلق يقتضي عموم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال كما بينَّا، ومنع المداومة على الخير ضرب من ضروب الجهل والصد عن العمل الصالح، والناهي عن ذلك قد سنَّ سُنة سيئة في المنع من فعل الخير وتنظيمه والمداومة عليه، مخالفًا بذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من أن عمله كان ديمة، ومن أن أحب الأعمال إلى الله أدومها كما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، ولم يلتفت في نهيه هذا إلى عواقب ما يقوله ويزعمه مِن صرف المسلمين عن ذكر ربهم والصلاة على نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم في عصرٍ الناسُ أحوج ما يكونون فيه إلى اتِّباع سُنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ويُخشَى على هؤلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون، ويتكلمون فيما لا يعلمون، أن يدخلوا بنهيهم هذا في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ﴾ [البقرة: 114].


حكم الدعوة إلى الصلاة على النبي

بناء على ذلك: فإن الدعوة إلى الاجتماع للصلاةِ والسلام على سيدنا النبيِّ يوم الجمعة بعد الصلاة من الأمور الحسنة التي يحسُن فعلها، والحرص عليها؛ لنيل ما فيها من ثواب عظيم؛ إذ هي تطبيق عملي لعدد من الأوامر الشرعية المتمثلة في الأمر بذكر الله تعالى، والأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر بالاجتماع على فعل الخير وعمل البر بشتى الصور وعلى كل الأحوال.

 

الجريدة الرسمية