مصير "مرسى" يدفع إخوان تونس لترميم الحكومة.."النهضة" تعيد رسم سيناريوهات الأحداث.. وتعتبر حل المجلس التأسيسى خطًا أحمر.. وقوى المعارضة تبحث عن صيغة توافقية لإنهاء حكم "الغنوشى"
مع تصاعد التوتر الذي أنتجته أعمال العنف والاغتيالات السياسية في تونس، بدت المخاوف من تكرار السيناريو المصري الذي أطاح بحكم الإخوان تأخذ طابعا جديا، سواء على صعيد مؤسسة الحكم أو الجماهير الغاضبة، ما أدى إلى تغير يبدو تكتيكيا من جانب إخوان تونس "حركة النهضة"، بهدف إعادة رسم سيناريوهات الأحداث.
فقد شهدت تونس خلال الأيام الماضية، موجة من المظاهرات المؤيدة للحكومة التونسية التي تقودها حركة النهضة، وأخرى معارضة تطالب برحيلها وحل المجلس الوطني التأسيسي "البرلمان"، وسط دعوات متصاعدة لحل الحكومة عقب مقتل معارضين آخرهم محمد البراهمي وجنود من الجيش في كمين نسب إلى مجموعة "إرهابية" عند الحدود مع الجزائر.
وفى تلك الأثناء، أبدت حركة النهضة التي تترأس "الترويكا الحاكمة" في تونس استعدادها للحوار لتشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة إنقاذ، فيما اعتبرت الحركة أن الحديث عن حل المجلس التأسيسي يعد خطًا أحمر لا تقبل الخوض فيه.
وفيما يبدو محاولة لتدارك المخاطر المحدقة بحركة النهضة، تعالت أصوات قيادات فاعلة بها أن الحركة مدركة جيدًا لأهمية الوحدة الوطنية، وذلك على خلفية اغتيال النائب محمد البراهمي وحادثة جنود الجيش من قبل مجموعة إرهابية في جبل الشعانبي.
وعلى صعيد آخر، واتساقا لما دعت إليه حركة "تمرد التونسية"، كشف الناطق باسم الجبهة الشعبية، حمة الهمامي، بعد لقائه برئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي عن وجود مساعي بين الأطراف السياسية تصب باتجاه البحث عن صيغة توافقية تنهي هذه المرحلة من الحكم، مؤكدا اتفاق كافة الأطراف المشاركة على إلغاء المنظومة الناتجة عن انتخابات أكتوبر 2011 التي جاءت بحركة النهضة إلى الحكم وحل المجلس التأسيسي والحكومة.
وتطالب حركة "تمرّد" التي أسسها شباب تونسيون على غرار "تمرّد المصرية" بحلّ المجلس التأسيسي، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تترأسها شخصية مستقلة ومشهود لها بالكفاءة، وتغيير كل المسئولين الأمنيين الذين تم تعيينهم في عهد حكومة النهضة، وتغيير كل الولاة والمعتمدين التابعين لحركة النهضة.
وتطالب الحركة أيضًا بتحييد المساجد وتغيير الأئمة الموالين للحكومة، وإتمام الدستور من طرف لجنة من المختصين والخبراء، وتحديد تواريخ الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أجل لا يتعدى 6 أشهر.
إلا أن رئيس الحكومة المؤقتة، على العريض وهو أحد قيادات حركة النهضة كان يرفض إمكانية قبول فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية، مؤكدا أن حكومته ستواصل عملها ولن تستقيل من مهامها، قبل أن تدفع الأحداث الأخيرة والتظاهرات إلى موقف جديد خوفا من تطور الأوضاع إلى مالا يحمد عقباه في ظل المخاوف من السيناريو المصري.
ويرى العريض أن حركة "تمرّد" التونسية التي تطالب بحلّ الحكومة والمجلس التأسيسي الذي يكتب الدستور الجديد تمثل "خطرًا على المسار الديمقراطي في البلاد"، وهو ما أكدته مطالب الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أحد أكبر الكيانات المؤثرة في تونس، بتشكيل حكومة وحدة وطنية وتكليف المجلس التأسيسي بكتابة الدستور فقط في ظرف لا يتجاوز الشهر.
كان مهدي سعيد، الناطق الرسمي باسم حركة "تمرّد تونس" قد أعلن أن الحركة جمعت حتى 14 يوليو 870 ألف توقيع، وأنها تطمح إلى جمع مليوني توقيع، مؤكدا أن الحركة ليس لها أي انتماءات حزبية ولا أي ارتباطات بالخارج، وذلك ردا على اتهامات رئيس الحكومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية بأن حركة "تمرّد" التونسية حركة "مشبوهة"، لا يعرف أحد مَنْ يقف وراءها وما هي أهدافها ومن يمولها.
وعلى الرغم من محاولات قيادات "إخوان تونس"، النأي ببلدهم عما يجري في مصر من تطورات، معتبرين أن ما شهدته مصر لم يكن ليحدث دون تدخل الجيش ودعمه لتظاهرات الجماهير، إلا أن الاستجابة السريعة من جانب "حركة النهضة" لترميم الحكومة الحالية يؤكد أن ما أنجزته حركة "تمرّد" التونسية، دق جرس الإنذار وعزز المخاوف من انهيار التجربة الحالية على غرار ما جرى في مصر.
وفيما يبدو تأثير حركة "تمرّد" التونسية واضحا على تطورات الأحداث هناك، إلا أن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، يرى أن ما تشهده بلاده من تطورات لا علاقة لها بنشوء تلك الحركة الشبابية، حيث يوصف حالة "تمرّد" بأنها "إضاعة للجهود"، قائلا إن "بعض الشباب الحالم يمكن أن يظن أنه يستطيع أن ينقل ما يقع في مصر لتونس".
كما يؤكد الغنوشي أن هناك فروقات كبيرة بين حركة "النهضة" وجماعة الإخوان في مصر، حيث إن كلا له أوضاعه الخاصة، مشددا على أن حركته ذات المرجعية الإسلامية قدمت العديد من التنازلات السياسية والفكرية من أجل المصلحة العامة، وذلك من أجل تجنب الاستقطاب الأيديولوجي، وتحقيق التوافق لنتجنب مخاطر الانقسام، في إشارة لما جرى من انقسام بين الإسلاميين ودعاة الدولة المدنية في مصر.
إلا أن الغنوشي لا ينفى إمكانية تأثر الشارع التونسي بأحداث الدولة المجاورة، إذ يقول "التأثير لا يكون بشكل آني، ونحن نؤكد أن الوضع والواقع مختلف، فنحن في تونس قدمنا تنازلات في مجال الدستور ليمثل جميع التونسيين"، وهو ما يؤكد أن الأيام القادمة سوف تشهد المزيد من التنازلات من جانب الإخوان تفاديا لمصير نظرائهم في مصر.